بأقلامنا

الصهيونية العربية تهزم غزة سياسيا بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٢٧ / ٢ / ٢٠٢٤ م.

 

في ظل التطورات الراهنة حول الصراع القائم وحرب الابادة على غزة واهلها وما نتج عنها من انقسامات حادة بين من يدعم المقاومة وارضها وشعبها وبين من يعمل على اقتلاعها و ابتلاعها و انتزاعها من اصلها وفرعها وجذرها، تكشفت من خلالها العورات العربية والاميركية والاوروبية وبانت الامور على حقيقتها جلية وواضحة اتجاه ايديولوجية الصهيونية العربية الظاهرة المتخفية وراء الكواليس وتحت الطاولات والعباءة والشماخ والمال والترهة والمراوغة والالتزام في قضية فلسطين، بات اليوم فتواهم وقرارهم ومسارهم ومصيرهم وعلوهم و”شهامهم وعنفوانهم” وغيره ، وبات تحقيق ما عجزت عنه اسرائيل في الميدان بهزيمة غزة وشعبها شغلهم لبلوغه سياسيا”…

* الصهيونية العربية: هي مصطلح يشير إلى ظاهرة تعاون أو تعاطف بين بعض الأشخاص العرب والحركات أو الأفراد الصهيونيين. وهذا التعاون نتيجة لمصالح مشتركة أو اعتراف بوجود إسرائيل كدولة، وقد يتمثل في التعاون السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. تاريخياً، شهدت بعض الدول العربية علاقات مع إسرائيل في مجالات مختلفة، على الرغم من الصراع الدائم بين الجانبين في الشأن الفلسطيني.
كما وتشير إلى التعاون أو التواطؤ بين بعض الأفراد أو الحركات العربية والصهيونية، وتاريخياً، قد تمتد هذه العلاقات إلى الفترة قبل إنشاء دولة إسرائيل عام 1948. تعكس هذه الظاهرة مجموعة من العوامل والأسباب، منها:
– المصالح السياسية: قد تكون هناك مصالح سياسية مشتركة بين بعض القادة العرب والصهيونيين، مثل التعاون السري أو التفاهمات غير المعلنة لمواجهة تهديدات مشتركة.
– العوامل الاقتصادية: بعض الأفراد أو الشركات العربية قد تتعاون مع الصهيونية في مجالات الاقتصاد، مما يؤدي إلى تعزيز الاقتصاديات الإقليمية وتحقيق مكاسب مالية.
– التطبيع السياسي: بعد توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية، زادت بعض أشكال التعاون الرسمي بينهما، وتطورت علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية.

– إن تيار “الصهيونية العربية” قد مرت بمراحل تكوينية تاريخية،و لكن قد بدأ فيها ظهورها ونشاطها ومشروعها العلني في مرحلة “كوبنهاغن”، التي بدأت مع عقد مؤتمر كوبنهاغن الذي ضم أكثر من ستين شخصية إسرائيلية، ومثلهم من الجانبين المصري والعربي، وعقد يومي 29 و30 يناير/كانون الثاني عام 1997، في العاصمة الدانماركية، تحت رعاية الاتحاد الأوروبي والحكومة الدانماركية.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت “جماعة كوبنهاغن” بمثابة رأس الحربة لتيار عربي، يزداد حضورًا وتأثيرًا في أوساط النخبة، وظيفته الأساسية ترويج مسألة التطبيع مع إسرائيل، ونبذ المقاومة الفلسطينية،
تلا مؤتمر كوبنهاغن زيارات ولقاءات بين مسؤولين إسرائيليين ومثقفين مصريين وعرب. بل وحدثت لقاءات بين رجال دين عرب وإسرائيليين ومنها ، لقاءات بين رجال دين إسرائيليين، وبعض رجال الأزهر، كان أشهرَها لقاءُ شيخ الأزهر السابق، محمد سيد طنطاوي مع السفير الإسرائيلي في القاهرة في أكتوبر/تشرين الأول 1997، ثم لقاؤُه مع كبير حاخامات الطائفة الأشكنازية الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
وكان الهدف المعلن لهذا اللقاء هو الحوار بين الأديان السماوية الثلاثة، أما الأهداف الفعلية فكانت تستهدف تحقيق إلغاء الفتوى الخاصة بإباحة العمليات الفدائية في فلسطين، إدانة أعمال المقاومة ضد المحتل والترويج لسياسات الحكومة، وإصدار فتوى بشأن ذلك. وقد دافع شيخ الأزهر عن لقاءاته مع الحاخامات الإسرائيليين، بعد أن انتقده بعض رموز المقاطعة الشعبية لإسرائيل. وعلى الرغم من جمود مسار “أوسلو”- ووصول عملية السلام إلى حائط مسدود، طوال العقود الماضية- فقد تحولت جماعة
ومنذ ذلك الحين بدأ يتشكل تيار يحمل طابع الثقافة الصهيونية في الوسط العربي، وبدأ نشاطه المكشوف أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحرب 2006 على لبنان…

– سياسة الدول العربية تجاه إسرائيل: تتفاوت بين الدول وتعبر عن مجموعة متنوعة من المواقف والسياسات. بعض الدول تحافظ على علاقات سلمية أو تعاون محدود مع إسرائيل في مجالات مثل الأمن أو الاقتصاد، بينما تعتبر دول أخرى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وممارساتها بمثابة انتهاك للقانون الدولي وتتبنى مواقف قوية ضدها وقد مرت العلاقات بمراحل عديدة منها:

– المرحلة الأولى (1948-1967):
في هذه المرحلة، كانت العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل معادية للغاية نتيجة لتأسيس دولة إسرائيل عام 1948 والنزاع العربي الإسرائيلي الذي نتج عن ذلك.
الدول العربية رفضت قبول وجود إسرائيل كدولة مستقلة ودعمت القضية الفلسطينية بشكل قوي.
– المرحلة الثانية (1967-1973):
بعد حرب الأيام الستة في عام 1967، تم توسيع مساحة إسرائيل إلى ما يُعرف اليوم بالأراضي المحتلة، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري المحتل.
في هذه المرحلة، اتخذت العديد من الدول العربية قرارات بتوحيد الصف العربي ضد إسرائيل واسترداد الأراضي المحتلة.
– المرحلة الثالثة (1973-1993):
بعد حرب أكتوبر عام 1973، بدأت بعض الدول العربية في التفاوض مع إسرائيل من أجل تحقيق السلام وحل النزاعات.
تم توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979 وبين إسرائيل والأردن عام 1994.
– المرحلة الرابعة (من 1993 حتى الآن):
بدأت عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بموجب اتفاقية أوسلو عام 1993، وهذا أدى إلى إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية وانسحاب إسرائيل من بعض المناطق.
بعض الدول العربية أقامت علاقات ثنائية محدودة مع إسرائيل في المجالات الاقتصادية والأمنية، في حين استمرت بعض الدول في رفض الاعتراف بإسرائيل أو التعاون معها بشكل مباشر.

* التطبيع العربي الإسرائيلي:
هو عملية تقارب سياسي واقتصادي وثقافي بين دول عربية وإسرائيل. يتمثل هذا التطبيع في توقيع اتفاقيات ومعاهدات سلام، وتبادل الزيارات الرسمية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين.
– يتسم التطبيع العربي الإسرائيلي بالخطوات المدروسة والممنهجة، حيث تتضمن استراتيجيات متعددة لتحقيق التقارب بين الأطراف، منها:
-المفاوضات السرية: تجري بعض الدول العربية وإسرائيل مفاوضات سرية للتوصل إلى اتفاقيات وتفاهمات قبل الإعلان العلني عن التطبيع، بهدف تخفيف الضغوط الداخلية وتجنب التصعيد السياسي.
– التبادلات الإنسانية: يتم تنظيم زيارات للمسؤولين والشخصيات العامة بين البلدين لتعزيز الثقة وبناء جسور التواصل الثقافي والاجتماعي.
– التعاون الاقتصادي: يشمل هذا التعاون تبادل السلع والخدمات، والاستثمارات المشتركة، وتطوير البنية التحتية المشتركة، مما يعزز التكامل الاقتصادي بين الدول المتعاونة.
– الدعاية والإعلام: يستخدم كل طرف وسائل الإعلام والدعاية لتسويق التطبيع بشكل إيجابي للرأي العام الداخلي والدولي، مع التركيز على الفوائد الاقتصادية والأمنية والسياسية للتطبيع.

– تطبيع امني استخباراتي ثقافي: لذا تم خلال السنوات الماضية تهيئة الرأي العام العربي والإسلامي لتقبل مشروع تفريغ غزة من أهلها، وتركهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم، وتم التحرك وفق ثلاثة اتجاهات محددة لتحقيق هذا المطلب.عبر تحريك وسائل الإعلام بالحوارات الدينية الشائكة بين المسلمين، وزرع الخلافات العقائدية، ربط أي فعل مقاوم بالإرهاب، وتحميل إيران مسؤولية أي أعمال تحرر تنطلق في العالم، وهذا الربط هدفه محاصرة أي مقاومة للمحتل الصهيوني، والاختراق الثقافي وهو مشروع ممتد منذ سنوات يستهدف الأمة وعمقها الديني والتاريخي، وقد ابتدأ هذا المشروع من مؤتمر كوبنهاغن الذي شاركت فيه وفود من إسرائيل ومصر والأردن وفلسطين والاتحاد الأوروبي، وتبعها لقاءات مهمة بشكل كبير ومؤثر .
وتصاعدت نبرة هذا الخطاب خلال الحرب الأخيرة، ولم تعد خافية أسماء الشخصيات الإعلامية والدينية والسياسية المتصهينة…

* التحديات الراهنة ما بعد حرب غزة:
نجح الأميركيون بالتعاون مع إسرائيل والدول العربية المطبعة وتركيا في إفشال الانتصارات الاستثنائية للمقاومة في غزة، وبجانب المفاوضات المؤقتة المتنقلة بين قطر ومصر وباريس بقيادة الولايات المتحدة، يتم تنظيم المشهد الفلسطيني سياسيا على الشكل التالي:
– إلغاء حكومة حماس في غزة وتحويل السلطة إلى الحكومة الفلسطينية.
– انضمام حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية والالتزام باتفاقياتها، بما في ذلك الاعتراف بإسرائيل.
– تشكيل حكومة من الخبراء بمشاركة حماس للسيطرة على الضفة الغربية وغزة.
– تجريد المقاومة من السلاح وتسليم الأمن للسلطة الفلسطينية.
– إبعاد حماس والمقاومة عن إدارة إعمار غزة وتوزيع المساعدات.
– تقديم المفاوضات المتعلقة بالهدنة بمطالب إنسانية محدودة.
– إطلاق سراح بعض الأسرى.
– السماح بعودة النازحين إلى الشمال باستثناء الذكور القادرين على الخدمة العسكرية.
– إبعاد قيادة حماس العسكرية عن المفاوضات.

هذه الإجراءات تهدف إلى هزيمة المقاومة في غزة عن طريق تقييد المفاوضات بالمطالب الإنسانية وإظهار عدم جدوى المقاومة امام الشعب الفلسطيني وداعميه وناصريه من جمهور المقاومة ومحورها، وبالتالي يسهل على العدو الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية والعرب المطبعين التغلغل والتحكم في المنطقة والقضاء على المقاومة، وبذلك تكون الصهيونية العربية قد انجزت وعدها وحققت حلمها قبل الصهاينة بالقضاء على ما تبقى من فلسطين ومقاومتها وشعبها تاريخا وحاضرا ومستقبلا…

لكن المواجهة كبيرة بين بعض الدول العربية وحليفتها إسرائيل واميركا وبين الجمهور العربي المقاوم من اجل نصرة قضايا حقوق الفلسطينيين والقدس وهذا ليس بجديد فالصراع متجزر وقائم ومستمر وله محطات ومواقف مشرفة دائما وابدا…

ومثال على التاريخ؛ في يوم السادس من أبريل/نيسان١٩٧٧، وقف المفكر القومي العربي الدكتور الراحل عصمت سيف الدولة أمام طلبة جامعة الكويت يحاضر حول “الصهيونية في العقل العربي”، قائلا “إن الصهيونية وحلفاءها بعد أن انهزموا عسكريا في جبهة القتال في أكتوبر/تشرين الأول 1973، فتحوا من جباهنا ثغرات، وغزوا عقولنا”.
وقال”اختصروا الطريق إلى النصر النهائي، فبدلا من احتلال أرضنا جزءا جزءا، بدأوا في احتلال رؤوسنا فكرة فكرة”، وبدلا من الاستيلاء على الوطن، يحاولون الاستيلاء على البشر…

هذه النقاط تسلط الضوء على تطور العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل عبر الزمن، مع التركيز على المراحل الرئيسية والتحديات الراهنة…

زر الذهاب إلى الأعلى