أخبار صور و الجنوب

من بريقع لقاء حواري مع المحلل والكاتب السياسي الأستاذ غسان جواد

بدعوة من سماحة الشيخ احمد مراد وفي بلدة بريقع ديوانية ابي الفضل العباس عليه السلام اقيمت ندوى سياسية حاضر فيها الإعلامي الأستاذ غسان جواد .

ابتدأت الأمسية بتلاوة ايات بينات من الذكر الحكيم ثم مدائح نبويه وكلمة للشيخ مراد من وحي المناسبة .

جواد استهل كلامه بقوله : كما قال الإمام الخميني رضوان الله عليه : كل ما لدينا هو من كربلاء وكربلاء الحسين تعيش معنا يوميا وتؤهلنا على المستوى الروحي والثقافي لكي نتعامل مع التحديات والمخاطر التي تواجهنا في هذه المنطقة .

وللحقيقة اننا في هذه البلاد منذ نحو 200 عام ونعاني من الإضطهاد وتحديدا عندما دخل الإنكليز الى مصر 1799  عندما كانوا يتنافسون مع الفرنسيين . اول من وجه نداء الى يهود العالم لكي يتجمعوا في فلسطين كان نابليون بونابارت .فالمشروع الإسرائيلي في المنطقة ليس جديدا فهو جزء من الصراع الذي عاشته اوروبا مع ذاتها . وفي المداولات الأولى للمشروع الصهيوني في مؤتمر بازل في سويسرا كان هناك البعض ممن رفضوا فكرة الدولة اليهودية الصافية . احدهم قال : فكرة دولة لليهود هي فكرة سيئة  ونحن اليهود لم نعش في حياتنا بسلام واستقرار الا بين العرب والمسلمين  , بينما العنصرية ضد اليهود كانت في اوروبا  وفي روسيا قبل قيام الإتحاد السوفياتي .وهذه العنصرية قائمة على عقيدة ان اليهود هم من صلبوا السيد المسيح .

اليهود عاشوا في منطقتنا قبل العام 1948 باستقرار وسلام وهم يقولون ذلك ونحن اطلعنا على ما يقولون من الوثائق في مؤتمر بازل حيث اقترج احد المشاركين بالمؤتمر فيدرالية يهودية داخل الدولة الفلسطينية لكن الإستعمار والراسمالية التي تريد موطئ قدم لها في بلادنا استخدم اليهود كديانة من الحركة الصهيونية التي قدمت افكارا خرافية مستفيدة من الفكر القومي الذي جاء الى اوروبا بعد عصر النهضة في القرنين ال 16 و 17 وذروته في القرن ال 19 . فطرحوا ان اليهودية هي قومية مع ان اليهودية هي ديانة .ففي اسرائيل اليوم نرى تعدد القوميات . فاليهود هم قوميات متعددة وليسوا قومية واحدة .

الإستعمار عزز من هذه الفكرة لأنه كان يريد موطئ قدم له في بلادنا تزامنا مع بداية انهيار الدولة العثمانية ( الرجل المريض ) وبدأت المستوطنات في فلسطين اواخر القرن ال 19 . واول مستوطنة بناها كان مستوطن استرالي من آل روتشيلد اذ  دفع 15 مليون دولار لبناء مستعمرة ريتشار ليتسيون .

القتل الذي يمارسه اليهود في بلادنا منذ حوالي 100 عام سيدفعون ثمنه لان الحياة هي فعل وردة فعل .

في الخمسينات من القرن الماضي احد اليهود ويدعى الفرد ليفنتال الف كتابا اسمه ” ثمن اسرائيل ” برفض فيه اقامة دولة يهودية ويعتبر ان اسرائيل ستكون على اليهود واليهودية في العالم مدمرة . ولكن الفكرة الصهيونية كانت احلال شعب مكان شعب اخر كالتجربة في اميركا التي سبقتها بحوالي 200 سنة حيث ان القادمين الى امريكا قتلوا السكان الأصليين من الهنود الحمر وقد استفاد الصهيانة من ضعف الدولة العثمانية  ومن المخططات الإستعمارية التي رسمت لهذه البلاد منذا اواخر القرن 19 واخذت حيز التطبيق مع سقوط السلطنة العثمانية عام 1919 وتوقيعها اتفاقية استسلام في قبرص حيث دخلت الجيوش الفرنسية والإنكليزية الى هذه المنطقة  .للمفارقة عام 1918 الحاكم العسكري الإنكليزي لفلسطين ابنه البرت صاموئيل هو صهيوني وعضو في الحركة الصهيونية . لذلك بدأ الإنكليز التمهيد لأرضية استلام اليهود لفلسطين بعد انسحاب الإنكليز منها .

ب15 ايار عام 1947 صدر القرار 181 عن الأمم المتحدة فأعلن حينها الصهاينة دولتهم وانطلق الصراع .

الفلسطينيين منذ ذلك التاريخ لم يكونوا مكتوفي الأيدي فكثير من اهلنا في جبل عامل ذهبوا قبل العام 1947 وقاتلوا في فلسطين .كما قاتلوا عام 1936 وهذا مصداق للإرتباط بين جبل عامل وفلسطين فهناك ارتباط تاريخي بين جبل عامل وفلسطين وهناك اكثر من محطة قاتلنا فيها مع بعض وتحالفنا كتجربة ناصيف النصار من جبل عامل وظاهر العمر من فلسطين فبلادنا هي ارض واحدة والأوطان التي نعيش فيها لا نؤمن انها اوطان انعزالية . فنحن لا نؤمن ان لبنان يمكن ان يعيش بدون فلسطين ولا لبنان بدون سوريا والأردن . فنحن اما بلاد واحدة او لا وجود للبلاد . فلحظة قيام اسرائيل اتت مع لحظة تفتيتنا وتقسيمنا .

يجب ان نطلع على التاريخ ولكن لا يجب ان نأخذ موقفا منه ,فمؤتمر وادي الحجير كان هناك خيار بين دولة عربية واسعة بقيادة الأمير فيصل وبين دولة لبنان الكبير , والبعض حاليا يقول ان تجربة لبنان الكبير كانت مفيدة للشيعة فلا مشكلة في هذا القول  ويمكن ان نناقشه , فعندما اتى الإمام الصدر الى لبنان قال نحن لبنانيون ولكن افقنا عربي واسلامي وبوابتنا الى العالم العربي هي سوريا .

من  المعيب ان يقول البعض ان الفلسطينيين باعوا ارضهم فهذا يساعد الصهاينة على سرديتهم . وان كان هناك عائلات تقليدية في لبنان وسوريا باعوا اراضي في فلسطين لليهود الا ان هذه العائلات التقليدية جزءا منهم ليسوا لبنانيين ولا سوريين بل هم من الأوروبيين الذين استوطنوا في بلادنا في القرن ال 17 كآل سرسق على سبيل المثال .

الفلسطينيين كانوا يقاتلون فعلى سبيل المثال في ثورة عام 1921 اضطر تشرشل وكان يومها وزير المستعمرات ان يأتي من مصر الى القدس ليعمل تسوية بين الفلسطينيين واليهود وطبعا في كل مرة كان هناك خديعة للعرب .

السلطنة العثمانية كانت متساهلة مع اليهود وكنا نعيش معا وطردنا سوية من الأندلس وفي القرن ال 17 طالب اليهود المحليين في فلسطين من السلطان العثماني ان يسمح لهم بالصلاة على الحائط الغبري للمسجد الأقصى ولم يكن يومها اسمه حائط المبكى بل كان اسمه البراق ,فسمح لهم السلطان . ولكن مع انهيار السلطنة العثمانية وفي عام 1920 شعر الفلسطينييون ان حركة اليهود كحركة يهودية لم تعد تشبه ما كانوا يقومون به في عيد الفصح وبات واضحا مع دخول الإنكليز ان اليهود يسعون الى فرض سيادة دينية وزمانية ومكانية على المسجد الأقصى لذلك بدأ الفلسطينييون ينتفضون وكانت اول انتفاضة عام 1921 الى ان اتى تشرشل كما اسلفنا .في عام 1928 كانت انتفاضة البراق , عام 1935 عز الدين القسام و عام 1936 الإضراب الشهير والثورة الكبرى ,وبعض المؤرحين يرون ان النكبة بدأت عام 1939 عندما اخماد ثورة 1936 .

بقي الفلسطينييون منذ عام 1948 حتى عام 1965 ينتظرون ان يأتي العرب ليحرروا فلسطين ولكن ما حصل كان على العكس فالفلسطيني الذي يحمل سكينا اما ان تعتقله المخابرات المصرية في غزة او المخابرات الأردنية في الضفة الغربية .

الشهيد خليل الوزير هو من الرملة عندما تهجر عام 1948 الى غزة كان عمره حوالي 17 سنة فقام مع الشهيد كمال عدوان الذي اغتالوه في بيروت بعملية صغيرة حيث فجروا خزان مياه لمستوطنة اسرائيلية اتت المخابرات المصرية واعتقلته .

عام 1957 ارسل الوزير رسالة الى الإخوان المسلمين بمصر يقترح عليهم فيها انشاء تنظيم مسلح فلسطيني تابع للإخوان المسلمين هدفه تحرير فلسطين وهو نشر ذلك في مذكرته في عام 1981 ولكنها عاد وسحبها لأنها شكلت له حساسية داخل حركة فتح اذ يقول : لتاريخ اصدار هذا الكتاب لم يأتي الرد من الإخوان المسلمين فاضطرينا للتوجه الى حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح 1965 .

من العام 1965 لغاية العام 1967 كان هناك تشكيك بحركة فتح من الأنظمة العربية ومن جمال عبد الناصر حيث كان يقال لفتح انكم مع حلف بغداد وانكم مؤامرة على عبد الناصر الى ان اكتشف جمال عبد الناصر اهمية المقاومة بعد هزيمة العام 1967 .

بعد اشهر من هزيمة ال 1967 تقوم المقاومة الفلسطينية في الأردن بمعركة الكرامة في آذار 1968 . فهذه المعركة انا اسميها ميني حرب تموز حيث دمرت المقاومة الفلسطينية للعدو اليات وصمدت في وجهه الى ان بدأ الحديث ان المقاومة هي الخيار البديل عن هزيمة الأنظمة . وبدأ الشباب العربي يتوجه الى التدريب في الأردن .

في العام 1969 حصلت حرب اهلية في الأردن . فخرجت المقاومة الفلسطينية من الأردن مدماة واضطرت ان تلجأ الى العنف الثوري , حتى يشاهد العالم اهمية المقاومة وعندما دخلوا الى لبنان فجروا في وجه المقاومة الحرب الأهلية اللبنانية .

بعضهم يسألني ( لماذا الحزب مطول بالو ؟ ) فأجيبهم لأن الحزب لديه تجارب سابقة ولا يريد ان يتورط , فهناك كثير من التجارب استفاد منها الحزب .

المقاومة الفلسطينية خرجت من الأردن مدماة وفاقدة للتوازن , لذلك اضطرت للجؤ للعنف الثوري الذي يسمونه اليوم ارهاب من اجل اعادة العالم لترى القضية . وعندما دخلت المقاومة الفلسطينية الى لبنان فجروا في وجهها الحرب الأهلية . كلنا اخطأنا في الحرب الأهلية وليس وحدهم الفلسطينين من اخطأوا . اساس المشروع هو ان يفجروا في وجههم الحرب الأهلية لتكون متنفسا للمنطقة لأن انور السادات كان متوجها الى السلام , فكان لبنان صندوق بريد . بفعل التآمر الغربي والدولي الى ان وصلت الأمور الى ما وصلت اليه . خلال وبعد 17 تشرين فتحت بوجه المقاومة زواريب لبنانية ولكن المقاومة رفضت الدخول في هذه الزواريب  ولو دخلت لما استطاعت اليوم ان تقوم بما تقوم به في وجه العدو الإسرائيلي .

قبل 7 اكتوبر دخلت القضية الفلسطينية منعطف خطير , فهناك غليان فلسطيني , لحظة اغتيال رابين علق قطار الحل السلمي وكل حكومة اسرائيلية كانت تأتي بعد ذلك كانت تهدم مقومات الحل السلمي , فنشأ جيل من الشباب يحلم بالإستقلال ليجد نفسه بعد 20 و 25 و 28 سنة انه لا زال تحت الإحتلال والظلم والحصار والإعتقال القتل . فبدأ الغليان يعبر عن نفسه فحمل الشاب السكين وبدأ يطعن بالمستوطنين .

احد اهم الكتاب الإسرائيليين اسمه اليكس فيشمان وهو محسوب على المؤسسة الأمنية يقول : ان هذا الجيل الذي نواجهه اليوم هو اعقد جيل فلسطيني . لأنه عاش حلم الدولة الفلسطينية الا انه كفر بإسرائيل والدولة والسلطة , فحمل سكينا وهجم علينا .

هناك 730 حاجز اسرائيلي في الضفة الغربية الإستيطان زاد في الضفة من ال 2014 ل 2022  بزيادة 500 الف مستوطن اضافي واصبح عددهم 800 الف مستوطن  خلال عدة سنوات في الضفة التي عليها ستقوم الدولة الفلسطينية , فأتت ال 2017 وصفقة القرن وحروب غزة وقضية القدس . وبعدها مرحلة التطبيع العربي الإسرائيلي .

نتنياهو من اصحاب نظرية السلام الإقتصادي ( يعيش الفلسطينيون في بلديات مثل الهنود الحمر , يأكلون ويشربون ويعيشون ويحملون تلفون ويشتغلون في اسرائيل كيد عاملة رخيصة فلا تضطر الى احضار عمال من دول اخرى اثر تكلفة وملزمة بتأمين مسكن لهم , فالفلسطيني يعمل في اسرائيل لقاء اجر زهيد ومن ثم ينام في بيته وليس في اسرائيل ) . يعني استعباد الفلسطيني . ونتنياهو كان يعمل على اختراق العالم العربي ويتجاهل الفلسطينيين .

حصلت عملية طوفان الأقصى وخلطت الأوراق , ومحور المقاومة عمل تكيف مع ما يجري في فلسطين وبدأ العمل في جنوب لبنان وكنا جزء من هذه المواجهة كأبناء جبل عامل وابناء جنوب لبنان وابناء المقاومة وابناء البقاع وجبيل وغيرها من المناطق اللبنانية .

قبل طوفان الأقصى كانت الخطط العسكرية الإسرائيلية جاهزة للعدوان على لبنان ولم يتبق الا التوقيت والموافقة الأمريكية فأتت عملية 7 تشرين وخلطت الأوراق . وفتحت الجبهة في الجنوب وهذه المواجهة التي تقودها المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان غير مسبوقة في تاريخ الضراع العربي الإسرائيلي , ففي التاريخ لم يحصل 758 عملية خلال 3 اشهر ضد العدو الإسرائيلي وكمية الخسائر التي يتلقاها حتى فكرة التهجير , فلم يعد التقصير التهجير علينا كجنوبيين من العام 2006 هناك معطى جديد نحن نتهجر وبالمقابل المستوطنين يتهجرون .

منذ 3 اشهر وهم يجزرون في غزة ولكن حتى اليوم لم يحققوا اي انجاز  , والمقاومة الفلسطنية لا زالت تقصف تل ابيب وتهاجم من المسافة صفر لقد حول الفلسطينيون التهديد الى فرصه . فحسب خبير عسكري شارك في الحرب الأهلية قال لي : هذا الركام الذي صنعه نتنياهو هو بالنسبة للمقاتل الفلسطيني مهم لأنه بمثابة متاريس .

الإسرائيليون يرتكبون مجازر والأمريكيين فتحوا لهم مستودعات الأسلجة وهم يقصفون الأطفال بما كانوا بما كانوا صنعوه للجبال  في تورابورا في افغانستان وللأنفاق وليس لأرض المنبسطة كما هو الحال في غزة , فكلفة الخسائر البشرية عالية جدا , ولكن الصمود الفلسطيني هو كبير ومبشر ,.

المصدر : موقع قلم حر

زر الذهاب إلى الأعلى