بأقلامنا

نعمة لم نعرف قيمتها بعد* بقلم عصام الحر

شكرًا لكم يا أصحاب المعالي والسعادة.
شكرًا لكم على ما حقّقتم من إنجازات ما كانت لتخطر في البال.
شكرًا أقولها من القلب مع علمي بأنّها لا تفيكم ولو القليل من حقوقكم علينا. تحدّيتم البرد والمطر وسعيتم إلى البرلمان لتتّخذوا قراراتٍ ما كان للمواطن أن ينعم برغد العيش لولا إقرارها.
موازنة لطيفة رشيقة تسرّ القلب وتثلج الصّدر.
موازنة بلا مشاريع. بلا خطط. بلا رؤية مستقبليّة.
موازنة مثقلة بالضرائب والرسوم، ضرائب تعزّز رخاء المواطن،ورسوم ترفع من مستوى معيشته.
نعم. موازنة انطلقت من أنّ كلّ المواطنين «مليونيرية» فصبّت عليهم الضّرائب صبًّا وبالملايين.
ليس لنا إزاء ما أُنجِز إلّا أن ننحني أمام ممثّلي الشّعب المصرّين على خدمته ماضيًا وحاضرًا ومستقبلّا.
ماضيًا، رُفع رسم المياه إلى عشرة ملايين ليرة، ومعظم المواطنين يشترون المياه. ومع ذلك، مرّ القرار ولم نسمعْ صوتًا يعترض.
رُفع الرّسم الثّابت لفاتورة الكهرباء إلى ما يقارب المليون ليرة، ولا كهرباء. أيضًا، مرّ القرار ولم نسمع صوتًا.
قفز رسم الحصول على جواز السفر عدّة قفزات إلى أن بلغ عشرة ملايين ليرة، وكالعادة لم يعترض معترض.
رُفعت رسوم الإنترنت سبعة أضعاف، وخدمة الشّبكة من أسوأ الخدمات، ومع ذلك مرّ القرار بسلاسة وكأنّ شيئًا لم يكنْ.
ومنذ أيّام، حملت الموازنة “كوكبة” من الضّرائب والرّسوم الّتي حلّقت إلى أعلى علّيّين لتهبط بالمواطن إلى أسفل سافلين، وبرغم ذلك أقرّت الموازنة ومرّت بسلاسة ويُسر وكأنّ سياسة الإمعان في فرض الضّرائب ورفعها أمرٌ بديهيّ ومسلّم به ولا يحتاج إلى نقاش.
نعم. هو إمعان في سياسة فرض الضرائب ورفعها، وليس في الأمر مبالغة، وهاكم بعض النماذج:
*زيادة القيم التأجيريّة على المساكن 10 مرّات.

زيادة القيم التأجيريّة على غير المساكن ما بين ١٠ مرّات -20 مرّة
رفع طابع المختار على المعاملات التي يجريها من 5 آلاف ليرة إلى 50 ألف ليرة
مضاعفة الغرامات غير المنصوص عنها بشكل صريح 40 ضعفًا شرط أن لاتقلّ عن 250 ألف ليرة
مضاعفة غرامات السير 10 أضعاف شرط أن لاتقلّ عن 250 ألف ليرة
رفع الضريبة على طنّ الإسمنت من 6 آلاف ليرة إلى 300 ألف ليرة
زيادة غرامة التأخير في تنفيذ وثيقة الوفاة من 100 ألف ليرة إلى 1.5 مليون ليرة .
زيادة بعض الرسوم القضائية ١٠ أضعاف
زيادة رسوم رخصة السوق من 200 ألف ليرة إلى 2 مليون ليرة
زيادة رسوم الامتحان للحصول على رخصة السوق من 30 ألف ليرة إلى 300 ألف ليرة
زيادة رسوم الميكانيك 10 أضعاف
زيادة رسم الطابع على الفواتير فاتورة بمقدار 20 ضعفًا
كلفة السجلّ العدليّ تصبح 50 ألف ليرة بدلًا من 5 آلاف ليرة
كلفة إخراج القيد الفرديّ أو العائليّ تصبح 100 ألف ليرة
المصادقات والإفادات التي تصدر عن وزارة الخارجية والمغتربين تصبح 250 ألف ليرة
زيادة رسوم رخصة البناء لتصبح 100 ألف ليرة عن كلّ متر مربع وبحدّ أقصى 12.5 مليون ليرة للرخصة
رسم سنويّ مقطوع على بيع منتجات التبغ والتنباك مقداره 35 مليون ليرة على المحلات و350 مليون ليرة على رئاسات البيع
12500 ليرة رسم على علبة السجائر
150 ألف ليرة عن كيلو التبغ المعسّل وتبغ الأرجيلة
زيادة 20% على سعر بيع السّيجار بالمفرّق
ضريبة 50 ألف ليرة عن
كلّ تلميذ في المدرسة الخاصّة تدفع سنويًّا خلال شهر كانون الثاني من كلّ عام دراسيّ .
15 ألف ليرة كرسم استهلاك داخليّ عن كلّ ليتر من مشروبات الطاقة .
رسوم كلّ طلب مقدّم لمصلحة حماية الملكيّة الفكريّة 2 مليون ليرة
اقتطاع ضريبة 3% من أموال المتوفَّى قبل توزيعها على الورثة .
رسم التّرشّح للانتخابات النيابيّة 500 مليون ليرة
رسم التّرشّح للانتخابات البلديّة 50 مليون ليرة
رسم التّرشّح للانتخابات الاختياريّة 25 مليون ليرة
إخضاع الإيرادات التي حقّقها الأشخاص والشركات نتيجة عمليّات صيرفة لضريبة استثنائية نسبتها 17%
استحداث بدل خدمات سريعة وطارئة لدى الإدارات العامّة .

هذه نماذج من الضّرائب والرّسوم المنهالة علينا بغير حساب.
ضرائب ورسوم تزيّنت بها الموازنة الّتي تكاد تُفقدنا، بل أفقدتنا، توازننا.
هناك مواطنون استغنوا عن هواتفهم لعدم قدرتهم على تغطية كلفة خدماتها.
هناك مواطنون استغنوا عن العدّادات العائدة لمؤسّسة كهرباء لبنان لعدم قدرتهم على دفع رسوم فواتيرها.
هناك مواطنون يلهو أولادهم في الشّوارع ويلعبون لأنّهم ماعادوا قادرين على دفع قسط المدرسة الخاصّة لأولادهم ولا حتّى على دفع رسوم المدرسة الرّسميّة.
هناك مواطنون يبحثون في حاويات القُمامة عن شيء يبيعونه ليقتاتوا بثمنه.
هناك مواطنون حوّلوا حزمة من الأساسيّات إلى كماليّات واستغنَوا عنها.
هذه حقائق موجودة على الأرض ولا يستطيع أحد إنكارها، والضرائب الميمونة سترفع عدد هذه الحالات وتُفاقِمُها.
أمام هذا الواقع،
بات المواطن يكره كلمة “موازنة” لأنّها تذكّره بـ” تسونامي الضّرائب” الّذي يجتاحه سنةً بعد سنة.
واللّافت، بل المستغرّب، أنّ أحدًا من أصحاب المعالي والسّعادة الأكارم لم يعترض على هذه القرارات الظّالمة الّتي لا مبرّر لها سوى الرّغبة في سحق ما قد يكون تبقّى للمواطن من قوّة شرائيّة.
نعلم أنّ البلد يعيش ظروفًا استثنائية، ويمرّ في مرحلة صعبة ماليًّا واقتصاديًّا، لكنّ هذا لا يعني أن نرمي بثقل الدّيون والإفلاس وقلّة الموارد على كاهل المواطن.
لا أدري كيف أقرّت هذه الضّرائب والرّسوم من دون أن نسمع صوتًا معترضًا واحدًا ممَّن يُفترَض أنّهم يمثّلون الشّعب.
ضرائب ورسوم تدميريّة لجيب المُواطن مرّت مرور الكرام. بلا رفض. بلا اعتراض. وبلا احتجاج.
كيف حصل هذا؟
الكلّ يغسل يديه.
الكلّ مع الشّعب، والكلّ على الشّعب.
قلوبهم مع الشّعب وسيوف ضرائبهم عليه.
يحقّ لنا أن نسأل أصحاب المعالي والسّعادة:
هل كنتم تدركون النّتائج المترتّبة على ما وافقتم عليه من ضرائب؟
هل كنتم تدركون أنّ فاتورة كهرباء واحدة يمكن أن تبتلع رواتب أربعة أو خمسة موظّفين دفعة واحدة؟
هل كنتم تدركون أنّ فاتورة الإنترنت يمكن أن تعادل ثلثي راتب عدد غير قليل من الموظّفين؟
هل كنتم تدركون عندما أقررتم موازنة العام ٢٠٢٤ ووافقتم عليها حجم الضّرائب المخيفة الّتي تضمّنتها؟
هل كنتم تدركون ذلك؟
أسألكم من دون أن أنتظر جوابًا، فالمهمّ هو أنّكم وافقتم على الموازنة وأصبحتْ نافذة وما عاد الكلام يفيد في شيء.
الطّريف أنّ أحدهم وصف هذه الموازنة بأنّها أحسن الممكن.
أحسن الممكن؟!…
ربّما هو على حقّ.
بل بالتّأكيد هو على حقّ، فهذه الإجراءات الضّريبيّة أوصلت المواطنين إلى ما قبل القعر بسنتيمترات قليلة، ولولا حرص ممثّلي الشّعب الأكارم على مصلحة من يمثّلونهم لأوصلوهم إلى القعر الّذي ما بعده قعر.. فمجدّدًا وتكرارًا شكرًا لهم. شكرًا لهم، ونرفع القبّعة لهم.
بعدما أفاضوا علينا من عطاءاتهم وجعلونا لا نتعامل إلّا.. بالملايين.
هنيئًا لنا بكم يا سادة. أنتم في عالم التّشريع نعمة لم نعرف قيمتها بعد…
عصام الحُر

زر الذهاب إلى الأعلى