بأقلامنا

اجتياح سوريا بين الانقضاض والتحول الإرهابي في قلب الاستراتيجيات الإقليمية \ د. شريف نورالدين.

بتاريخ: 6 / 12 / 2024

 

في قلب الأزمة السورية، تتشابك خيوط التحولات الجيوسياسية مع تداعيات الحرب الطويلة التي ألقت بظلالها على المنطقة.
لم تكن سوريا مجرد ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، بل كانت أيضاً محط أنظار المجموعات المسلحة التي خرجت من رحم تنظيمات إرهابية عابرة للحدود، مثل داعش وجبهة النصرة، والتي استهدفت تدمير الدولة السورية على أسس طائفية وأيديولوجية.
اليوم، وفيما يقترب “اليوم التالي لانتصار الثوار” ، يبدأ العالم في تساؤل حقيقي حول كيفية إدارة هذه الفوضى الجديدة التي قد تتحول إلى فراغ أمني وقيادي يعيد إنتاج صراعات متجددة.
فهل سيتمكن “الثوار” من تأسيس نظام مستقر، أم أن التطرف والإرهاب سيكونان من جديد سيدا الموقف في سوريا؟
وما هو دور القوى الإقليمية والدولية في إعادة رسم الخرائط الجغرافية والسياسية للمنطقة؟
هذه الأسئلة تمثل مفتاحاً لفهم المستقبل القريب، حيث تبدو تحولات سوريا في قلب المتغيرات الاستراتيجية الكبرى التي تحدد ملامح الشرق الأوسط في العقد المقبل.

– تحليل للتقارير الإسرائيلية حول “اليوم التالي لانتصار الثوار” السوريين وحسابات إيران الاستراتيجية

1. القراءة الجيوسياسية: اليوم التالي لانتصار الثوار السوريين: تقارير الصحافة العبرية، كما في مقال بن صهيون مكلس، تسلط الضوء على زلزال سياسي إقليمي متوقع إذا تمكن “الثوار السوريون” من تحقيق انتصار حاسم في الصراع السوري.
هذه السيناريوهات تتضمن تغييرات في ميزان القوى الإقليمية، وانعكاسات عميقة على التحالفات والسياسات.

– العلاقات التركية – السورية: محور صاعد؟
تركيا كانت داعماً أساسياً للثوار، سواء من خلال دعم الجيش السوري الحر أو التواصل مع فصائل إسلامية كهيئة تحرير الشام. انتصار الثوار يعزز من مكانة تركيا كقوة إقليمية، وقد يؤدي إلى تقوية المحور الإسلامي السني بقيادة الإخوان المسلمين.
هذا التحول قد يعيد تشكيل السياسة الإقليمية، مع تعزيز نفوذ تركيا وقطر.
سيكون لهذا الدور تأثير كبير على دول مجاورة مثل الأردن والعراق، حيث قد يشكل “التأثير التركي-السني” تحدياً للأنظمة التقليدية.

– الأثر على المحور الإيراني – الشيعي: نجاح “الثوار” سيضعف المحور الإيراني الذي يعتمد على سوريا كمعبر استراتيجي لدعم حزب الله في لبنان.
ستكون طرق الإمداد عبر سوريا مهددة، مما يقلل من قدرة حزب الله على تعزيز قدراته العسكرية.
هذا الانهيار سيجبر إيران على إعادة تقييم أولوياتها في المنطقة، مع التركيز على حفظ ما تبقى من دور لها في العراق ولبنان.

– المخاوف الإسرائيلية: إسرائيل، التي كانت تعتمد على ضعف سوريا كعامل استقرار نسبي، قد تواجه وضعاً معقداً إذا تحولت سوريا إلى مركز لنفوذ إسلامي سني قريب من حدودها.
“سوريا الجديدة” قد تصبح مصدر تهديد أمني دائم لإسرائيل، مع وجود فصائل مسلحة غير خاضعة لرقابة دولية.
سيجبر هذا إسرائيل على إعادة صياغة استراتيجياتها الدفاعية والسياسية.

2. قراءة في استراتيجية إيران: خطأ في الحسابات؟
مقال يائير ألتمان يشير بوضوح إلى تخبط إيران في إدارة أزماتها الإقليمية، وخاصة في سوريا.
دعمها المستمر لنظام الأسد، رغم التكلفة البشرية والاقتصادية الباهظة، يكشف عن استنزاف قدراتها.

– أولوية حزب الله على حساب حماس: قرار إيران بتفضيل وقف إطلاق النار لإنقاذ حزب الله يعكس تغيراً في استراتيجياتها، حيث أصبح الحفاظ على حلفائها الأكثر أهمية.
حزب الله، الذي تعرض لخسائر فادحة في سوريا، لم يعد قادراً على لعب دور فاعل كما كان في السابق.
هذا التحول يظهر عجز إيران عن دعم جميع حلفائها، مما قد يؤدي إلى تراجع دورها الإقليمي.

– نظام الأسد بين الانهيار والتدخل الروسي: رغم الجهود الإيرانية لدعم الأسد، إلا أن الوضع على الأرض يشير إلى انهيار تدريجي للنظام.
“الثوار” يستغلون هذا الانهيار لتعزيز مكاسبهم، بينما يبدو أن حزب الله وروسيا عاجزان عن تقديم دعم كافٍ.
هذا يعكس ضعف التحالف الإيراني-السوري في مواجهة التحديات المتزايدة.

3. الرؤية الاستراتيجية المستقبلية: ملامح النظام الإقليمي الجديد
– دور القوى السنية: انتصار” الثوار” سيعزز المحور السني بقيادة تركيا وقطر.
قد نشهد انخراطاً أوسع لحركات الإسلام السياسي في تشكيل مستقبل سوريا، مما سيؤدي إلى إعادة هيكلة التحالفات الإقليمية.
دول مثل السعودية ومصر قد تجد نفسها في موقف معقد بين احتواء الإسلام السياسي وحماية مصالحها.

– إعادة صياغة الدور الإيراني: ستضطر إيران إلى الخروج من سوريا تدريجياً، مع التركيز على تأمين دورها في لبنان والعراق.
الخسائر التي تكبدتها إيران وحزب الله ستؤثر على قدرتهم على التوسع، مما يعيد توزيع ميزان القوى في المنطقة.

– الاستجابة الإسرائيلية: ستسعى إسرائيل إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج لمواجهة نفوذ الإسلام السياسي السني.
قد تتجه نحو توسيع عملياتها العسكرية والاستخباراتية في سوريا لضمان أمنها، مع التركيز بشكل رئيسي على منع تهريب الأسلحة.

– موازين القوى الإقليمية في مرحلة ما بعد الاجتياح
1. تعقيد العلاقات التركية-الإقليمية: رغم أن انتصار “الثوار” قد يعزز النفوذ التركي، إلا أن تركيا قد تواجه تحديات كبيرة في إدارة الوضع السوري الجديد.
الفصائل السورية ليست كتلة واحدة، بل لديها تباينات أيديولوجية ومصالح متباينة قد تؤدي إلى صراعات داخلية.
علاقات تركيا مع روسيا وإيران ستبقى حساسة، حيث ستضطر أنقرة لموازنة طموحاتها الإقليمية مع الواقع الجيوسياسي المحيط.

2. انقسام المعسكر السني: “انتصار الثوار” قد يؤدي إلى تعميق الانقسام داخل المحور السني نفسه بين دول تدعم الإسلام السياسي (تركيا وقطر) وأخرى تسعى لاحتوائه (السعودية ومصر).
هذه الانقسامات قد تعيق الاستقرار في سوريا وتؤدي إلى منافسة على النفوذ داخل المعارضة السورية نفسها.

– التحولات الإيرانية ما بين الواقع والطموح
1. تداعيات اقتصادية داخلية على إيران: إنفاق إيران على دعم الأسد وحزب الله جاء على حساب اقتصادها الداخلي، مما أدى إلى احتجاجات داخلية ومطالبات بوقف التدخلات الخارجية.
الخسائر المتوقعة لحلفائها قد تسرّع الضغط الداخلي على النظام الإيراني، مما يؤدي إلى تراجع نفوذه الخارجي.

2. تغيير الأولويات العسكرية: مع تقلص الدور الإيراني في سوريا، قد تركز طهران على تعزيز قدراتها البحرية أو الصاروخية لتعويض الخسائر البرية، مما يعيد رسم معادلات القوة العسكرية في المنطقة.

– البعد الدولي ودور القوى العالمية
1. الولايات المتحدة وأوروبا: “انتصار الثوار” قد يعيد إحياء الجدل حول دور الولايات المتحدة وأوروبا في إعادة إعمار سوريا.
القوى الغربية ستواجه تحدياً في التعامل مع حكومة ذات نفوذ إسلامي سني محتمل، ما قد يدفعها لدعم “النموذج الأردني” كنظام معتدل في مواجهة صعود الإسلام السياسي.
في الوقت نفسه، قد تظهر مخاوف من تجدد نشاط الجماعات المتطرفة، مما سيعيد تشكيل سياسات مكافحة الإرهاب.

2. روسيا بين المكاسب والخسائر: روسيا، التي دعمت الأسد بقوة، قد تجد نفسها أمام واقع جديد بعد انهيار النظام.
ستكون موسكو أمام تحدي الحفاظ على مصالحها العسكرية والاقتصادية في سوريا، مما قد يدفعها نحو صفقات مع تركيا أو الفصائل المعارضة لضمان وجودها.

– البعد الداخلي السوري و تحديات ما بعد الاجتياح
1. إعادة بناء الدولة: انهيار النظام السوري لا يعني تلقائياً استقراراً في البلاد.
الفصائل المنتصرة قد تجد نفسها أمام تحديات كبيرة في إدارة المناطق المجتاحة، بما في ذلك إعادة بناء مؤسسات الدولة وإعادة اللاجئين.
غياب رؤية موحدة بين الفصائل قد يؤدي إلى تكرار سيناريو الانقسام، كما حدث في دول أخرى شهدت “ثورات ربع عربي” مماثلة.

2. التعامل مع الأقليات: مستقبل الأقليات العرقية والدينية في سوريا سيكون أحد أكبر التحديات أمام “الثوار”.
ضمان حقوق الأكراد، العلويين، الشيعة والمسيحيين سيكون ضرورياً لمنع إعادة إنتاج الصراعات.

– سيناريوهات استراتيجية لإسرائيل
1. تعزيز التعاون مع دول الخليج: إسرائيل قد تستغل تغير التوازنات لتوثيق علاقتها مع دول الخليج، التي تشاركها القلق من الدور الإيراني.
هذا التعاون قد يمتد ليشمل مشاريع اقتصادية وأمنية مشتركة.

2. دور الجولان: مع انهيار النظام السوري، قد تسعى إسرائيل لتعزيز سيطرتها على الجولان وتقديم نفسها كشريك استراتيجي للمجتمع الدولي في ضمان استقرار المنطقة.

– التحدي الأكبر واستدامة الاستقرار
1. الفجوة بين “التحرير” والإدارة:
“انتصار الثوار” هو بداية الطريق وليس نهايته.
التحدي الأكبر سيكون في ترجمة الانتصار العسكري إلى نظام سياسي مستدام قادر على توفير الأمن والخدمات الأساسية للسوريين.
أي فراغ في السلطة أو تدهور للخدمات يفتح الباب أمام عودة الجماعات المتطرفة و التدخلات الأجنبية.

– رؤية استراتيجية
التحولات المرتقبة في سوريا ليست فقط اختباراً لفاعلية التحالفات الإقليمية، بل أيضاً انعكاساً لحالة التغيير التي تشهدها المنطقة ككل.
إذا تمكنت القوى الفاعلة من توظيف هذه التحولات برؤية مستقبلية، قد نشهد بداية حقبة جديدة من الاستقرار النسبي والفوضى البناءة معا.
بالمقابل، إذا أسيء إدارة هذا الانتقال، قد تتحول سوريا إلى مسرح لصراعات طويلة الأمد تهدد الأمن الإقليمي والدولي.
هذا المشهد يتطلب شجاعة سياسية واستراتيجيات متوازنة تعطي الأولوية لمصلحة الشعوب، وليس فقط المكاسب السياسية قصيرة المدى.

خلاصة: نافذة الفرص والتحديات
إن “اجتياح الثواز السوريين” يحمل معه فرصاً وتحديات كبيرة.

المنطقة مقبلة على إعادة تشكيل كبيرة في التحالفات الجيوسياسية، مع تراجع نسبي للدور الإيراني وصعود القوى السنية.

إسرائيل ستكون أمام تحديات أمنية جديدة، لكن لديها فرصة لبناء شراكات إقليمية أعمق مع دول الخليج.

أما إيران، فستحتاج إلى إعادة تقييم حساباتها للحفاظ على ما تبقى من حضورها، بينما ستشكل تركيا وقطر ركيزة النظام الإقليمي الجديد.

المرحلة القادمة تتطلب استراتيجيات مرنة من جميع الأطراف، حيث أن “اليوم التالي” يحمل بذور استقرار هش أو انفجار جديد للمنطقة.

خاتمة
إن “انتصار الثوار السوريين” ، إذا ما تحقق، لا يعني انتهاء الكارثة السورية، بل بداية مرحلة جديدة من الفوضى المعقدة، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية مع الأطماع المحلية.

من جهة، قد يسعى” الثوار” لبناء سوريا جديدة، لكن من جهة أخرى، قد تشهد البلاد توغلاً جديداً للجماعات المسلحة التي استغلت فراغ السلطة على مدى سنوات الحرب.
الفجوة بين التحرير السياسي والإدارة الفعّالة قد تكون أوسع مما يتخيله الكثيرون، ففي حال غياب رؤية موحدة، قد تُغذي هذه الفجوة التحولات نحو إعادة إنتاج الإرهاب و الصراع الطائفي.
من هنا، تصبح الإجابة على السؤال الاستراتيجي الأهم: هل سنشهد تحوّلاً نحو الاستقرار أم إلى فوضى أبدية؟ الأمل في المستقبل يكمن في قدرة القوى الفاعلة على توجيه الأحداث نحو الحلول السياسية، مع إيلاء الاهتمام الكافي للتحولات الفكرية والأيديولوجية التي قادت هذا الصراع من الأساس.

زر الذهاب إلى الأعلى