أخبار لبنان

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك،

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام الجواد(ع) عندما قال لأحد أصحابه: إياكم والظلم واعلموا أن يوم العدل على الظالم أشدّ من يوم الجور على المظلوم” هي وصية الإمام لكل منا بأن لا تدفعه نفسه إلى ظلم أحد أباً كان أو أماً أو زوجة أو أبناء أو رحما أو موظفاً أو عاملاً أو أي إنسان صغيراً كان أو كبيراً عدواً كان أو صديقاً، وأن يتقي اليوم الذي لا مفر منه حين يقف المظلومون في مواجهة ظالميهم ويقولون لله عز وجل الحاكم بالعدل في ذلك اليوم يا عدل يا حكم خذ لنا حقنا ممن ظلمنا، فيأخذ الله الظالمين أخذ عزيز مقتدر، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً}، فلنحرص أيها الأحبة أن نخرج من الدنيا وليس هناك تبعة لأحد نواخذ عليها لنكون بذلك أقرب إلى الله وإلى قلوب الناس وأقدر على مواجهة التحديات.
والبداية من الانتخابات التي بدأت القوى السياسية بكل تنوعاتها بالتحضير لها إن على مستوى اختيار المرشحين أو التحالفات للحفاظ على مواقعها وتعزيزها أو إلى إحداث تغيير يؤدي إلى انقلاب الصورة في المجلس النيابي إن لم يكن جذرياً فجزئياً.
ونحن في الوقت الذي نعيد التأكيد على أهمية إجراء هذا الاستحقاق لأن فيه تجديداً للحياة السياسية وتعبيراً عن آمال الناس باختيار ممثليهم..
فإننا ندعو هذه القوى إلى أن يحسنوا اختيار مرشحيهم، بأن يختاروا الأكفاء نظيفي الكف والتاريخ الذين لم تتلطخ أيديهم بالفساد، والقادرين على أداء دورهم على صعيد الرقابة والتشريع ومن يحملون هموم الناس وتطلعاتهم وأمن ومستقبل هذا البلد، وأن يكون سلاحهم الوحيد في هذه المعركة هو سلاح البرامج التي تركز على الإصلاحات الضرورية لإنقاذ البلد وتقف بثبات ضد أية تدخلات خارجية تضعف موقع لبنان وقوته واستقلاله..
إن على القوى السياسية أن تعي أن الناس الذين عانوا ويعانون من الواقع الصعب الذي بات يمس أبسط مقومات حياتهم، لن يكرروا تجارب فاشلة ولن يلدغوا من حجر مرة أخرى..
ضمن هذه الأجواء تستمر معاناة اللبنانيين على الصعيد المعيشي والحياتي من دون أن تبدو هناك أية بارقة أمل تخرجهم من معاناتهم، بل هم يخشون من أن تزداد معاناتهم، فبالرغم من الاستقرار الذي لا يزال يشهده سعر صرف الدولار يستمر ارتفاع أسعار السلع الأساسية والذي نعيد التأكيد أنه لا يتحمل مسؤوليته صغار التجار فحسب بل الكبار منهم ممن يحتكرون سوق السلع والمواد الغذائية والدواء والمحروقات والقادرين على التلاعب بالسوق.
ومن هنا، فإننا ندعو مجدداً إلى التأكيد على القيام بإجراءات أكثر جدية وفاعلية لمنع الاستمرار بهذا النزف بحق ذوي الدخل المحدود، وفي الوقت نفسه نضم صوتنا إلى كل الأصوات التي تدعو إلى عدم حصر عقود الاستيراد بأسماء وأشخاص وشركات معينة، منعاً للاحتكار وإفساحاً للمجال لمبدأ المنافسة المفتوحة التي نراها تشكل عاملاً أساسياً في خفض الأسعار..
إن من المؤسف أن تعطى المطالبة بهذا الأمر أبعادا ًطائفية أو مذهبية فيما ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية التي ينبغي أن تكون فوق الجميع والتي سوف يستفيد منها كل الطوائف والمذاهب.
ونبقى على صعيد الطروحات التي تتعلق بواقع البلد أو مستقبله والتي تصدر من مراجع سياسية أو روحية فإننا نعيد التأكيد على حق أي موقع سياسي أو روحي بإبداء رأيه ونظرته إلى حل أزمات البلد، لكن بما لا يؤدي إلى توتير الساحة الداخلية وإلى الشرخ بين اللبنانيين وتعقيد العلاقات فيما بينهم، وبعيداً عن منطق السجالات والاتهامات…
إننا أحوج ما نكون في هذا البلد إلى الاستقرار الداخلي الذي لا يتحقق إلا بالحوار الجاد بين اللبنانيين لا بالتراشق أو بإدارة الظهر لهواجس كل فريق أو أي مكون من مكونات هذا البلد أو ما يراه لعلاج أزماته.
وبالانتقال إلى زيارة المبعوث الأمريكي لترسيم الحدود، فإننا في الوقت الذي ندعو فيه إلى ضرورة الوصول إلى حل لهذه القضية التي تجعل لبنان قادراً على أن يستفيد من ثرواته النفطية والغازية بما لهذا من دور في علاج أزماته وإخراجه من الواقع الصعب الذي يعاني منه…
فإننا نريد أن لا تجري هذه المفاوضات على حساب حق اللبنانيين في مياههم والحصول على ثرواتهم، ونشدد على عدم الخضوع لأي ابتزاز قد يحصل تحت أي ضغط لفرض شروط تمس بسيادته وأمنه وثرواته، فلبنان ليس ضعيفا حتى تملى عليه الشروط بل هو محصن بقوة القانون وبجيشه ومقاومته.
وعلى صعيد الموازنة، فقد كنا نأمل أن تكون الحكومة أكثر رأفة باللبنانيين، وأن تأخذ بعين الاعتبار أوضاع اللبنانيين الذين باتوا غير قادرين على تحمل أعباء جديدة، بعد أن أفرغت الطبقة السياسية والمالية جيوبهم وجمدت ودائعهم وجعلت البلد يتسكع على أبواب الآخرين أو تحت سطوة شروط صندوق النقد الدولي.. لقد قلناها إن من حق الدولة أن تسعى لتأمين موارد لها، ولكن لا ينبغي لها ان تكون على حساب اللبنانيين بل على من أثروا على حسابهم وبالاستفادة من موارد الدولة واستعادة الأموال المنهوبة والمعروفة لديهم من نهبها وإلى أين هربت وإيقاف مزاريب الهدر والفساد..
إن على المجلس النيابي أن يأخذ دوره ليعيد التوازن إلى هذه الموازنة، ليكون معبِّراً حقيقياً لمن يمثلهم..
وعلى صعيد فلسطين، فإننا ندين الجريمة النكراء التي نفذها العدو الصهيوني بحق ثلاثة مقاومين والتي تضاف إلى سجل جرائمه وأن تكون حافزا ًللفلسطينيين لتوحيد جهودهم لأنه لا يفرق بين فصيل وفصيل في الوقت الذي ندعو فيه إلى وقف مسلسل التطبيع الذي يعطيه شرعية الاستمرار بجرائمه بحق الشعب الفلسطيني واستمرار اعتداءاته على الدول العربية وآخرها ما جرى في سوريا.
وأخيراً، نطلّ على ذكرى انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران؛ هذه الثَّورة التي أظهرت قدرة الشعوب على تغيير واقعها، والإمساك بقرارها الحرّ وبناء قواها الذاتية بعيداً عن الارتهان للآخرين.
إننا نرى أنَّ الإنجاز الذي حقَّقته الجمهوريّة الإسلاميَّة في مجالات التقدّم العلمي والتطوّر التقني، وفي السّعي للاكتفاء الذاتي على أكثر من مستوى وقطاع وفي بناء قواها الذاتية، على الرغم من العقوبات والحصار، يمثّل تجربة مهمَّة يمكن لشعوب المنطقة أن تقتدي بها لتعزيز حرّيتها وكرامتها واستقلالها السياسي والاقتصادي، حتى لا تكون في مهبّ رياح الآخرين.

زر الذهاب إلى الأعلى