بأقلامنا

مداخلة العلامة الشيخ محمد زراقط في لقاء مراكز الدراسات والابحاث في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

مداخلة العلامة الشيخ محمد زراقط في لقاء مراكز الدراسات والابحاث في مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي حول دور هذه المراكز في مواكبة طوفان الاقصى وتحديات المرحلة المقبلة
بسم الله الرحمن الرحيم
تظلّلنا منذ عقود تكاد تناهز القرنين أو أكثر أسئلة شتّى تدور حول قضايا كبرى وأخرى جزئية وتفصيلية من قبيل: أسباب تراجعنا الحضاري، وسبل النهوض واستعادة الأمجاد التليدة، والأولويات وترتيبها… وما زلنا مختلفين على الكثير من الأمور التي ينبغي أن تصل في وضوحها إلى درجة البديهيات مثل تفسير بعض الأحداث الكبرى أو الصغرى بنظرية المؤامرة أو كون المؤامرة ملهاة ومشجبًا نعلّق عليه مشكلاتنا الداخلية. وعندما ننظر إلى واقعنا الراهن وبعد كلّ التطوّرات التي تعصف بفعل إرادة داخلية فاعلة أو ردّة فعل، وذلك على جبهات عدّة عسكرية وثقافية وغيرها، نلاحظ أنّ وضعنا الحالي أفضل من وضعنا السابق فالحدّ الأدنى هو سمة الحراك المتوفّرٌ على الرغم من أننا قد نفوّت على أنفسنا بعض الفرص ونضيّع بعض اللحظات التاريخية التي قلّما تتكرّر، بدءًا من انتصار الثورة الإسلامية في إيران إلى تحرير عام 2000 وتحرير غزّة عام 2005 إلى حرب 2006 إلى غير ذلك من المحطّات التاريخية التي كنّا نشهد بعدها محاولات إبطال مفاعيلها واعين ذلك أو غير واعين.
ونحن الآن نعيش لحظة تاريخية حاسمة لم نشهد مثيلها في تاريخ أمتنا القريب وربّما البعيد. ووضعنا الآن على المحكّ إن لم نستثمر هذه اللحظة وضيّعنا الفرصة كما ضاعت فرصٌ أخرى سابقة.
وضمير جمع المتكلّم هنا يقصد به الأمة عمومًا والمشتغلون بالفكر من الذين امتهنوا الكلمة دون أن يهينوها، وما أكثر من يهينها في هذه الأيام. وإذا ضيّقنا الدائرة إلى هذا الحدّ الأخير أسمح لنفسي باستعراض مجموعة من القضايا التي تستحقّ العناية والاهتمام حسب فهمي المتواضع وأعرض عناوينها للتشاور في الآليات المناسبة للاشتغال عليها.
1- النخب العلمية غائبة أو مغيّبة عن الفعل المباشر والمؤثّر وأكثر هذه النخب يرضى لنفسه أن يعمل غبّ الطلب وعند الحاجة، دون أن يملك عنصر المبادرة الذاتية. وعلى الرغم من الظاهر النقدي لهذه الملاحظة إلا أنّ الروح التي تحملها الكثير من النخب جديرة بالاحترام والتقدير فنكران الذات قيمةٌ من القيم الأخلاقية الإيجابية؛ ولكن يمكن الجمع بين فضيلة نكران الذات وبين المبادرة الحرّة التي الأهداف والغايات والنظر إلى الأمور بعين أخرى سوى عين الميدان قد تري ما لا تراه عين الميدان بالضرورة. وهنا أسأل ألسنا بحاجة إلى فضاء يشبه فضاء مؤتمر هرتسليا علني كما يفعلون أو سريٌّ إن بقي في هذا العالم شيء يمكن الإسرار به.
2- يتحدّث ليفي شتراوس في بعض كتاباته حول الفكر السياسي الإسلامي عن ما يسميه الفكر المستبطن أو الباطني، ويقصد بعض الأفكار التي كان فلاسفة الإسلام يخفونها خلف طروحاتهم الظاهرية وآرائهم العلنية كي لا يثيروا نقمة الحكام من جهة أو المحكومين من جهة آخرى. وبغضّ النظر عن صحّة هذا الإجراء من الفلاسفة أو عدم صحّته فإنّنا ما زلنا نعتمد هذا الإجراء في مقاربة قضايانا وخاصة في ما يرتبط بالأحداث الجارية التي لها ما قبلها.
أ‌- فهل سيحين وقت استعادة النقاش الهادئ في مواقف الدول العربية ومحاسبتها على تقصيرها أو قصورها الخياني أو الإهمالي بالحدّ الأدنى؟
ب‌- هل سيحين الوقت لإعادة الحوار الهادئ في الجرحين السوري واليمني والبحث في خلفيات ما جرى الأمر الذي ما زلنا نستبطنه دون أن نعالجه؟
ت‌- هل سيحين وقت الكلام والبحث في مسألة المفاصلة مع الغرب في كثير من منتجاته الفكرية وغير الفكرية حتى تلك التي نحسب أنّنا لا نستطيع الاستغناء عنها؟ هذا الغرب الذي يصارح كل الدنيا حتى من هم بشكل أو بآخر شركاء له. هذا الغرب الذي أعلن بوضوح وقح عدم مبالاته لكل ما يرتبط بنا؛ بل تنكّر للكثير من مفاهيمه وشعاراته كحقوق الإنسان وحرية التعبير والتفكير وما شابه… وقد أخبرني أحد المطّلعين أن المدارس الألمانية توقّفت عن تدريس داستايكوفسكي الكاتب الروسي، وأخبرني آخر أنّ بعض المؤسسات العلمية قطعت علاقاتها مع الباحثين الروس بعد أزمة أوكرانيا، وأخرجت بعض الباحثين العرب لتعبيرهم عن تضامنهم مع غزة بعد السابع من تشرين.
3- ثمّة مسائل على الرغم من كثرة الكلام فيها إلا أنّ صداها لمّا يتردّد بعدُ بالمقدار الكافي. وهي كثيرةٌ أكتفي بالإشارة إلى نموذجين منها:
أ‌- قضية فلسطين وما يرتبط بها، ما زلت أتذكر من تجربتي الشخصية أني بقيت ما يقرب من عقدين من عمري عاجزًا عن تبرير الاهتمام الزائد بفلسطين؟ وعن الفرق بين إسرائيل التي تحتل فلسطين وأسبانيا التي تحتل سبتة ومليلة كي لا نغوص عميقًا في التاريخ البعيد. ألا تستحق قضية فلسطين والقضايا المشابهة درسًا معمّقًا. ألا تستحق هذه القضية الحياتية مزيدًا من الاهتمام العلمي والتربوي والبحثي كي لا تبقى مجرد خبرٍ يوميٍّ؟
ب‌- لفتني أنّ عددًا كبيرًا من شبابنا وبعضهم من المنخرطين لا يعنيهم الشأن العام إلا قليلًا، فمنذ فترة ولمناسبة مّا بدأت أطرح مجموعة من الأسئلة حول بعض القضايا العامة على عددٍ من الشباب الجامعي أو من هم على عتبة الدخول إلى الجامعات، ونادرا ما أحصل على الجواب المطلوب.
هذه مجموعة ملاحظات ذات صلة بالعمل الثقافي والفكري. لا أدري إلى أيّ نتفق حولها أو نختلف وإلى أي مدى يمكن معالجتها واجتراح الحلول لها في حال الاتّفاق عليها. وأما القضايا التي أقترح عناوينها لتكون محاور للتشاور وبعد ذلك مركزًا ومحور استقطاب لاهتمام المؤسسات العلمية والنخب الفكرية بها:
أ‌- الاقتصاد عمومًا وذلك أنّنا أكثر الأمم استهلاكًا فربما يبلغ ما يشتريه مجتمع صغير كالمجتمع اللبناني من شي إن يبلغ الملايين في كل سنة فضلا عن غيره من المنتجين أو البائعين على مساحة المعمورة
ب‌- بناء اقتصاد تعاوني يمكن أن ينافس على الرغم من التجارب السيئة التي عصفت بالمجتمع اللبناني مرّات عدّة فأنهكت وقطعت حبل الثقة في الأمور المالية
ت‌- إعادة الإعمار في غزة ولبنان واليمن لتثبيت الناس في أرضها وإعادة النظر حتى في بعض الفتاوى الشرعية مثل: اشتراط عدم الغنى في صرف الحقوق الشرعية ما يحرم مالك قطعة أرض صغيرة على الحدود مع فلسطين من المساعدة من الحقوق الشرعية
ث‌- في مجال الاقتصاد الرمزي هل يمكن تحويل الأماكن المتضرّرة إلى محجة شعبية من أقطار العالم العربي والإسلامي، وجعل أجزاء ركامها تذكارات ذات قيمة مالية دعمًا لأهلها وتثمينًا لتضحياتهم
ج‌- إعادة النظر في البرامج التربوية والتعليمية في المراحل التعليمية كافّة المدارس منها والجامعات لتربية كوادر وفق الحاجات المحلية لا وفق النماذج المستوردة
ح‌- السبات العربي شبه العامّ لولا قلّة قليلة يُراد لها أن لا تزعج النائمين
خ‌- صون الوحدة الإسلامية من بوم الخراب وغربان الجيف الذين بدأوا يائسين في النفخ في بوق الفتنة بأشكال شتّى. بدءًا من ذلك الذي ينافس أدرعي في التشكيك في نوايا إيران وحزب الله من نصرتهم لغزّة، إلى أولئك الذين التفتوا بعد آلاف المرّات من استخدام السيد الخامنئي استعارة يزيد والحسين للتعبير عن الصراع بين الحق والباطل، وعدِّها إعلانًا للحرب الطائفية من سماحته ضدّ اهل السنّة. وأخيرًا لا آخرًا الكلام على تسنّن أهل غزّة والتساؤل عن مدى وجوب نصرتهم وهذه الأصوات على الرغم من ضآلتها إلا أنّه يُخشى أن تكون رأس جبل الجليد الذي سيطفو بعد وضع الحرب أوزارها.
د‌- التفكير في مخاطبة الغرب المؤالف بعد عودة الطلاب إلى جامعاتهم مع العام الدراسي الجديد، أو بالحد الأدنى رصد تجربتهم والتفكير في آليات نقلها إلى جامعاتنا ومؤسساتنا التربوية
ذ‌- التوعية وتنمية الذكاء الإعلامي كي لا يتحول مجتمعنا على وسائل التواصل إلى أدوات ترويج لمنتجات العدو فأدرعي صار شخصية معروفة أكثر من فلان وفلان من المحللين السياسيين، والفيديوهات التي ينشرها العدوّ عن استهدافه للمجاهدين أو المواقع صارت منتجًا رائجًا كثير التداول حتى بين بعض من لا يتوقّع منه ذلك

زر الذهاب إلى الأعلى