اصدارات

توقيع كتاب “من كل وادٍ صدىً” للدكتور سابا زريق

وطنية – طرابلس – احتفلت “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية” بتوقيع كتاب “من كل وادٍ صدىً” لمؤلفه الدكتور سابا قيصر زريق، في مركز الصفدي الثقافي- قاعة طرابلس.

حضر الحفل النائب الدكتور طه ناجي، الوزراء السابقون: محمد الصفدي وفيوليت خير الله الصفدي، سمير الجسر، ميشال نجار وعقيلته، النائب السابق الدكتور رامي فنج، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، راعي أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت إفرام كرياكوس، رئيس أساقفة طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين الكاثوليك المطران إدوار ضاهر، الرئيس السابق لبلدية طرابلس الدكتور رياض يمق، الرئيس السابق لدائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ عبد الرزاق إسلامبولي، رئيس “تجمع موارنة من أجل لبنان” المحامي بولس كنعان، الدكتور الشيخ ماجد الدرويش، المحامي الدكتور وائل طبارة وعقيلته، القاضي المتقاعد نبيل صاري وعقيلته، مي مخزومي رئيسة مؤسسة مخزومي، أمية أبو صعب زريق عقيلة الدكتور سابا زريق وأفراد عائلتهما، ورؤساء وممثلو الهيئات الثقافية والتربوية وأساتذة جامعيون وأدباء وشعراء.

العلي
بداية، بالنشيد الوطني ونشيد الفيحاء لشاعر الفيحاء سابا زريق، ثم قدمت المتحدثين الدكتورة نادين العلي عمران فقالت: “مساء طرابلس المصرة من عمق المعاناة على الإحتفال بالأعياد المجيدة التي تحمل البهجة والأمل، في هذه المناسبة الطرابلسية والشمالية بامتياز”.

الصفدي
بدوره، قال الصفدي: “أكرمني الدكتور سابا زريق بإهدائي نسخة من كتابه القيّم “من كل وادٍ صدى”، فشكرا صديقي ومبارك لك هذا الكتاب الذي يعالج بعقل راجح وبموضوعية الكثير من قضايا الوطن ومن هموم مجتمعنا اللبناني”.

أضاف: “يأتينا الدكتور سابا زريق بكتاب يضم مقالات تنتمي إلى علم الإجتماع السياسي، إضافة إلى مقدمات وضعها لمجموعة كتب أصدرتها “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية” إلى مقابلات مع وسائل إعلامية، وإلى محاضرات وكلمات ورسائل مختارة وهو يختم هذا الكتاب بدراسة أعدها حول جده المرحوم سابا زريق، أحد كبار الشعراء الذين عرفهم لبنان، خلال القرن العشرين، وقد كرس حضور مدينته على الزمن، فكرمته وأعطته إسمها فغدا شاعرها، شاعر الفيحاء”.

وتابع: “في مراجعتي الكتاب توقفت عند قضايا إشكالية استعرضها المؤلف تستأثر باهتمام اللبنانيين: من العلمنة إلى الديمقراطية التوافقية بل التحاصصية، إلى الهوية والتعددية، إلى المسيحية المشرقية والعولمة والدين، إلى المثالثة، إلى قضية السلاح ومسائل أخرى. لا شك أن ما يهدف إليه الدكتور سابا زريق يتمثل في العبور إلى نظام سياسي يشكل النقيض من نظامنا السياسي الحالي، القائم على الطائفية والفساد والتبعية للخارج، منذ إنطلاق الجمهورية الأولى وصولا إلى “الطائف” الذي أعاد إنتاج النظام بل زاده جرعات طائفية ومذهبية”.

وقال: “لطالما تساءلت خلال عملي السياسي عن مخرج من هذا الواقع المتردي وقد بتنا اليوم أمام أزمة مصيرية وجودية لا تهدد النظام السياسي فحسب بل قد تتعدى إلى الكيان لا قدر الله. لقد تحصل لي أن التربية على المواطنة الحقة وعلى العيش الوطني الواحد هما السبيلان للعبور إلى الدولة المدنية الحديثة، دولة القانون والمؤسسات، دولة الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص دولة لا ترتهن طوائفها وساستها للخارج، دولة لا تسخر الدين لأجل السياسة ولا السياسة لأجل الدين، فالدين شأن خاص بين الإنسان وربه”.

أضاف: “إذ تقوم هذه المهمة على عاتق العائلة والمؤسسة التعليمية أسمح لنفسي بأن أستعرض معكم تجربة شخصية عشتها، فيها الكثير من الدروس والعبر، فقد نشأت في عائلة طرابلسية ملتزمة دينيا من غير تزمت تتقبل الآخر المختلف ومنفتحة على سائر مكونات المجتمع الطرابلسي وعوائله الروحية، ففي مثل هذه الأيام من شهر كانون الأول من كل عام كنا على غرار العائلات المسيحية الطرابلسية نعيش طقوسية الميلاد المجيد ورأس السنة الجديدة، فتنتصب شجرة الميلاد طوال هذا الشهر في ركن من منزلنا، وكذلك كانت تفعل معظم العائلات الطرابلسية المسلمة. وبالمقابل كانت العائلات المسيحية تتشارك معنا طقوسية شهر رمضان المبارك وأعيادنا بكل ما تحفل به من معان ودلالات”.

وتابع: “لقد عشنا كطرابلسيين خلال العقود الماضية في وئام ولم يصب مدينتنا العطب إلا مع انطلاقة الحرب الأهلية البغيضة في العام 1975، وللاسف هاجرت عائلات مسيحية طرابلسية وقابل ذلك نزوح كثيف من الأرياف إلى مدينتنا فتغير الكثير من طبيعتها ومن تركيبتها الديمغرافية، وهذه حال لبنان بمختلف مناطقه”.

وختم: “لقد جاء اتفاق الطائف ليكرس الأعراف الطائفية من خلال إعطاء الوزراء حرية كاملة بالتصرف بوزاراتهم فباتت الطوائف والأحزاب الدينية تحكم عبر وزرائها في مختلف الحكومات، وقد غدت بعض الوزارات وقفا لطوائف معينة وأصبح رئيس الحكومة كما رئيس الجمهورية بمنزلة باش كاتب. إن الخروج من هذا الواقع الطائفي والمذهبي لن يكون إلا بتعزيز المواطنية والتربية عليها وبتعليم المرأة لتصبح عنصرا فاعلا في تربية الأجيال على محبة الوطن وعلى إلتزام القيم السامية وقد تستغرق هذه المهمة أكثر من عشر سنوات من المثابرة، وإذا لم يكن ممكنا إلغاء الطائفية السياسية في المستقبل المنظور فلتكن عدالة طوائفية على مستوى الإدارة العامة والأمن والجيش”.

القوال
من جهتها، قالت نقيبة المحامين في طرابلس ماري تيريز القوال: “أعرف الدكتور سابا زريق معرفة عائلية وثيقة. وأشهد أنه كتاب أدبي جزيل معاني اللطف والدماثة وحسن المعشر، والنجاح المؤيد بصلابة الإرادة والكد الطويل في عالم الاستشارات القانونية. لكنه منذ عاد إلى طرابلس التي لم يغادرها قط، كشف لي ولكم أجمعين، عن وجه أدبي آخر، من ذاك الذي تكون الكلمة فيه هي العمل، فجمع تراث جده ونشره كاملا، ثم أنشأ ورئس مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية، وتولى عبرها على نفقته نشر نتاجات أدبية وفكرية لكتاب معاصرين، معظمهم من أهل طرابلس والشمال، ثم برى قلمه وراح يكتب في مواضيع أدبية وإنسانية ولبنانية ساطعة الحضور، فأثبت أن الأدب بمعناه البلاغي التقني الذي يدرس في المدارس والجامعات، هو جزء من آداب المحاماة الطاعنة مثله في النبل والكياسة”.

أضافت: “استوقفني مليا في الكتاب بابه الخامس الذي عنوانه “شاعرُ الفيحاء سابا زريق في صفحات”، ويحتوي على سيرة موجزة للشاعر، ثم على بعض من شعره ونثره، ثم على مقولات بعض الأدباء فيه. ولن أتحدث في هذا المحتوى طبعا، فأنا اليوم في صدد أمر آخر سأبوح به وأرجو مسبقا أن يسامحني عليه الدكتور سابا، لأنني بعد قراءتي هذا القسم من الكتاب، بت أشعر بالغيرة، بل بالتقصير، لأنني بنت أب له في الأدب والشعر باع معروف، وما زلت إلى اليوم، وقد مر على رحيله من هذه الفانية أكثر من ثماني سنوات، وأنا مقصرة عن جمع نتاجه كما فعل الدكتور سابا بآثار جده. إنها في كل حال غيرة حميدة على انتهاج سنة حسنة مستحبة، مفيدة للحالة الثقافية في لبنان”.

وتابعت: “يبقى علي يا أحبتي أن أروي لكم عن ابن زريق البغدادي، فهو شاعر ترك العراق وذهب إلى الأندلس ابتغاء الرزق، وراح من هناك يكتب الشعر في الحنين إليها، فلم تحفظ له ذاكرة الأدب سوى قصيدة واحدة قال فيها مخاطبا دار السلام: هل الزمانُ معيدٌ فيكِ لذَّتَنا  أم الليالي التي أمضَتْهُ تُرْجِعُه؟ أما ابن زريق الطرابلسي، سابا بن قيصر بن سابا زريق، فلم يكتف بالحنين من بعيد، بل رجع إلى مدينته ومسقط رأسه، ليجمع إسهاماته الأدبية من كل واد مر فيه، ويجعلها أصداء ناعمة كخشخشة النسيم حول السواقي، ويضمها فتصير صوتا ثقافيا متناغما جميل الوقع باذخ التأثير. بورك ما فعل، وإلى وديان وأصداء أخرى”. 

ساسين
وقال رئيس اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو الدكتور شوقي ساسين: “عزمت على أن أكتب حتى يبلغ القلم مشتهاه منتهاه، ثقة مني بأن منبرا صفديا أساساته مغروزة في أعماق الضمائر، لا ينهار على رأس خطيب وإن أفاض، ولا يُقفل بابا أمام مثقفين ولو بُعدوا، وإعتقادا راسخا بأن الكلام في سابا زريق مهما طال يقصر ولا يقصر، فحين تأخذ ألبابكم يا أحبتي بأسباب الكتاب أن لي معه عهدا سلف، فلقد قرأته كله من قبل وربما مرات ووضعت له مقدمة عنوانها “سياحة بين الأصداء” وفيها عوض أن أكون سائحا يتأمل الجمالات ويلتقط الصور ثم يمضي في حال سياحته، نصبت نفسي خبير مساحة محلفا لدى محاكم الأدب ورحت أطابق طوبوغرافيا ما بين أقسام الكتاب وحدود المناطق العقارية في مدينة طرابلس”.

أضاف: “يشهد الله ما تعسفت فإن أدبا زريقيا تسكنه طرابلس منذ قرن كامل حفيدا عن جد ونثرا عن شعر لا بد أن تكشف فيه المدينة عن أشيائها الحسنى من خلال الحروف والكلمات والفواصل والنقاط، لكني إنصافا للكتاب أعترف أنني أغفلت في تلك المقدمة امرا واحدا، فيما كان يجد بي ذكره تفصيلا فها أنا ذا الآن بينكم متداركه”.

وتابع: “في التفاصيل أن الدكتور سابا بطبيعته جبلة قانونية بامتياز، لا بمعنى إلتزامه شخصيا أحكام القانون في ممارسته حقوقه وأدائه واجباته تجاه الدولة والناس لكن بمعنى أن القانون عنده انتماء عقائدي ومذهب فكري يبشر من خلاله بأن الشريعة كائن حي يحيا وينمو ويفرح ويحزن”.

وختم: “إذا انتقلنا إلى الأدب ومناسباته الفينا الكاتب على الخطة نفسها يكثر لهجا بمفردات “الوفاء والولاء والتكافل والتضامن والتعاطف والشرف والشفافية والمسؤولية المجتمعية”، ويروق له أن يردد من أشعار جده ما يدعو إلى التعاضد والتآخي وحب اللغة القومية، وهي كلها فضائل تندرج في إطار منظومة العدالة الإجتماعية كمفهوم حقوقي عصري والأمر نفسه يسري على المقابلات الصحافية ومقدمات الكتب وخطب المناسبات، التي اضرب صفحا عن الإستشهاد بها ها هنا لضيق الوقت ولأنكم سترونها ساطعة العيان حين تقرأون الكتاب”.

زريق
وختاما، قال المؤلف: “في ما كنت أبوب وأوضب صفحات كتابي الجديد، تمهيدا لإيداعه المطبعة، اغتنمت الفرصة لاستعادة ما ضمه من موضوعات مختلفة، تطرقت إليها على مدى ما يقارب الربع قرن، لفتتني هواجس معينة كانت تحثني على تحرير مقالة، نشرت في صحيفة أم لم تنشر، أو مقدمة كتاب أو بحث، فحواه سياسي أم اجتماعي، أم محاضرة من على منبر ما أم لقاء إعلامي. وسرعان ما تبين لي أن آهاتي وتنهداتي، لسوء الحظ، هي هي، وآمالي وتطلعاتي لم تتغير أو تتبدل قيد أنملة، على الرغم من الأهواء المتقلبة، والمتقلبة جدا، التي عصفت ببلدنا وما زالت تعصف بكيان ما ينفك يفتش عن هوية في كومة من هويات تتنازعه”.

أضاف: “لن يصعب على القارئ استخراج هذه الهواجس التي لم تفارقني يوما. شغلتني منذ عقود مسائل شائكة كالإنتماء والمواطنة والديموقراطية، ومشوهتها “ديمقراطيتنا التوافقية” وتطبيقاتها ومتفرعاتها العديدة، وكذلك الصراع الأزلي بين الدين والدنيا وإشكاليات العلمنة وانتفاء الموضوعية في السلوكيات، وبخاصة في الممارسات السياسية، والميثاقية المزعومة، الملبسة قميص عثمان الذي أضحى رثا، إلى قوانين الانتخاب البالية، وهدر المسؤولين وأصحاب القرار للوقت على حساب المواطنين والتحالفات السياسية الظرفية الهشة، إلى ما هنالك من مسائل أخرى مزمنة يعاني منها المواطن. غير أن أكثر ما يشغلني هي فيحائي المظلومة، الرازحة تحت نير الحرمان، بينما أولياء أمورنا المتقاعسون يتفرجون. هي التي تختزن من القدرات والتراث ما يؤهلها لتكون قبلة لبنان، كانت وما زالت لي ملاذا، على بؤسها، وحضنا لا يرتاح قلبي إلى سواه، أجد فيه الطمأنينة والأمان، فكان لها، كما لمعالمها وعلمائها وأعلامها، حيز واسع في مؤلفي”.

وقال: “كلما تمعنت في مضمونه، تحضرني كلمات لشهيدنا الكبير الشيخ صبحي الصالح، أحد تلامذة شاعر الفيحاء، رحمات الله عليهما، في حفل اليوبيل الذهبي الذي أقيم لهذا الأخير منذ أكثر من نصف قرن، يمدح بها أستاذه ملخصا، على حد قوله، ما كان قد نفحه به من فضائل ثلاث: ولاء للوطن وحب للدين، بنبذ الطائفية البغيضة، وعشق للعربية الفصحى. وأنا لم أوفر منبرا أو وسيلة لأبرز هذه النفحات، كما لو أنها انتقلت إلي بحكم الوراثة الجينية فاستوطنتني وسيطرت على مشاعري ووجهت خطواتي”.

وأخيرا، كان حفل كوكتيل.

زر الذهاب إلى الأعلى