بأقلامنا

إلى تحركات واعتصامات وطنية فاعلة .. بقلم محمد عبد الله فضل الله .

 

 

تاريخ الجبل العاملي يتسم بالعنفوان والكرامة في وقت أُثقل كاهل أهله بالتحديات والضغوطات وبكثافة المخططات السياسية والإقليمية التي استهدفت وتستهدف – ليس منطقة جبل عامل – بل لبنان كوطن ودولة ومجتمع متنوع .
عانى جبل عامل كغيره من حكم العثمانيين وحاول جاهداً الوقوف بوجه طموحاتهم ومشاريعهم على مستوى تعميق تقسيم المناطق اللبنانية التي جمعها الحرمان والقهر والجوع ، وما يلفت حماوة الشعور الوطني المتجذرة في نفوس اللبنانيين الذين لم يتأثروا بأبواق الفتن الطائفية فكان أن قدّم الشيعة الحماية والاحتضان لإخوتهم المسيحيين في خضم أحداث العام 1860 وقبلها في مراحل زمنية مختلفة أيضاً لمن يريد الاطلاع .
ثم بعد ذلك جاء الفرنسي وحاول بألاعيبه وتحالفاته المحلية إبعاد الناس عن بعضهم البعض وضرب صيغة العيش المشترك من خلال إثارة البلبة والفتن الطائفية وقد واجه أهالي جبل عامل الاحتلال الفرنسي وقدموا شهداء وتضحيات وقُصفت قراهم من قبل الفرنسيين .
جاء الحلم الصهيوني ليجد من يحاكيه ووقع البعض تحت تأثير الدعاية الصهيونية وكان أن شارك العامليون في دعم الثورة الفلسطينية وشاركوا في النضال ضد الصهاينة وتعرضوا للقتل والأسر ودُمّرت قراهم وهُجّروا من أرضهم وقاموا الاحتلال بإنشاء ما يسمى بالحزام الأمني وأنشأ عملاؤه معتقل الخيام الشاهد على الإجرام .
اليوم يواجه أبناء القرى الحدودية تحديات كبيرة تتمثل بما يحكى أو يشاع عن مشاريع تقسيمية خطرة تمس بأمن الوطن ككل وتضرب السيادة في الصميم من إقامة مناطق اقتصادية وصناعية واستبدال الأرض والبيوت بأخرى وعرقلة عودة الأهالي ومنع إعادة الإعمار وربطه بملف السلاح وغير ذلك مما يُتداول في الإعلام، وما يتم تسريبه من معلومات يُستشعر منها تمييع قضية استكمال تحرير الأرض والأسرى،وإدخال لبنان في لعبة الابتزاز السياسي ودهاليز المشاريع المشبوهة والملتوية وتغيير وجه المنطقة.
فالعدو يتماهى مع المشروع الأميركي من أجل تحويل القرى اللبنانية المدمرة على طول الحدود إلى منطقة عازلة، تحت ذريعة إقامة مشاريع سياحية وصناعية.
قد يتسبب كل ذلك بتعقيدات سياسية داخلية ربما تنعكس سلباً على الحياة السياسية المتوترة أصلاً وتخلق شرخاً بين مكونات البلد في وقت أحوج ما يكون فيه إلى الوحدة.
فما يحكى عنه من ترتيبات أمنية جديدة ربطاً بمسار تطبيع سياسي في المستقبل وكما صرّح نتنياهو اليوم من تعزيز الاستقرار والازدهار في كلا البلدين وما يخفيه هذا يطال بخطورته البلد ككل لجهة التلاعب بجغرافيته ونسيجه الاجتماعي والتاريخي والحضاري الذي دفع الجنوبيون وبوجه خاص القرى الحدودية ثمناً باهظاً من أرواحهم وأبنائهم وأرزاقهم حتى يحافظوا عليه، وجسدوا بهذه التضحيات وما يزالوا صورة حية عن الانتماء الوطني الذي لا بد للدولة بكل مؤسساتها أن تقدّره وتحميه وتعمل ما بوسعها من أجل ذلك عبر رفع الصوت ومن أعلى المنابر الدولية كون القضية مركزية تعد أمام كل ما يجري من تطورات قضية أمن قومي.
لم نسمع إلى الآن على سبيل المثال لا الحصر بحركة مطالبات حكومية جادة من الصليب الأحمر الدولي والمؤسسات الحقوقية الدولية بما يتصل بوضع الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال كذلك لناحية حركة الدبلوماسية الخارجية اللبنانية من أجل تبني هذه الحقوق والتعريف بها لدى كل المحافل والمجتمعات الاغترابية، ناهيك عن ملف إعادة الإعمار ودعم النازحين من القرى الحدودية فالمطلوب هو الوقوف إلى جانبهم وتثبيتهم في أرضهم في وجه كل ما يتعرضون له من استهدافات في هذه اللحظة المصيرية من تاريخ البلد.
المطلوب من وجهاء وفاعليات القرى الحدودية من مسلمين ومسيحيين إبراز تضامنهم الوطني والتمسك بحقهم ورفع الصوت عالياً والقيام بتحركات شعبية واعتصامات لتأكيد حقوقهم وعدم التلاعب بمصيرهم .
كما المطلوب من القادة السياسيين الوعي لخطورة المرحلة ودقتها والتشبث بالحقوق الوطنية وعدم التهاون والتساهل أو الانجرار وراء مقترحات مشبوهة في هكذا أمور حساسة ومصيرية تتعلق بسيادة الوطن وهويته والعمل على سحب الذرائع لدى العدو.
من هنا على الجهات الحزبية والثقافية القائمة كما الإعلامية كشف هذه خلفيات هذه التسريبات ووضع قضية الأسرى والقرى الحدودية في سلم الأولويات وجعلها قضية في رأس الأولويات بما يعبر عن روح المسؤولية الوطنية وليس التعامل معها على الهامش .
كما من الواجب على الفاعليات الدينية والروحية إعلاء صوتها في كل المناسبات وفي الخطب والدعوة إلى التحركات والتظاهر والاعتصامات الشعبية في المساجد والحسينيات لتأكيد حقوق الجنوبيين في العودة الكريمة إلى قراهم ودعم النازحين منهم .
ليس الوقت وقت المناكفات والتشفي بين الفرقاء السياسيين، بل هو وقت إبراز الحس الوطني ووقت حفظ العيش المشترك والتعاون على المستويات كافة لمواجهة كل ما يهدد أمن الوطن والمواطن وحقوقه المشروعة.
فهل نكون على مستوى التحديات أو نقع في لعبة الأمم وما فيها من محاذير ؟.

زر الذهاب إلى الأعلى