الجنوب اللبناني: ملحمة التحدي والصمود والبقاء ٠ ٠٠تقرير أبو شريف رباح٠٠٠

هلا صور ٠٠الجنوب اللبناني: ملحمة التحدي والصمود والبقاء ٠
٠٠تقرير أبو شريف رباح٠٠٠
في قلب الجنوب اللبناني، حيث الأرض شاهدة على المآسي والانتصارات، لم ينحنِ أهله رغم جراحهم العميقة، ولم يتراجعوا رغم استشهاد أبنائهم ودمار بيوتهم وحقولهم. هناك، بين الأنقاض التي احتفظت برائحة الأحباء الذين غادروا شهداء، وبين الحقول التي احترقت بنيران الاحتلال، ظل الجنوب قلعةً عصيّةً على الانكسار، كقلعتي صور والشقيف، شامخًا في وجه الرياح العاتية.
لبنان، الذي كان دائمًا في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، لم يتردد يومًا في تقديم التضحيات. كان جزءًا أصيلًا من حرب الإسناد اللبنانية، تلك الحرب التي خاضها بدمائه وأرواحه وممتلكاته، مساندًا أهل فلسطين، مؤمنًا بأن الجرح واحد، والمصير مشترك. ذاق أبناؤه مرارة العدوان كما ذاقها إخوتهم في فلسطين، لكنهم لم يضعفوا، بل ازدادوا صلابةً، ليؤكدوا أن المقاومة قدرٌ لا مفرّ منه، وأن القدس ستبقى بوصلتهم مهما تعاظمت التضحيات.
في عيتا الشعب، تلك البلدة المتاخمة للحدود، لا يزال مشهد الأطفال وهم يلعبون أمام موقع الراهب وثكنة برانيت التابعتين لجيش الاحتلال، رسالةً مدوّية بأن الجنوب لا يموت، وأن الحياة تنتصر دائمًا على الموت. ضحكاتهم، التي تتردد في أرجاء البلدة، هي ذاتها التي سمعها جنود العدو في كل مواجهة، لتؤكد أن هذا الوطن لا يُكسر، وأن شعبه ينهض من بين الركام، يبني بيوته مجددًا، ويزرع أرضه بدخان المقاومة. تلك الأرض التي لا تعرف إلا أهلها، ولا تمنح خيراتها إلا لمن دافع عنها.
اليوم، يقف الجنوب شامخًا في وجه جيش الاحتلال، كما كان دومًا، ليؤكد من جديد أن فلسطين هي القضية، وأن الأقصى هو المسرى، وأن القدس هي المعراج. ومهما تكالب الاحتلال وأعوانه، فلن يُترك الشعب الفلسطيني وحيدًا، ولن تبقى القدس محتلة. إنها معركة البقاء والشرف، معركة الدفاع عن الحق، التي لا مكان فيها للتراجع أو المساومة، والتي تعبر بعمق عن روح الصمود والمقاومة التي يجسدها الجنوب، وتعكس تضحيات الجنوبيين في مواجهة جيش الاحتلال، حيث لم يتوانَ أبناؤه يومًا عن تقديم أرواحهم وأرضهم في سبيل القضية الفلسطينية، إيمانًا بوحدة المصير المشترك والحق المشروع للشعب الفلسطيني.
فالجنوب اللبناني لم يكن يومًا مجرد جغرافيا، بل كان وما زال رمزًا للنضال، حيث تلتقي دماء اللبنانيين والفلسطينيين في ساحة المعركة ضد الاحتلال. في كل قرية وبلدة جنوبية، هناك قصة بطولة، وحكاية مقاومة، من صور إلى بنت جبيل، ومن مارون الراس إلى عيتا الشعب، كلها تشهد على رجال ونساء لم يعرفوا إلا الكرامة والعزة. وما زال المشهد يتكرر، حيث ينهض الجنوب من بين الركام، يبني حياته من جديد، ويزرع أرضه التي ارتوت بدماء الشهداء، في إصرار واضح على البقاء والتحدي. إنها مسيرة نضال لم تتوقف، وقضية لن تُنسى، فقد فتح الجنوبيون قلوبهم قبل دورهم للاجئين الفلسطينيين منذ النكبة، وما زالوا يدفعون الثمن في سبيل تحرير فلسطين.
والجنوب، الذي ذاق مرارة الاحتلال والعدوان، هو اليوم نموذجٌ للصمود، للكرامة التي لا تنحني، وللإرادة التي تحوّل الألم إلى قوة، والدمار إلى إعمار، والدماء إلى شجرة زيتون متجذرة في الأرض، لا تقتلعها أي قوة في العالم، فتحية لأهل الجنوب، وتحية لكل مقاوم حمل على عاتقه الدفاع عن الأرض والعِرض، وستظلّ هذه التضحيات منارة تُنير الطريق نحو الحرية والاستقلال.