أخبار لبنان

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك،

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي، بما أوصى به أمير المؤمنين(ع) أحد أصحابه حين قال له: “اتَّقِ اللَّهَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ وَخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ وَلَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ (لكثرة تقلبها وتغيرها).. وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوهٍ سَمَتْ بِكَ الْأَهْوَاءُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الضَّرَرِ فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً وَلِنَزْوَتِكَ عِنْدَ الْحَفِيظَةِ وَاقِماً قَامِعاً”…
فلنستوصي بوصية أمير المؤمنين التي تدعونا إلى أن يمسك كلٌّ منا بزمام نفسه، فلا يدع أهواءه ورغباته وانفعالاته تتحكم به بل هو يتحكم بمسارها ويأخذ بقيادها، حتى لا ترديه، وحتى نأخذها إلى شاطئ أمانها في الدنيا والآخرة..
وبذلك نكون أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات..
والبداية من هذا البلد الذي يبدو أن معاناة الإنسان فيه لن تتوقف، بل هي مرشحة للاستمرار بفعل تفاقم أزماته على كل الصعد، وانعكاس ما يجري في الخارج حيث الحرب المستمرة في أوكرانيا بكل تداعياتها وآثارها ولا سيما على الصعيد الغذائي، ما جعل الناس غير قادرين على تأمين أبسط مقومات حياتهم من الدواء والاستشفاء والغذاء والكهرباء وسبل التدفئة في هذا البرد القارس، ولا سيما على الجبال، وتوفير القدرة على تأمين المحروقات وسبل الانتقال، في وقت يعاود الدولار الارتفاع ويخشى من عودة طوابير السيارات على المحطات…
يأتي ذلك في ظل عجز الدولة عن القيام بمسوؤليتها لعدم التوافق بعد على خطة تعيد التعافي الاقتصادي والمالي إلى البلد وتخرجه من أزماته، وبعدما بُددت مدخرات الدولة واستهلك أغلب الاحتياط الإلزامي في المصرف المركزي وسيستهلك الباقي إن استمر الواقع على حاله… وبعدما أصبح واضحاً أن العالم الذي ينتظر منه أن يمد يد المساعدة بات مشغولاً بأزماته ومشاكله أو بملفات أخرى يرى لها الأولوية. وهناك من قرر عدم المساعدة لدولة يراها فاشلة وهي لم تقدم على أي خطوة إصلاحية، أو لديه مطالب تؤمن مصالحه وهو لن يعطي قبل أن يأخذ… وهناك في هذا العالم من ينتظر ما ستفضي إليه الانتخابات القادمة وأي صورة ترسم لهذا البلد ليبنى على الشيء مقتضاه…
ونحن، في هذا المجال، نجدد مطالبتنا للحكومة أن تكون أكثر جدية في معالجات أزمات هذا البلد لا سيما على الصعيد المعيشي والحياتي بأن لا تتحول إلى حكومة تصريف أعمال وتقوم أسوة بالحكومات السابقة بترحيل المشاكل إلى الحكومة التي تأتي بعدها، فالبلد لا يتحمل مثل هذه الحكومة والناس لا يتحملون…
إن على الحكومة أن تفي بما وعدت به عندما أعلنت أنها حكومة إنقاذ في بلد أحوج ما يكون إلى الإنقاذ… فمن يتحمل المسؤولية عليه أن يقوم بها أو يدعها لغيره ليقوم بها، حتى لا يتكرر التبرير الذي عهدناه ممن يتولون مواقع ومسؤوليات بأنهم لم يدعونا نعمل، فمن لم يستطع العمل أو لم يسمح له عليه أن يغادر موقعه…
في هذا الوقت، يستمر الكباش الحاصل بين القضاء والمصارف والذي وصل إلى ذروته بعد الإجراءات القضائية التي اتخذت بحق بعضها ورد الفعل الذي جاء منها والذي وصل إلى حد التهديد بإيقاف خدماتها أو تعليقها، ما يترك تداعيات على مصالح المودعين ومن يستفيد من هذه الخدمات…
ونحن، في هذا المجال، نكرر ما قلناه سابقاً إن من واجب القضاء أن يقوم بدوره في هذه القضية وأن تكون له الصلاحية والأبواب المفتوحة ليلاحق من أساء الأمانة وفرط بأموال المودعين وجنى عمرهم، فلا ينبغي أن توضع أمام القضاء خطوط حمراء أو تمارس الضغوط أو التهديدات عليه لتثنيه عن أداء دوره.
لكننا في الوقت نفسه نعيد دعوتنا القضاء الذي بات يوضع موضع اتهام في أي قضية يقدم عليها، إلى أن يثبت وبالممارسة استقلاليته أنه بعيد من الاستنسابية والخضوع لأي أجندة سياسية، وأنه ليس جزءاً من الصراع الجاري بين القوى السياسية على مكاسب ومصالح أو لتسجيل نقاط في ما بينها…
إننا نريد للقضاء أن يكون عين الشعب التي ترعى مصالحه إن أخفقت السلطة السياسية أو تغاضت وتورطت، وإلى أن يسير في هذا الملف المالي كما في غيره من الملفات بمعايير الشفافية والوضوح والعدالة والحكمة، إلى أن يحقق الهدف المرجو منه بإعادة الأموال المنهوبة وتحقيق أماني المودعين بإعادة حقوقهم…
ونحن في الوقت نفسه نؤكد على كل القوى والمرجعيات السياسية وغير السياسية أن من مصلح…

زر الذهاب إلى الأعلى