المعايدات بأَزهار يابسة بقلم الشاعر هنري زغيب
المعايدات بأَزهار يابسة
“نقطة على الحرف”
الحلقة 1702
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 8 كانون الأَول 2024
إِنه زمنُ العيد. والعيد يقترب، وتتوالى مع اقترابه معايداتٌ تتراوح بين الـمَأْلوف والـمُقلَّد والتقليديّ والبارد والـمُكرَّر والبليد والـمُستعار والـمعروف، حتى لتغدو المعايدةُ باهتةً بلا حرارة، ودون قصدٍ أَو نيَّةٍ أَو معنًى، طالَما كلامُها هو من المعلوك الممجوج حتى فقدانِ وهْجه العاطفي. وما قيمة معايدة ليس فيها من الشخصيّ أَو الذاتيّ أَو المقصود المخصَّص ولو بأَدنى مضمون؟
من زمان وأَنا أُتابع ما أَتلقَّى من معايداتٍ ليس فيها من الشخصيِّ ذرَّة، ولا من الذاتيِّ فكرة، بل تعابيرُ مثلَّجة، وكلماتٌ مزجَّجة، وتمنياتٌ معلَّبة، ومعايدات فارغة من لَمسة مضمون لأَنها يابسة، كمن يأْتي ليعايدَ حاملًا معه أَزهارًا يابسة أَو اصطناعية لا رائحةَ لها ولا عطرَ ولا ملمَس، تمامًا كالبطاقات البريدية في المعايدات.
ولكنتُ أَنسى المعايدة العامَّة للعامَّة من الناس في المناسبات العامَّة، لولا أَنني أَتلقَّاها غالبًا ممن أَظنُّهم أَو أَتخيَّلهم أَو أَفترضهم مجدِّدين غيرَ تقليديين ويصرفون ثوانيَ لإِيجاد كلماتِ معايدةٍ شخصيةٍ غيرِ الكلمات الشائعة، فإِذا بهم يعلكون الكلمات الشائعة من دون أَدنى جهد في الابتكار الشخصي، فيُرسلون مثلًا: “كلّ عام وأَنتم بخير” أَو “ميلاد مجيد وعام سعيد” أَو “أَعاده الله عليكم باليُمْن والبركات”، إِلى آخر هذه الكليشيهات الجاهزة الخشبية الجامدة، الجافة من كثرة ما هي متداوَلة بين الناس.
وراجت في السنوات الأَخيرة وسائلُ اتصالٍ جديدةٌ ووسائطُ منصاتٍ إِلكترونية، حاملة رموزًا وصورًا متداوَلَةً هي ذاتُها تتكرَّر إِلى جميع الناس، كالإِبهام المرفوع، أَو الكفَّين المصفِّقتَين، أَو رموز مصوَّرة أَو متحركة مصحوبة بعبارات جاهزة متداوَلَة من جميع الناس إِلى جميع الناس.
أَفهم كل هذا من عامَّة الناس، ولا أَفهمه ممَّن أَتوقع منهم أَدنى ابتكار أَو جهد لتشكيل عبارة مغايرة أَو معايدة مختلفة. لكنَّ الكسَل، كسَل العقل، يسيطر على معظم العقول فيَسقط منها كلُّ ابتكارٍ وتجدُّدٍ ولو بالحدِّ الأَدنى.
حَيالَ هذا الكسَل (وهو عكسُ ما أَجهد له من محاولةِ أَلَّا أَكون اتِّباعيًّا مع القطيع بل أَسعى إِلى المغايرة في كلِّ بادرة) أَراني أَعتذر سلفًا إِلى أَصدقاء يعايدونني بكليشيهات عامة وصُوَر عامة ورموز عامة كأَنهم يعايدونني بباقة أَزهار يابسة أَو اصطناعية، فلن أُجيبَهم بالمثْل كليشيهاتٍ وصوَرًا ورموزًا. جوابي، ولو بكلمتَين (أَو حتى بكلمة واحدة تتوجَّه مباشرة إِلى الشخص المعني) دليلُ أَنني أَحترمه وأَصرف ثوانيَ خاصةً به كي أَتوجَّه إِليه بالمخاطبة المباشرة لا برمزٍ جامدٍ ولا بصورةٍ ثابتةٍ أَو متحركة، ولا بعبارة مستعارة من تلك العبارات المصنَّعة سلَفًا والجاهزة سلَفًا والمرسُومة سلَفًا والمنقولة سلَفًا والموضوعة سلَفًا ليستخدمَها الجميع لأَنَّ لديهم كسَلًا في الابتكار والتجدُّد، ولو بالجُهد الأَقلّ.
إِن التجديدَ في المعايدة علامةُ احترامِ الآخر. فلْنطرُد من عقلنا الكسَل البليد والاتِّباعية الرَخوة والتقليدَ الجامد، ولنسعَ دومًا إِلى تخصيص المعايدة بلمْسةٍ تحمل فرادتنا، فتكون المعايدة جهدًا شخصيًا إِلى الشخص المقصود، وتتلاقحُ الأَفكار بالأَفكار.
وهنيئًا لكم كلُّ عيدٍ جديدٍ أَنتم فيه مجدِّدون.
هـنـري زغـيـب