شخصيات

عبد العال: محمد الزيات فتى صور ولوركا القومي العربي وحلمنا الذي لا نتخلى عنه

المكتب الاعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – لبنان
15-03-2015
خلال احتفال تكريمي للمناضل القومي العربي محمد الزيات في قاعة المدرسة الجعفرية في مدينة صور، وبدعوة من منتدى الفكر والأدب لمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لتأسيسه، كان لمسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، مروان عبد العال كلمة جاء فيها:
أجمل المساءات للحضور الكريم
للتلاقي الجميل بين جدارة المنبر الثقافي الرفيع / منتدى الفكر والأدب بمدينة صور في ذكرى تأسيسه العاشرة، وجدارة الصرح التربوي العريق في المدرسة الجعفرية، من رعيل جدير به. تلك الأبجديات الأولى لقداسة النضال الذي وسم سماء المدينة كسحابة ثقيلة بالتجربة وإن مضت على عجل .
مساء الفتى الجنوبي لوركا القومي العربي المتمرد، حتى يوقظ فينا بعض من أحلامه المكدسة بين ضفتي التاريخ والتراب، الممتد بين أضلاع الأرض كالجداول ورغم كل سنوات اليباب، لكن العشب لايزال نضرا ينبت بين أصابعه، يلوح بقبضته البيضاء فوق رؤوسنا. آنذاك، كانت السماء أزهى ألوانا مماهي عليه الآن ، محمد الزيات المحارب الشاب المزهو على قلب حلم واحد وبين حالمين كبيرين جورج حبش ووديع حداد .
” هذا الشاب قصة كبيرة ” هكذا هتف جورج حبش منذ اللقاء الأول به، قصة كبيرة في حياة لم يتجاوز فيها الثلاثين عاماً، لكنها صاخبة كمقطوعة موسيقية جامحة، تعزف ألحان النضال وألوانه، مواصفات قيادية ، وقدرة نقابية، عقل تنظيمي، روح قتالية، شخصية متميزة، يقبض على حلقات النضال كلها كقوس قزح ويشد جدائلها إليه كي لا تفلت منه، لذا ما زلنا نغرف منها و نعود نحن إليها حين يأذن لنا ولو مؤقتا .
الشاب القصة الكبيرة المشبعة برحيق التاريخ ، قصة لم تتوقف في مدينة تستريح على طريق توابل العشق القديم، وعلى وجع النكبة عام 1948ويظل اسمها العربي الفصيح وفي الفصول كلها” فلسطين ” تكبر القصة بحجم قلب مدينة صور، الذي يخفق على الوتر البري الأخضر ببساطة، فلاح يزرع ويقاوم، وتقدم قرابين على مذبح الحرية والعروبة فكان: معن حلاوي ومحمد قاسم وابراهيم سلامة، وتداعب الشريان البحري الأزرق الممتد على أفق مالح كدمع برتقالها الحزين. وفوق شفاه الجرح الطازج في الخمسينات كان قنديل لوركا يكتب السيرة القضّية بشغف وطهر وزخم المقاومة الشعبية في المدينة. ” وجدت نفسي أمام شاب يمتلك مواصفات قيادية عالية جداً، انتابني إحساس أن هذا الشاب الذي سيشكل قصة بكل معنى الكلمة حملت فعلا وبموضوعية شخصية جيفارية استثنائية “…هكذا وصفه الحكيم وأضاف” ولكن رحيله العاجل سبق نية إعلانه مؤسسا في حركة القوميين العرب .”
القائد محمد الزيات لم يكن قائداً سياسيا كما يظن البعض، بل كان قائدا ثوريا بامتياز،”شخصية جيفارية استثنائية ” لم يكن يناضل لشخصه لمنصب أو زعامة أو لمكانة ولا لزمنه الخاص، بل يدرك توارث الأجيال “زرعوا فأكلنا نزرع فيأكلون” وإن التغيير يبدأ بأحداث نقلها بالوعي، بالعلم والمعرفة مدركا أن السياسة بلا ثقافة تكون جسدا بلا روح ، وفي عرينه الرياضي والثقافي والقومي العربي يخوض في نادي التضامن دروسا في محو الأمية والمعارك النقابية إلى استضافة الشخصيات الفكرية والشعرية والكفاحية والثقافية من بدر شاكر السياب، جورج حبش، وديع حداد، جوزف مغيزل، كلوفيس مقصود، شكر الله حداد وغيرهم .
هكذا صار لاعب كرة القدم في «نادي التضامن»، محاضرا في المخيمات الفلسطينية لنشر الوعي القومي، ضد الاستعمار القديم والجديد وضد الاحتلال الأمريكي والمنادين بالوحدة زمن عبد الناصر، وكما نعلم أنه في العام1960 ترشّـــح الشابّ الكاريزميّ منفرداً بقرار من الحركة، الكل ضد محمد الزيات من العائلات التقليدية النافذة وقتها ومع ذلك نال أربعة آلاف صوت.
هناك في نادي التضامن في الغرفة الصغيرة الجانبية يجلس من يشرف شخصيا على الحملة الانتخابية كان ذلك الشاب القائد د. وديع حداد .
القصة الكبيرة في اجتراح الرمزية التاريخية لا الاكتفاء في الاتكاء عليها، لأن شباب الحركة الذي مثلّه حينها جيل محمد الزيات، هم ذاتهم رمزية تاريخية، تستمد رصيدها النضالي من سيولة يومية تتراكم وتنمو وترنو نحو الغد ولا تكبل ذاتها بالماضوية، التى تختلف عن الاستمرارية التاريخية، حيث يصبح الانتماء هو تأكيد هوية ومكانة تاريخية وليس تعويضا عن نقص في المكانة الاجتماعية .
الشباب قصة كبيرة حينما كان محور الفعل الحركي، لم ينتظر كرماً حاتمياً كي يمنحه دوراً، فقد كان رائدا في صناعة القرار بإبداع لا ينضب حتى الساعة، بل إنه يضخ الدماء في عروق السياسة كما كان جيل محمد الزيات ، ويطرح السؤال عن الكينونة التنظيمية للأحزاب السياسية التي شاخت وبات الواقع يلزمها بتجديد نخبها وقادتها، لتجد نفسها في حاجة ماسة لتجديد الدماء لتتجدد الفكرة ويتجدد العطاء وتتجدد الغاية.
قصة بحجم الفكرة الطليقة التي تستحيل على الحَجر في قمقم الجمود “حين يبزغ الصنم تنطفيء الفكرة ” على حد قول مالك بن نبي، حياة الفكرة تستمدها مساحة الحرية كجزء من حالة الجدل الفكري المشتعل، وموتها يحولها لحجارة صماء معرضة للكسر مع أول صدمة، يخطئ من لا يعرف أن العدو دائما يقف وراء كل أطروحة فاسدة والذي استخدم لذلك أدوات السيطرة كلها تاريخيا لمنع وجود فكرة جامعة، رؤية لحركة تحررعربي تكون القضية الفلسطينية العنوان الرمزي المكثف لقضية التحرر العربي، وهي كذلك لم تكن ولن تكون يوماً قضية دينية طائفية أومذهبية أوفئوية أو قطرية، بل في العمق قضية الحرية الوقائع تؤكد أنه بلا راية العروبة الجامعة لا تبقى الأوطان أوطاناً ولا فلسطين عنواناً.
قصة عظيمة بحجم الحلم الذي لا يقبل المتاجرة، ولن يبتلعه البحر رغم موج التخلف والتسيب والتيه، والتاريخ عصّيٌّ على المناكفة، مهما استخدمت البدائية من أدوات بشعة.
نعلم أن الطريق متعرجة وقاسية، نحن قدرنا المقاومة قبل أن تكون خيارنا ونؤمن بها قبل أن نحبها، لأنها عنوان إنسانيتنا، وصاحبة الشأن في استعادة الفكرة العربية الجامعة والروح الوطنية الأصيلة، ورفع منسوب الحس بالكرامة العربية كحس وطني بامتياز، لذلك الوحدة الوطنية لها حيز معنوي ومادي يضيف لهذه الفكرة قوة ويسندها بالطاقة الإيجابية، أما التمزق فإنه يقع في نطاق الانكسار الروحي والإهانة الوطنية، الانقسام يولد مشاعر الإحباط الوطني ويبدد الروح الثورية .
تكبر قصة الهوية من الماء إلى الماء، تكبر الروح والإرادة والوطن، فيكون مسعى تمزيق المجتمعات بفقه الفتنة وفتاوى الدم وتحويل العشيرة أو القبيلة أو الطائفة أو العرق إلى “وطن”، كي يجاز للعدو وجوده وعنصريته الدينية، مقدمة لإلغاء حلم وقضية بل لوجود شعب وشطب حقوقه الوطنية ، لقد شنت الحروب لضرب مقاومته وإخماد روحه وكسر إرادة الحق التاريخي للأمة، الحق هو فلسطين، وفلسطين هي فلسطين الحقيقية بلا وهم وخديعه، والحق الوطني هو النص الذي لا اجتهاد فيه، الحق غير قابل للتقسيط أو المقايضة أو مبادلة جزء منه بآخر هي مسأله كفاحية شرسة وليست سهلة.
محمد الزيات .. أنت جزء من حلمنا الجميل الذي لا يسقط بالتقادم، ولن نتخلى عنه..
زر الذهاب إلى الأعلى