تحقيقات

المشهد السياحي في جبل عامل بقلم الدكتور حسن عاصي

***
جبل عامل متحف طبيعي بما حباه الله سبحانه من جمال الطبيعة وسحر المشهد وروعة التنوع، حيث تجاورت في أرجائه المحميات والمغاور والكهوف إلى جانب القلاع و الحصون، في مشهد يبوح بعراقة التراث وغنى الحضارات التي مرّت على ثراه، من شعوب وأمم تركت بصماتها وأثْرَتْ تاريخه بوهج ثقافتها وغنى آثارها … فكانت صور سيدة البحار وحاضرة فينيقيا، وكانت صيدا وريثة مجد صيدون، و جزين عروس الشلال، إلى بنت جبيل عاصمة النصر والإنتصار ، إلى حاصبيا العاصمة التاريخية لوادي التيم، وصولا إلى مرجعيون حيث السهول الخضراء والحدائق الغنّاء .
إجتمع كل ذلك على ثرى جبل عامل لِيُبْدِعَ مشهدا سياحيا غنيا تتجاور فيه مختلف أنواع السياحة : تراثية ثقافية دينية بيئية وعلاجية، إلى جانب سياحة الترفيه و المتعة و الإستجمام .
تزيد في ألق المشهد أصالة العامليين ونباهتهم حيث تآخت الخلوة مع الكنيسة و المسجد، كما الدير والمقام … ليصدح صدى الله أكبر حيِّ على الصلاة، حيِّ على خير العمل، متناغما مع صدى أجراس الكنائس : المجد لله في العلى و على الأرض السلام وفي الناس المسرّة .
***
هنا نستعير مما اقتبسه الدكتور إيلي سرغاني رئيس نادي الشرق لحوار الحضارات عندما قدمت له موسوعة ” جبل عامل – آثار ديار :
” … بدأت اتصفح الكتاب وللوهلة الاولى وجدت نفسي أمام صندوق ثمين يحتوي على دُرَرٍ نفيسة من تراث وحضارة وثقافة جبل عامل . إن الكم الهائل من المعلومات السياحية والتراثية جعلته أشبه بعقد لؤلؤ منثور لا يقدر بثمن .
… من أَجران قانا ومَغَارَتِهَا التي شَهِدِت أُولَى مُعْجِزَاتِ السَّيد المسيح (ع)، عندما أنْسَابَ الماءُ بين يَدَيْهِ خُمّراً، سَرَى في أَوْدَاجِ الأجْرانِ وفي تَرَائِبِ المغَارة.
إلى البَيَّاضَة في حاصبيا… تَرِشَحُ خَلواتُها صَلاةً ويَتَسَامى في آفَاقِهَا تُقَىً وَوَرَعٌ، يَمّخُرانِ عُبَابَ العَّلَى ليُؤْنسَاوِحّشةَ العَلْيَاء.

إلى جِزّين وكنَائِسِهَا وهَديلِ أَجْراسَها: “المَجْدُ للهِ في العُلُى وعلى الأَرْضِ السَّلام… وفي النَّاسِ المسَرَّة”.

إلى صيدا وَمَسَاجِدِهَا ومَآذنِهَا وحَوْزَاتِها وحسَيَّباتِهَا، يُسَوُرُ الآفَاق شدْوَ مَآذنِها ليَطَاوِلُ عِنَانَ السَّمَاء: “حَيَّ على الفَلاحّ، حَيَّ على خَيْرِ العَمَلْ… الصَّلاةُ خَيْرُ من النَّوم”.

من صور حَاضِرّةِ فيتيقيّا، يَوّمَ زَارَهَا إِلّهُ الخُمْر باخوس، وهَمَسَ في سَمَّعِهَا: “أيْتُها الحَسّناء، من شِدَّةِ حُبّي إيَّاكِ لن أَسْكُن السَّماء بعد اليوم…”.

إلى صيدا وُرِيَثةِ مَجْدِ صيدون، وقلاعِهَا البَحْرْيةِ والبَرْية، ونَوَاويسِهَا وتماثيلِها المُتكِئَةِ على العُصُورِ الحَجَرِيَّةِ والبرَّونزِيَّة. إلى مَلِكِهَا اشمنغزر وابْنَتِهِ عشترت اللذّيَن شَيْدَا هَيَاكِل الآلِهَةِ هناك.

في رِحابِ ذلك الجَيّلِ جَبَل عامِل، جَبلِ العُلَمَاء حيث تَحْتِ كُلِّ حَجَرٍ شَاعِر…

على ذلك الثُرَى إِخْلَعَ نَعْلَيْك، عَلْ قدَمَيْكَ تَتَعفْرانِ طُهْرَاً وتَتَضمَّخَانِ طَهَارَةً، فَيَنْبَجِسُ في خَلَدِكُ خُشُوعٌ وتَنْثالُ صلاة.
على ذلك الثُرى أوْقِرْ أُذُنَيْكَ بإصْبَعَيْك، كي لا تُشَتّفَ سَمْعَكَ أهازِيجُ أمّهاتِ الشُّهَدَاء، وزَغْردَاتُ أَخَوَاتِهِمْ وتَرْانيمُ نِسَائِهِمْ ومَوَاويلُ أَشْبِالِهِم… يَشْتَارُونَ الشُمْس، يَنْثُرُونَ أَوْسِمةً على خَدِّهَا والجَبِين، يَجْلُونَ نِصَالَ العُنفُوانِ بِوَهْجِهَا ويَشْحَذونَ بِلَظَاهَا أَشْفَارَ الأَنَفَةِ والكِبْرِيَاء.

على ذلك الثَّرى ظَلّلْ عيَنَيْكَ بِكَفْيك، كي لا يَكّسِفَ بَصَرَكَ وَمّضُ الحُرْيةِ وأَلَقْ العِزَّةِ ولَمَعانُ الأنَفَةِ وبَرِيقُ الزُّهُوْ والخُيَلاء ” .
(انتهى الإقتباس ) .
***
أمام ذلك، نطلق اليوم ” خريطة جبل عامل السياحية “على موقعنا الإلكتروني
www.jabalamell.org بالإشتراك مع المديرية العامة في وزارة السياحة .
***
في الحقيقة تم التحضير لإطلاق الخريطة منذ حين، لكننا تريثنا في ذلك بانتظار الظروف الملائمة، والآن نطلقها و نستعجل في إطلاقها لتوثيق المعالم التاريخية والأثرية، تلافيا لما قد يعبث به العدو الصهيوني، كما فعل عند استهدافه لمقام القديس جاورجيوس في يارون، و كما اعتدى على قلعة شمع التي قتل فيها خبير الآثار الصهيوني زئيف ايرليخ .
***

 

لمزيد من الإطلاع، يمكن زيارة موقعنا الإلكتروني كما ورد في الإعلان المرفق .

 

زر الذهاب إلى الأعلى