Uncategorizedبأقلامنا

استرجاع فرج الله حايك بقلم الشاعر هنري زغيب

استرجاع فرج الله حايك
“نقطة على الحرف”
الحلقة 1642
“صوت كلّ لبنان”
الأَحد 15 تشرين الأَول 2023

من المستغرَب أَن يشتهرَ في باريس حيث صدرَت مؤَلفاتُه رواياتٍ وأَبحاثًا وقصائد، وأَلَّا تعرفَه جيدًا بيروت إِلَّا منذ سنة 2000 حين دخلَت أَعمالُه في المقرَّر الجامعي لدى كلية الآداب في جامعة القديس يوسف، فبدأَت تَظهر عنه دراساتٌ وأَبحاثٌ جامعية محكَّمة في الجامعة اليسوعية والجامعة اللبنانية وفي باريس. ومن أَبرز ما صدر: كتاب الدكتورة زهيدة درويش جبور “الآداب الفْرنكوفونية في الشرق الأَوسط” الصادر في 206 صفحات لدى منشورات EdiSud في باريس.
هذا هو قدَر الكاتب اللبناني الفْرنكوفوني فرج الله حايك الذي أَمضى حياته في شبه الظل، بينما مؤَلَّفاتُه تُسيل حبرًا مشرِّفًا من النقد والتقدير. كان كثيرون في لبنان يتجنَّبون الكتابة عنه لِما في كتاباته من “التابو” في جرأَةِ اختراق الممنوعات والمحظورات الدينية والاجتماعية المتزمِّتة، لذلك غابت كتبُه عن الساحة الأَدبية الفْرنكوفونية اللبنانية، إِلى أَن ظهرت أَربع روايات منها قبل أَيام لدى منشورات “شرق الكتب” (L’Orient des livres) ببادرة من السيدة جوسلين داغر حايك. والأَربع الروايات الصادرة بالفرنسية في بيروت كانت صدرَت طبعتُها الأُولى في باريس كما يلي: “برجوت” (1940)، “الغريبة” (1947)، “عالَم قايين” (1955)، و”جُمانة” (1957).
بعضُ الإِطلالة على هذا الكاتب المشهور باريسيًّا المغمور لبنانيًّا: وُلد في بيت شباب سنة 1909 وتوفي في بيروت سنة 1994. تزوَّج من بنت حصرون إِلفيرا نخلة عواد. نال سنة 1967 جائزة “مونصو” الأَدبية عن مجمل مؤَلفاته الروائية. وكان سنة 1948 نال جائزة “ريفارول” الأَدبية على روايته “أَبو ناصيف” واعتبره النقاد الفْرنسيون “مجدِّدًا في اللغة الفْرنسية”، فهي جائزة من الدولة الفْرنسية لكاتب يكتب بالفْرنسية وهو غيرُ فْرنسي وليست الفْرنسيةُ لغتَه الأَم.
وحين قدَّم في باريس مخطوطة روايته “عالَم قايين” سنة 1955 إِلى منشورات “غاليمار” التي كان مستشارَها أَلبر كامو، كتب له هذا الأَخير: “إِن في أُسلوبكَ النقي، السلس، المتوتر، الشاعري، الصافي كقطعة برونز، ما يُعطي روايتَكَ نكهةً أَدبية جديدة فريدة من نوعها كليًّا”.
وإِنه كذلك، أُسلوبُ فرج الله حايك، به تطرَّق في رواياته إِلى مواضيعَ جريئةٍ في المرأَة والدين والحياة الاجتماعية، فلم يوفِّر عيبًا دنيويًّا إِلَّا أَضاءَ عليه، ولا سلطةً دينيةً إِلَّا كشَف مثالبها. كان صوتَ الأَرض والفلَّاحين والناس البسطاء الطيِّبين الذين غدرَت بهم السلطاتُ الاجتماعية، فانتصر لها وكان دفاعُه صاخبًا ساخطًا بلا هوادة.
شكرًا لمنشورات “شرق الكتاب” على إِعادة إِصدار هذه الروايات الأَربع، وللسيدة جوسلين داغر حايك على مبادرتها التي جعَلَتْنا نسترجع فرج الله حايك: كنا بعيدين عنه وها هو اقترَب منا ليكون في كوكبة كبار اللبنانيين الفْرنكوفونيين الذين نسجوا مؤَلفاتهم بِلُغةِ راسين فضاهَوا أَبناءَها، وأَقرَّت لهم بذلك مبدعين عالَميين من قلب لبنان.
هـنـري زغـيـب

زر الذهاب إلى الأعلى