بأقلامنا

النص الكامل لتقديم د. حسن دياب للكاتب المصري ماهر مقلد حول كتابه ( شهود على التاريخ )

يسعدني في هذه الأمسية الجميلة ، ومن ضمن أنشطة وفعاليات معرض الكتاب العربي في صور الذي تقيمه سنوياً جمعية هلا صور الثقافية الإجتماعية برآسة الصديق الدكتور عماد سعيد ، أن أدير هذا اللقاء الحواري مع شخصية فكرية وثقافية وإعلامية كبيرة لعبت ولا تزال تلعب أدواراً شتى في مختلف ميادين الصحافة والأدب والثقافة. فهو خارجَ أيّ توصيفٍ أو لقبٍ أو منصب إنه الكاتب والصحفي المميز مدير جريدة الأهرام المصرية الأستاذ ماهر مقلد.
فطالما أننا في حضرة التاريخ وفي حقل كتاب يشهد للتاريخ ، أود أن أعود قليلاً إلى عصور ما قبل التاريخ والتي تضيء على علاقات الأخوة والصداقة والتجارة وتبادل السلع بين صور الكنعانية الفينيقية وبين مصر الفرعونية .
يحدثنا التاريخ القديم عن علاقاتٍ سياسيةٍ وتجاريةٍ هامة تمتد إلى أكثر من أربعة آلاف سنة ، حيث تشير وثائقُ تل العمارنة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى مراسلاتٍ دولية بين المدن الفينيقية ومنها مملكة صور وبين الملك أمنحوتب الرابع الملقب بأخناتون ، إذ تم العثور على رسائل بالرُقُم المسمارية بلغت حوالي 340 رسالة مرسلة إلى مصر من ملوك كبرى الممالك في الشرق ، ومن ضمنها عشر رسائل أرسلها أبي ملكي ملك صور( صورّي Surri) إلى الملك أخناتون طالباً فيها النجدة في مواجهة أعدائه. ويقول أبُ التاريخ هيرودوت أنه كان لصور حي في مدينة ممفيس عاصمة مصر القديمة يدعى حي الصوريين ، وفيه معبد لآلهتهم . كما كان لمصر في تلك الحقبة من الزمن مكتب في صور ( قنصلية أو سفارة في يومنا هذا) يديره مندوبون عن الملك لتسهيل العلاقات التجارية والدينية بين البلدين.
وعندما اجتاح نبوخذ نصر البابلي في القرن السادس ق. م. المدن الفينيقية واحتلها دون مقاومة ، بقيت صور وفية لعلاقات الصداقة والأخوة مع مصر ، فرفضت الإستسلام، وقدمت ثمناُ باهظاً بسبب موقفها هذا، حيث تم حصارها لمدة ثلاثة عشر عاماً متتالية.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر أثرى اللبنانيون الصحافة المصرية، حيث أصدر الأخوان اللبنانيان سليم وبشارة تقلا صحيفة في مدينة الإسكندرية، في الوقت الذي شهدت في مصر هجرة واسعة من قبل الشوام إليها، وكان من بينهم عدد من الأدباء والمثقفين والصحفيين ممن وفدوا هرباً من ضغط السلطان عبد الحميد على حرية الكلمة في بلاد الشام . وكانت الأهرام أول من إبتكر بعض الفنون الصحفية التي لم تكن تعرفها الصحافة المصرية من قبل، مثل الحديث الصحفي والحوارات الصحفية. ومن أبرز تلك الحوارات تلك التي أجراها بشارة تقلا مع الخديوي اسماعيل.
وفي عصرنا الحديث ، وخلال المدة الوجيزة لقيام الوحدة السورية المصرية ، زار الرئيس جمال عبد الناصر دمشق سنة 1960 ، فزحف ما لا يقل عن نصف مليون لبناني الى العاصمة السورية للترحيب بالزعيم العربي الكبير ، وشاركت صور بوفد كبير حيث ألقت الشاعرة الصورية زهرة الحر قصيدة وطنية عاطفية في هذه المناسبة.
لقد أحببت من وراء هذا العرض الموجز التركيز على عمق علاقات الود والصداقة والأخوة التي تربط بين الشعبين الشقيقين في لبنان ومصر، وتحديداً بين صور ومصر.
ومن خلال هذه المقدمة ندخل الى الكتاب شهود على التاريخ والذي هو عبارة عن مجموعة من الحوارات الصحفية التي أجراها الكاتب قبل عقود من الزمن لشخصيات يعتبرها نادرة في التاريخ لمكانتها وتأثيرها على مجريات الأحداث في مصر، ولكنها تتمتع برصيد وافر من العمل والإنجازات وهي تحملُ رؤىً متقدمة لجملةٍ من المواقف السياسيةِ والفكرية والثقافية .
يتألف الكتاب من مقدمةٍ وأربعة فصول مع مئتين وأربع وستون صفحة ، متضمناً حواراتٍ متنوعة لثماني وعشرين شخصية، وأعطى الكاتب عنواناً لكل فصل. الفصل الأول بعنوان شهود يوليو حيث تتضمن حوارات مع ثماني شخصيات كسامي شرف وجيهان السادات وأمين هويدي وغيرهم ، والفصل الثاني بعنوان الحوارات الشائكة لستة شخصيات منها ، عبد الصبور شاهين ومصطفى محمود وعماد أديب ، والفصل الثالث بعنوان الحوارات النادرة لتسعة شخصيات، منها الشيخ الشعراوي ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الأبنودي ، أما الفصل الرابع والأخير فهو بعنوان حوارات التطبيع لإحدى عشرة شخصية، منها علي سالم وسعد الدين وهبة وجمال بدوي والسيد ياسين ونوال السعداوي.
والجميل في تلك الحوارات هو الأمانةُ الفكرية والأدبية في نقل جلسات الحوار كما حصلت بالفعل لا كما يتمناها الكاتب، فهذه هي الكتابة الموضوعية التي تظهرُ جليةً نقيةً في متن الكتاب ، لأن جوهر الإنسان، كما يقول الأستاذ ماهر يظهر في قول الحقيقة والإنحياز لها ، لكنه في كل مرةٍ يخضع للتجربة يضع الضميرَ في الإمتحان.
فالضميرُ يتدفق كما المياه الصافية في الجداول، وقتما يكون شفافاً ينصفُ وينطقُ بالحقيقة.
وأكثر ما يلفت في هذه الحوارات الصادقة هو الموقف المتشدد والحاسم لإتحاد كتاب مصر وعلى رأسه سعد الدين وهبه بفصل كل عضو يزور إسرائيل من الإتحاد أو يساعد على التطبيع معها. فعندما زار الكاتب المسرحي علي سالم الكيان الصهيوني ، تمت معاقبتَه بفصله مباشرة عن هذا الإتحاد، وسُحِب منه الإعتراف ككاتب مسرحي.
أما المفكر الكبير وعالم الإجتماع السيد ياسين فكان أيضاً ضد التطبيع مع إسرائيل، ويقول بأن عدد دعاة التطبيع في مصر كان لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهؤلاء لا وزن لهم في الشارع الثقافي المصري.
هذه هي مصر أم الدنيا بتاريخها العريق وحاضرها المشرق ، والتي يجسدها في هذه الأمسية الجميلة الكاتب والصحفي اللامع ، صاحب الكلمة الحرة والمسؤولة، ورجل الفكر الإنفتاحي والأفكار التنويرية النابضة بالوطنية والعروبة الحقة، مدير تحرير جريدة الأهرام الأستاذ ماهر مقلد والذي كان قد تولى قبلها العديد من المراكز الصحفية والإعلامية في مصر ، ومن بينها مدير مكتب الأهرام في لبنان بين عامي 2006-2010 حيث أطلع عن كثب على الأوضاع اللبنانية المعقدة، وأصدر كتاباً عن هذه المرحلة عام 2015 بعنوان” لبنان فتنة القصور ” ، وهو كتاب قيّم وهام يؤرخ لحِقبة زمنية مفصلية من تاريخ لبنان المعاصر.
كما للكاتب مجموعة من الكتب الأخرى ، منها كتاب ناريمان الملكة الأخيرة ، وكتاب طلال أبو غزالة الصعود إلى القمة، ورواية الشيخ وحشى، ورواية صمت الجبال .
والآن مع ضيفنا الكبير والصحفي القدير الأستاذ ماهر مقلد

د. حسن دياب
صور في 29/11/2021

النص الكامل لتقديم د. حسن دياب للكاتب المصري ماهر مقلد حول كتابه ( شهود على التاريخ ) ضمن فعاليات معرض الكتاب العربي السادس\ لكن لظروف خاصة و استسنائية  تأجل اللقاء الى موعد يحدد لاحقا

 

زر الذهاب إلى الأعلى