بأقلامنا

بين التّشرينين تحية وفاء إلى دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري٠٠٠٠٠بقلم أمل كردي

بين التّشرينين
تحية وفاء إلى دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠بقلم أمل كردي
٠٠٠٠كانت الساحات تضجُّ بهياج الغضب،
وكانت الأيدي تمتدّ باللعنات، لا بالعدل
تُنزل صورته من الجدران كما لو كانت شاهدة زور
ويُحمل وزرَ عُقودٍ من الخيبة، كأنّه خلاصة الألم كلّه،
وصار وجهه، ظلما مرآةً لكلِّ السقوط
في ذلك الحين،
كان السخطُ سيّدَ الموقف
وكان الصراخ أعلى من الحكمة
والجحود أسرع من الإنصاف
كان الهتافُ أعلى من صوت العقل
كانت الصور تُحرَق، ووجهه تُلصَق بها كلُّ المآسي
كأنّ كلّ الخرابِ رجلٌ واحد، وكلّ الفشلِ اسمٌ واحد
وكان هو ذاك الاسم
وفي خضمِّ كلّ ذلك
كان هو، ثابتًا، صامتًا، لا يُدافع عن نفسه
مضى بين الجُموع كمن يمشي على الحبال
يَحكمُ بصمتٍ، ويُدانُ بصخب
يَصبرُ على الجَور، لا لأنّه ضعيف
بل لأنّ التاريخ لا يُكتبُ على ورق الهتافات،
مضى كمن يعبرُ النار حافيًا،
لم يُبدّل قسمته،
ولم يُشهر سيفًا في وجه شعبه
بل واجه النكران بالعمل
والخيانة بالصبر
والهدم بالتأسيس
يُرمم ما تهدّم، لا ليُثبت ذاته
بل ليحفظ سيادة وطنٍ
أرضه أثمن من الشكر، وشعبه أغلى من صورته
سنواتٌ مرّت كأنها قرون
وفي كلّ صباحٍ كان يُدفنُ فيه ظنّ الناس
وتُزرع في تراب الجنوب بذرة انصاف
وكان هو هو لا يُجادل، لا يصرخ، لا يردّ.
يرفع الوطن، حجرا فوق حجر
بهدوء العارف، لا بعاصفةِ المزايدين
بصلابة من يعرف ان الحكم مسؤولية لا منصة للخطابات او مرآة للمجد
وها هو تشرين يعود
لا يحملُ له شتيمةً، بل صلاة
هو الآن موطن الأمل، لا هدف الغضب.
وسقف الكرامة حين تهوي كل الاسقف
صار الوطنُ وجهه، وصارت البيوت تنطق باسمه دون وجل
وكأن العدالة تأخرت لتكتمل لا لتنسى
وأنا
اراه كما لم يروه حينها
أراه كما رأيته منذ البدء
حين كان المديح خيانة
أنا التي لم أتلوّن
لم أستبدل موقفي ساعة الغضب
ولم أخفِ حبّي له حين كان الآخرون ينفضون من حوله
ولم انتظر انصاف الناس
حين كان الكل يصرخ ضده، كنت وحدي اصرخ باسمه
كنت أقرأ ملامحه حين كانت العيون معصوبة بالغضب
أدركت نبرته الصادقة وسط جوقة الصراخ
كنت أراه حين كان الجميع يشيح بوجهه
ألمح النور في عينيه بينما يراه الآخرون ظِلًّا
سمعت صدقه خافتًا، حين غطّى الضجيج على كل شيء إلّا على بصيرتي
كنت أراه مخلوقًا من تراب الوطن لا من طين السياسة،
في الوقت الذي حسبه فيه الناس مجرّد صورة على جدار
كنت أراه جدارًا يسند ظهر الجنوب إن مال
وكنت أعلم أن التاريخ سينحني يومًا ليعتذر عن نسيان اسمه
لم يكن ذاك وحيا بل بصيرة فسبقتهم جميعا
كنت معه قبل أن تنصفه الأيام
وقبل أن تشهد له البلاد
لانني اعرف ان من يمشي وحده لا يعني انه تائه بل سبقهم بخطوة
خطوة واحدة كانت كفيلة بأن تغيّر وجه تشرين، وتشطب من ذاكرتنا أسماء كثيرة لم تصمد
وهو، منذ البدء، كان يُشبه تراب الجنوب، وتبغه وصبره بل كأن الجنوب كلّه اختصر في هيئة رجل، يمشي على مهله، لكنّه لا يخطئ الطريق
تشرين تغيّر
لكنّ الحقيقة لم تتغيّر
وحده صَبرُ الثابتين ينتصر
وحدها النوايا الصافية
ترتفع يومًا إلى مقام العدل الإلهي.
نعم كنت معه حين صمت الجميع
حين كان السقوط أسهل من الثبات
وحين كان الوقوف بجانبه يُحسب جُرما
واليوم ينسجون حوله الحكايات كما تُنسج الأساطير حول المُخلّصين.
ليدركوا متأخرين انه بكتف واحد استطاع أن يحمل ما لم تحمله جبالهم
وانه
حين كانت أفواه تتشدّق بالشعارات
كان هو يرمم الحقول، ويمسح عن جبين الأرض عرقها النبيل.
وانه حفظ الحدود دون ضجيج، وبنى بإخلاص لا تلتقطه الكاميرات.
ما باع الجنوب في بازار الشعارات
ولا علّق كرامته على حبال المزايدة
وحده، كان يمشي على جرحه، ليمنح الأرض خُطاها
يحرس ترابها لا بالكلمات، بل بالتعب
بالصمت الذي يصرخ وفاءً
باليد التي تبني دون أن تلتفت لتصفيق
فعادوا اليه
عادوا اليه لا لأنه تغيّر، بل لأنهم هم تغيّروا
عادوا إليه لا مديحًا، بل رجاءً
وفهموا متأخّرين كعادتهم أن من لم يغيّر ملامحه وسط كل العواصف
هو الأثبت، هو الذي لم يكن يشبههم
لكنه كان لأجلهم
وأن من تحمّلهم وحملهم بصمت، كان الأصدق
فرفعوه عاليًا لا تكريمًا له، بل تكفيرًا عن جحودهم
فليكتبوا ما شاؤوا اليوم
لكنّني كنت من الشهود الأوائل.
تبدّلت الأصوات، وانقلبت الطاولات
وتأخرت الحقائق لكنها وصلت،
لم أكن مع شخص، بل مع نبوءة
وكانت النبوءة… هو
كانت نبيه بري

 

زر الذهاب إلى الأعلى