أخبار لبنان

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك،

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الباقر(ع) لأحد أصحابه، هذا الإمام الذي نستعيد ذكرى ولادته المباركة في الأول من شهر رجب حين قال لصاحبه: “واعلَمْ بأنّكَ لا تَكونُ لَنا وَليّا حتّى لَوِ اجتَمعَ علَيكَ أهلُ مِصرِكَ وقالوا: إنّكَ رجُلُ سَوءٍ لَم يَحزُنْكَ ذلكَ، ولو قالوا: إنّكَ رجُلٌ صالِحٌ لَم يَسُرَّكَ ذلكَ، ولكنِ اعرِضْ نَفسَكَ على كِتابِ اللّهِ؛ فإن كُنتَ سالِكاً سَبيلَهُ، زاهِداً في تَزهيدِهِ، راغِباً في تَرغيبِهِ، خائفاً مِن تَخويفِهِ، فاثبُتْ وأبشِرْ؛ فإنّهُ لا يَضُرُّكَ ما قِيلَ فِيكَ، وإن كُنتَ مُبائناً لِلقُرآنِ فماذا الّذي يَغُرُّكَ مِن نَفسِكَ؟!”..
إننا أحوج ما نكون إلى أن نعي أنفسنا جيداً، فلا يكون تقييمنا لها من خلال ما يقوله الآخرون عنا إيجاباً أو سلباً، بل بمدى انسجامنا مع القرآن الكريم الذي هو الباب للوصول إلى الحق والحقيقة، ومتى حصل ذلك سنكون أكثر وعياً أنفسنا ولمدى قيامنا بالمسؤوليات على عاتقنا وقدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من لبنان الذي يسير بخطى سريعة نحو الانهيار الكامل على كل الصعد، من دون أن يكون هناك أي كوابح تقف أمامه والذي نشهده في الارتفاع المستمر وغير المسبوق في سعر صرف الدولار بعدما تجاوز الخمسين ألف ليرة، وهو مرشح للازدياد والذي يترك تداعياته وآثاره السلبية على الصعيد المعيشي والحياتي والتربوي والأمني، وعدم قدرة المواطنين على تأمين الدواء والاستشفاء والمحروقات والكهرباء، ويهدد قدرة المؤسسات الاقتصادية والتربوية والاستشفائية وحتى الرسمية على الاستمرار في أداء دورها، فيما يستمر الواقع السياسي الذي يفترض أن ينهض بهذا البلد ويخرج إنسانه من أزماته ومعاناته، على ما نشهده من انقسام حاد، ما أدى إلى العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم قدرة الحكومة القيام بالدور المطلوب منها وبات اجتماعها حتى في القضايا الضرورية والملحة يعتبره البعض إخلالاً بالميثاقية التي بني عليها البلد.
وانعكس هذا الانقسام على دور القضاء الذي بات غير قادر على حماية نفسه، أو على أداء الدور المطلوب منه، فهو عاجز في حسم ملفات أساسية مطروحة أمامه كالفساد والمرفأ وغيرها ما جعل القضاء الدولي يدخل إلى ساحته بكل التداعيات التي تنشأ من هذا التدخل.
إننا أمام كل هذا الواقع، نعيد دعوة القوى السياسية جميعاً إلى تحمل مسؤوليتها والعمل جدياً لإخراج البلد من هذا الواقع المتردي ومن الانهيار الذي قد يصل إليه.
وقد أصبح واضحاً أن هذا لن يتم إلا عندما يخرج الجميع من حال الانقسام هذه، ويتلاقون ويتوافقون على صيغة حل تضمن ملء الشغور على صعيد رئاسة الجمهورية، والوصول إلى حكومة مكتملة الصلاحية.
إننا نجدد القول، بأن باب التلاقي والتوافق مفتوح عندما يقرر الجميع أن يخرجوا من حساباتهم الخاصة أو مصالحهم الفئوية أو رهاناتهم الخارجية، ومن منطق الغلبة على الصعيد الطائفي أو السياسي ويفكروا جيداً بحسابات هذا الوطن وإنسانه.
إن من المؤسف، أن نرى من يتحدث أن البديل من عدم تحقيق ما يريد هو إعادة النظر في تركيبة هذا البلد، والإنزواء في إطار كيان خاص له ويخلد إليه، وهو لن يكون حلاً في بلد تتداخل طوائفه ومذاهبه، بل هو مشروع حرب وفتنة تزيد الأمور تدهوراً.
ونحن، في هذا المجال، ندعو كل الذين يتحدثون عن الهواجس المتأتية من استمرار هذا الواقع على صعيد هذه الطائفة أو تلك، أو هذا المذهب أو ذاك، أن يسارعوا إلى بذل كل جهودهم من أجل الوصول إلى هذا التوافق والتلاقي كلّ داخل طائفته أولاً وبعد ذلك مع كل الطوائف الأخرى.
ويهمنا على هذا الصعيد، أن نعيد التأكيد على المسؤولية التي تقع على القيادات الروحية، بأن يكون دورها جامعاً لشتات هذا البلد وموحداً لصفوف أبنائه من كل الطوائف وحاضناً لها ومعبراً عنها، والتي يعيش كلٌّ منها القلق نفسه والمخاوف نفسها على المستقبل.
ونبقى في الداخل اللبناني للتحذير من تداعيات ما يجري في العلن والخفاء من محاولات لشطب أموال المودعين، تحت عنوان عدم قدرة المصارف على الوفاء بعدما أودعت أموالها لدى الدولة اللبنانية، بحجة أنه لم يعد يسعها رد هذه الأموال أو تحت عنوان عفا الله عما مضى، نظراً إلى التداعيات التي بتنا نشهدها والتي نخشى أن تتفاقم إن حصل ذلك وهو ما يحصل في ظل اشتداد الأزمة المعيشية والحياتية وتنامي الحاجة إلى هذه الأموال.
ونحن في هذا المجال ندعو المجلس النيابي الذي نريده أن يمثل المودعين إلى الوقوف أمام محاولات، لتبرئة ذمة المصارف أو ذمة الدولة قد تقوم بها الحكومة تحت عنوان خطة التعافي الاقتصادي.
ونبقى على صعيد الداخل، لندعو إلى مزيد من التنبه والحذر والاستعداد إلى ما يجري داخل الكيان الصهيوني إن على صعيد المناورات أو التهديدات المستمرة للبنان، في ظل الحكومة الحالية الأكثر تطرفاً وعدم التعامل مع هذا الواقع باللامبالاة والاستخفاف.
وهنا ننوه بالدور الذي يضطلع به الجيش اللبناني في الرد على أي عمل عدواني يقوم به هذا الكيان، وفي تحمل المقاومة لمسؤوليتها في الرصد والمتابعة الدقيقة لتحركات العدو والاستعداد الدائم لإيجاد بنية ردع لهذا الكيان عن القيام بأي مغامرة قد يقدم عليها وضمان الاستعداد لمواجهته.
وإلى فلسطين، حيث تستمر معاناة الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس من الاقتحامات التي باتت تتم بشكل يومي والتي تؤدي إلى سقوط شهداء وجرحى وترويع الآمنين بهدف تيئيس هذا الشعب وحمله على إيقاف مقاومته، ودفعه إلى التسليم لهذا الكيان أو ترحيله إلى بلاد الله الواسعة.
إننا أمام ما يجري نحيي صمود هذا الشعب وبسالته واستعداده للتضحية، وندعو مجدداً إلى الوقوف معه ودعمه ومده بكل الوسائل التي تضمن صموده وجعله قادراً على منع العدو من الاستمرار بممارساته التي تزداد يوماً بعد يوم.

زر الذهاب إلى الأعلى