تحقيقات

كيف المغنّي بوب ديلان نال “نوبل” الأَدب؟ ​(1 من 2) بقلم الشاعر هنري زغيب

المصدر: بيروت- النهار العربي

“صحيح أَنه أَحد أَشهر المغنّين في هذا العصر، ولكن…  هل هذا يخوّلُه أَن ينال جائزة غير فنية: “نوبل” الأَدب”؟

بهذا التعليق عبَّرَ عدد من الأُدباء عندما تبلَّغوا الخبر صادرًا عن الأَكاديميا السويدية في ستوكهولم نهار الخميس 13 تشرين الأَول/أكتوبر 2016. وكانت تلك هي الخضَّة الثانية في مسيرته، بعد الأُولى يوم أَعَلَن التخلِّي عن إِلحاده، وإِيمانَه بالله وانضمامَه إِلى الكنيسة الإِنجيلية نهار الأَحد 14 كانون الثاني/يناير 1979.

فماذا عن هذا المحلِّق خارج السرب؟

صدمة” الفوز

سنة 1996 كان غوردون بولّ Ball (الكاتب والمصوِّر الفوتوغرافي الفني وأُستاذ الأَدب الإِنكليزي لدى معهد فيرجينيا العسكري) أَعلن ترشيح بول ديلان إِلى نيل “جائزة نوبل للأَدب”. وراح يلاحق هذا الترشيح ويكرِّره ويجدِّده طيلة 20 سنة، حتى تحقَّق ذلك سنة 2016، وأَعلنَتْ أَمانة الجائزة فوزَه لــ”إِضافته فضاءاتٍ من التعابير الشعرية الجديدة إِلى الأُغنية الأَميركية التقليدية”.

يومها أَحدثَ ذاك الفوز جدَلًا حادًّا، وصدر مقال في “نيويورك تايمز” ذكَرَ أَنَّ “بوب ديلان، 75 سنة، هو أَول موسيقي ينال هذه الجائزة، وإِعلانها له نهار الخميس هو أَغرب اختيار في تاريخها الممتد منذ 1901”.

بقي ديلان صامتًا قبل استلامه الجائزة، لا يجيب عن أَيِّ انتقاد، حتى صرَّح للصحافية إِدنا غاندِرسِن (جريدة “التلغراف” البريطانية – 29 تشرين الأَول/أكتوبر 2016): “كان فوزي مُذْهلًا وصاعقًا، فوق تصوُّري. لم أَكُن أَحلم أَن أَنال إِحدى أَكبر وأَشهر الجوائز في العالم”.

…ولدى صُدُور أَلبومه الثاني (1963)

المتمايز

في 5 حزييران/يونيو 2017، علىى صفحة “جائزة نوبل الإِلكترونية”، كتَب المؤَرخ والناقد السويدي هوراس إِنغدال (عضو في لجنة الجائزة): “مكانةُ ديلان عالية في تاريخ الأَدب. فهو المغنّي الجدير بمكانه إِلى جانب كبار الشعراء في التاريخ، مع أُوفيد والرومنطيقيين الرؤْيويين، ومع ملوك فن البْلوز وأَشهر أَعلام الشعر في العالم”.

صحيح أَن أَغانيه تتردَّد بين الملايين في العالَم، لكن تمايُزَهُ أَيضًا هو في نُصُوص أَغانيه التي لفتَت بشاعريَّتها العالية ورومنطيقيَّتها الراقية التي لمست مشاعر الأَميركيين من أَعمار مختلفة. سوى أَن البعض رأَى في منحه “نوبل الأَدب” إِيغالًا في المبالغة أَن ينالها كاتبُ أُغنيات بدلًا من شاعر كبير مكرَّس.

بوب الفتى الحالم بالنجاح

من هو؟

اشتهر كـ”بوب ديلان”، لكن اسمه الأَصلي روبرت آلِن زيمرمان. ولد نهار 24 أَيار/مايو 1941 في مدينة دولوث البحرية (ولاية مينيسوتا الأَميركية). لكنه انتقل سنة 1947 مع والدَيه إِلى مدينة هيبينغ (في الولاية ذاتها) وأَمضى فيها صباه.

اعتمد “بوب ديلان” اسمًا فنيًّا بعد سماعه الشاعر الويلزي (من ويلز في المملكة المتحدة) ديلان توماس (1914-1953) يقرأُ من شعره بِإِلقاء ساحر إِبَّان جولةٍ له على مُدُن كبرى في الولايات المتحدة، وكان له تأْثير بالغ على جيل تلك الحقبة. كما عَرَف المغني الشاب تأْثيرًا آخَر من الشاعر الأَميركي آلِن غينسْبورغ (1926-1997) الذي كان له وقْع خاص في نفوس شباب تلك الفترة، ولاحقًا ظهر تأْثيره واضحًا من كلمات بوب ديلان في أَلبومه “أَعِدْهُ إِلى البيت” (1965).

 الغيتار رفيقُه الدائم في أغانيه الشبابية

 البدايات        

خلال دراسته الثانوية (في مدرسة هيبينغ)، شكَّل بوب فرقة راح يدور بها على بعض المدارس يؤَدّي معها أُغنيات ممن كان الأَشهر فترئذ: إِلفيس برسلي.

سنة 1959 انتسب إِلى جامعة مينيسوتا في مينيابوليس، وفيها اطَّلع على الفن الغنائي الأَميركي الشعبي. ومن هناك أَخذ يغني باسمه الفني “بوب ديلان”. سوى أَن إِقامته في مينيابوليس كانت وجيزة، إِذ غادر الجامعة عند نهاية العام الجامعي الأَول سنة 1960، وانتقل إلى نيويورك مفتتحًا منها مسيرته الفنية، ومُطْلقًا سنة 1962 أَلبومه الأَول “بوب ديلان يغنّي” وفيه أُغنيتان فقط من كتابته والباقية في الأَلبوم من كتابة سواه.

أَلبومه الثاني “بوب ديلان المطلق الحرية” (1963) حوى أُغنيات سياسية اعتراضية من كلماته، رأَى نقاٌد يومها أَنها استبقَت الوضع السياسي الذي أَدَّى إِلى أَزمة الصورايخ الكوبية.

أَداؤُهُ على المسرح هَوس شباب جيله

الالتزام بحقوق الإِنْسان

والْتَمَعَ اسم بوب ديلان أَكثر لدى إِصداره أَلبومه الثالث “زمن التغيير” (1964) وفيه الْتزامُهُ الواضح بحركة حقوق الإِنسان في الولايات المتحدة. وهو ما تجلَّى لاحقًا كذلك سنة 1971 في أُغنيته “جورج جاكسون” (1941-1971) تكريمًا ذكرى الناشط  السياسي الأَميركي عضو حزب “النمر الأَسود” وكان اغتيل شابًّا عامئذٍ فيما كان يحاول الهرب من السجن.

راحت شهرة ديلان تتسع مع أَلبومه التالي “الوجه الآخر من بوب ديلان” (1964) ومع انتشار كلمات أَغانيه ودخولها الوجدان الشبابي الأَميركي، خصوصًا في تَنَوُّع أَغانيه بين الموجات الغنائية تلك الفترة وأَساليبها وأَنواعها من الروك والبْلُوز والآلات الكهربائية وأَغاني الريف الأَميركي والشعبية الشبابية.

كيف تلقَّى الوسط الأَدبي نيله الجائزة بين مؤَيِّدٍ ومعترض؟

هذا ما أَسرُدُهُ في الجزء الآخَر من هذا المقال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى