تحقيقات

هنرى زغيب: يتكلم باسمى .. وترجمتى وليدة «احتمالات» النص بقلم الشاعر هنرى زغيب،

الأثنين 11 من شوال 1444 هــ 1 مايو 2023 السنة 147 العدد 49819

يستعد الكاتب اللبنانى الكبير هنرى زغيب، لإصدار ترجمة جديدة من كتاب “النبي” بمناسبة المئوية. وبهذه المناسبة كان سؤالنا له عن علاقته بجبران خليل جبران وكتاب “النبي”، فيجيب راويا: ” تعود علاقتى بكتاب (النبي) إِلى زمن الصبا، فمنذ قرأْتُهُ أَحسستُ أَنه يتكلَّم باسمى، ثم اطلعتُ على سائر كتب جبران، من خلال اعتزازى أَنه اللبنانى العالمى الذى جعل أَمريكا تحترمه وتنشر كتبه على مئات الآلاف. وعندما سافرتُ ألاحقه فى نيويورك، ولحظة جثَمَتْ بى (الجامبو)، فى إحدى صباحات أبريل 1985، لَم يَعنِ لى إعلانُ المضيفة أننا وصلنا إلى مطار جون كيندى فى نيويورك، بقدْرِ ما كنت أَشعر أننى وصلتُ إلى المدينة التى عاش فيها جبران. وقلت فى قلبى: (ها أنذا جارُ جبران فى نيويورك، ولو بعد 54 عاماً على رحيله، وسوف أَذوق ما ذاقه فيها وأعيش كما عاش فيها. ورحت أتنقل فى مانهاتن بنيويورك، شاعرًا أننى فى المدينة التى عاش فيها جبران طوال عشرين عاماً، منذ وصوله إليها سنة 1911 حتى رحيله سنة 1931. وطوال إقامتى هناك ما بين 1985و1986، كان يلازمنى شعور صامتٌ كلّما مشيتُ فى تلك الشوارع، فأَتَخَيَّل على أرصفتها وقْعَ قدَمَين لعبقريّ من لبنان كان يَمشيها قبل سبعة عقود، وأوصلتْه إقامته هنا إلى العالمية فالخلود”.

جبران خليل جبران

 

ويكمل زغيب: “بعد نيويورك، زُرْتُ شوارع بوسطن التى شهِدَت سنواتِه الأمريكيةَ الخمسَ عشرة الأُولى، ما بين عامى 1895و1910، وزرتُ (مدرسةَ مارى هاسكل) فى (شارع مارلبورو)، وكنيسةَ سيّدة الأرز التى سُجِّيَ جثمانُه فيها. يلاحقني؟ أم أُلاحقه؟ كأنه البحر، كيفما سِرْنا على شاطئ نكاد، فى شكلٍ أو فى آخَر، نكون على رمالٍ من شاطئ جبران الذى كان طليعةَ التجديد فى زمن اللغة العتيقة، وصدارةَ الرؤيا فى زمن الرؤية التى كانت تبحث عن جديد”.

> دفاتر جبران.. كنز حفظه الزمن

 

وعن ترجمته الجديدة لكتاب “النبي”، وما إذا كانت ستخلق فارقا وإضافة إلى الترجمات المتاحة للكتاب ذاته، يجيب زغيب: ” عندما شرعت فى الترجمة، تساءلتُ: أَيُّ إِضافةٍ فيها عن شقيقاتٍ لها سابقات؟ سوى أن هذا التساؤُل لم يؤَرِّقْنى. فالنصُّ المترجَم ليس ابنَ حقيقةٍ علمية ثابتة لا حيادَ عن صوابيَّتها، بل هو وليدُ احتمالات فى النص الأَصلى يتَّسع لها النص المنقول إِلى اللغة الجديدة، خصوصًا حين تكون، كالعربية، لغةً غنية، فتعطيه فسحةَ انطلاقٍ لا تتحدَّد بالحَرفيّ ولا تَجنح إِلى خيانة الأَصل. من هنا اعتبارى أَنَّ الترجمة ليست (ماذا نترجم)، بل (كيف نترجم ماذا)”.

ويوضح هنرى زغيب أن ترجمته الجديدة لـ ” النبي”، مرت بثلاث مراحل أولاها ترجمةُ المعنى: نقْلًا أَمينًا مضمونَ النص، لا شكلَه ولا أُسلوبَه، والثانية كانت الدخولُ إِلى معنى المعنى: وهو اختراق حجُب الكلمات بلوغًا مدلولَها الداخلى، وفى هذا الدخول ترجمةُ فكْر جبران لا نصِّه، أَى خدمة أَفكاره لا لغتِه. وهذا هو الدخول إِلى معنى المعنى. فالترجمةُ الحرفية غالبًا ما تكون كاريكاتورية فى مؤَدَّاها حين تَنقل حتى الصياغةَ من اللغة الأَصلية. الترجمة تنقُل فكرةَ كاتبِها لا أُسلوبَه ولا صياغتَه، أما الثالثة فكانت تنصيع اللغة والأُسلوب: بعد المرحلتَين، كنتُ أُغلق النص الأَصلى وأَعمل على نصِّيَ العربى صقْلًا وتنصيعًا دون أَيِّ ابتعادٍ عن الأَصل، معتبرًا أَنى نقلتُ مضمونَه بالإِنجليزية، أَما الأُسلوب بالعربية فمسئوليتى. لكل لغة عبقريتُها الخاصة. وإِذا تستحيل ترجمةُ عبقريةِ اللغة الأَصلية، فمن الضرورى الترجمةُ بعبقرية اللغة الجديدة.

وعن موعد طرح الترجمة الجديدة، يكشف زغيب أنها ستصدر فى يونيو المقبل، بالتوازى مع المؤتمر الدولى المقرر له مطلعَ يوليو المقبل بـ”مركز التراث اللبناني” لدى “الجامعة اللبنانية الأمريكية”، لمناسبة مئوية كتاب “النبي”، بمشاركة متخصصين من لبنان والعالَم في أدب وتجربة جبران و”النبي”.

وعن تفسيره لأسباب خلود كتاب “النبي”، يوضح الكاتب اللبنانى الكبير: ” التفسير سهل. هذا كتاب يتوجَّه إِلى جميع الأَزمنة والأعمار والأجيال الجديدة. وضَعه جبران فى العقد الثانى من القرن العشرين، والعالَم خارج حديثًا من ويلات الحرب العالمية الأُولى، وما صاحبَها من نكباتٍ جعلَت الناس فى يأْسٍ من الوصول إِلى السعادة، وفى توقٍ إِلى ما يحملهم صوب آفاقٍ روحانية إِنسانية بعد الحرب المادية. وإِذ جاء بها (النبي) إِليهم بمضمونه ولَهجته وحُبه الإِنسانى لا الفردى، أَقبلوا عليه برغبة الخروج من الماديات القاسية، وهذا ما يفسِّر انتشارَه السريع فور صدوره، وتَتالى طبعاته الأُولى فى أَشهُر قليلة. فالطبعة الأُولى صدرت فى سبتمبر 1923، والثانية فى مارس 1924، وتتالت الطبعات بالعشرات وما زالت تتوالى حتى اليوم نصًّا أَصليًّا وترجماتٍ إِلى معظم لغات العالم”.

زر الذهاب إلى الأعلى