بأقلامنا

بناء الانسان من اعظم الصناعات بقلم المربي الاستاذ عباس ترحيني

:(

الحمد لله الذي علم بالقلم ، علم الانسان ما لم يعلم وصلى الله على خير من علم وعلم سيدنا ونبينا ابي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين .
نشر الروائي البرازيلي باولو كويلو قصة مفادها :
أن أباً كان يحاول أن يقرأ الجريدة لكن ابنه لم يكف عن مضايقته وحين تعب الاب من مضايقات ابنه قام بقطع ورقة من الجريدة كانت تحتوي على خريطة العالم ومزقها وقدمها لابنه وطلب اليه اعادة تجميعها ثم واصل قراءته ظنا منه أن ابنه سيبقى مشغولا لوقت طويل ، إلا أنه لم تمض دقائق حتى عاد الابن اليه وقد أعاد ترتيب الخريطة .
فتساءل الاب مذهولاً هل كانت أمك تعلمك مادة الجغرافيا ؟ فرد الطفل قائلا لا ولكن كانت هناك صورة لانسان على الوجه الآخر من الورقة وعندما أعدت بناء الانسان أعدت بناء العالم . انها عبارة عفوية ولكنها تحمل دلالات كثيرة .
إن من يتخذ من التعليم رسالة يعني أنه مهندس بناء، بناء لروح الانسان وفكره وقلبه وجسده وعواطفه فكما يحتاج بناء الحجر الى أدوات ووسائل ومهارة وخبرة وصبر ليحكم بنيانه ويجعل الانسان قابلا فيه للعيش كذلك التعليم فانه يحتاج الى قائد يجيد فنه واستغلال طاقات المتعلمين وتقدير ذواتهم والى صبر وأناة وكفاح قل نظيره دونما تأفف أو ضجر أو ملل أوكلل .
ومهمة بناء الانسان وتنميته لا تختصر بسنوات قليلة من تلقي المعارف ولكنها تنطلق من البيت ومع الاسرة مرورا بالمدرسة وصولا الى الجامعة والاندماج بالمجتمع لخدمة أبنائه يقول في الحديث الشريف  الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق الى الله أنفعهم لعياله ) وكما أن البذرة عند زراعتها تحتاج لتربة خصبة ضمن مناخ ملائم للحصول على انتاج وفير ونوعية جيدة كذلك الطفل هو البذرة التي تنمو في حديقة البيئة حين يولد ويترعرع في أحضان المدرسة ليطل بعدها على المجتمع حاملا معه الغلال الوفيرة لخدمة أبنائه .
إن بناء الانسان هو من أصعب الصناعات التربوية ولكنه في الوقت نفسه هو من أهم الصناعات التي تعطي المجتمعات التنمية المستدامة .ولذلك فإن دولاً كثيرة بعد الحرب العالمية الثانية استطاعت أن تتجاوز محنتها حينما استثمرت بالانسان فهذه اليابان التي كانت دولة مهشمة ومقطعة الاوصال لم يندب قادتها حظهم ولم يغطوا في سباق عميق بل وضعوا الخطط والبرامج التي تعيد بناء بلدهم ومجتمعهم .
وهذه ألمانيا التي دمرتها الحروب عن بكرة أبيها نهضت وحجزت لها مساحة في العالم على صعيد التقدم والتطور العلمي والسبب هو استثمارها في الانسان الذي عملت على تنشئته منذ الصغر ضمن برامج ومناهج تعليمية تبنتها الحكومة .
إذا بناء الانسان لا يكون الا عن طريق العلم وفقدان السيطرة على بنائه وتربيته منذ الصغر تنقلب مفاهيم الحياة لديه وتجعله يستبيح الكرامة الانسانية وأرواح البشر وثقافة البلاد وحضارتها .
فيا أيها القيمون على بناء الانسان اتقوا الله في رسالتكم وفي مهمتكم التي وضعتم بها أو وضعتم أنفسكم بها لأنكم ستسألون غداً أي جيل خرجتم ؟ وأي بلد عمرتم ؟ وأي بيئة حفظتم ؟ وأي حقوق أديتم ؟ وقفوهم إنهم مسؤولون . والحمد لله رب العالمين .

الأستاذ عباس ترحيني
مدير دوحة الامام علي (ع) ـ المبرات ـ معروب

إفتتاحية عدد رقم 45 ــ 2019 من مجلة هلا صور الثقافية الإجتماعية

زر الذهاب إلى الأعلى