الثورة التقنية والعلوم المعرفية: تحوّلات جذرية في علم الاجتماع المعاصر كتب اللواء خالد كريدية

الثورة التقنية والعلوم المعرفية: تحوّلات جذرية في علم الاجتماع المعاصر
كتب اللواء خالد كريدية
الثورة التقنية فائقة التطور وتحول العلوم المعرفية
مقدمة
شهدت العقود الأخيرة ثورة تقنية غير مسبوقة، قادتها تقنيات الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، الحوسبة الكمية، والأنظمة السيبرانية.
لم تقتصر آثار هذه الثورة على البُنى الاقتصادية والسياسية، بل اخترقت العمق البنيوي للعلوم المعرفية، وفي مقدمتها علم الاجتماع، الذي وجد نفسه مطالبًا بإعادة بناء أدواته النظرية والمنهجية لمواكبة مجتمع جديد يتشكّل على أنقاض الأنماط التقليدية.
الهدف
تحليل الأثر المزدوج لهذه الثورة: من جهة، كمحفّز لتطوير علم الاجتماع، ومن جهة أخرى، كقوة تهدد بفقدانه عمقه النقدي والإنساني.
أولًا : تحول موضوع الدراسة الاجتماعية
مع صعود الثورة التقنية، لم يعد يُفهم المجتمع ككيان بشري صرف تحكمه البُنى الطبقية أو الثقافية أو المؤسساتية. برز بدلًا من ذلك مفهوم “المجتمع السيبراني”، حيث تتداخل الكيانات البشرية مع الخوارزميات، الروبوتات، وأنظمة الذكاء الاصطناعي.
وهذا يفرض على علم الاجتماع إعادة تعريف “الفاعل الاجتماعي” ليشمل الكيانات الرقمية التي باتت قادرة على التأثير في تشكيل الرأي العام وصنع القرار.
ثانيًا : أدوات البحث الجديدة بين التمكين والإشكالية
مكنت تقنيات تحليل البيانات الضخمة علم الاجتماع من الانتقال من المقاربات الكيفية التقليدية إلى أنماط كمية فائقة الدقة، تتيح رصد الأنماط السلوكية والاجتماعية على نطاق عالمي.
ومع ذلك، يواجه علم الاجتماع إشكالية معرفية حادة: هل تعزز هذه التقنيات “الفهم الاجتماعي العميق” أم تدفع بالعلم إلى التحول إلى مجرد علم إحصائي تنبؤي يفقد صلته بجوهر الظواهر الاجتماعية بوصفها كائنات معنوية وثقافية؟
ثالثًا: السلطة الخوارزمية وتحدي نظريات الهيمنة
أفرزت الثورة التقنية بنية جديدة لما بات يُعرف بـ”سلطة الخوارزمية”، حيث تُتخذ القرارات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية بناءً على معطيات خوارزمية لا تخضع للرقابة الديمقراطية أو التمثيل الشعبي.
هذا التحول يتطلب إعادة قراءة لنظريات السلطة في ضوء السيطرة الجديدة التي تمارسها الشركات التكنولوجية العابرة للحدود مثل غوغل وأمازون.
رابعًا: أزمة الهوية وإعادة تشكيل الذات
إن بروز تقنيات مثل الواقع المعزز والذكاء الاصطناعي القادر على محاكاة السلوك البشري أعاد خلط أوراق مفاهيم الهوية، الذات، والانتماء.
فلم تعد الانتماءات القومية أو الطبقية أو الإثنية قادرة على احتواء التجربة الاجتماعية المعاصرة، التي أصبحت هجينة وعابرة للحدود.
اسعار المحروقات في لبنان