بأقلامنا

رؤية اإلصالح االجتماعي

من المتفق عليه أن ه ال يمكن اجراء إصالحات اجتماعية عموما دون ارتباطها بإصالحات سياسية واقتصادية
و في لبنان على وجه التحديد عانت الدولة سنوات طويلة من الحرب األهلية التي مزقت النسيج االجتماعي
وتعاني أيضا من منظومات سياسية دفعت بشكل أو بآخر إلى ظهور الفساد السياسي واإلداري والذي
سيظل يقف عائقا صلبا أمام أي محاولة لعمليات االصالح االجتماعي.
من جانب آخر، و بالموائمة بين نظريات اإلصالح االجتماعي الفعالة و الواقع الحقيقي لتطبيقاتها في لبنان
يظهر اتجاهين أساسيين األ ول من األعلى و ينظر إلى الحاجة الى اصالح أو تعد يل اللوائح والقوانين
والتشريعات التي تمس الهياكل االجتماعية وتغوص عميقا في مفرداتها والثاني ينظر إلى أهمية اإلصالح
االجتماعي من األسفل إلى األعلى بال بحث في الخلل االجتماعي القائم على الفقر والبطالة وكذلك النزاع
الطائفي االجتماعي الذي بات جزءا من هوية الفرد واألسرة اللبنانية.
بدون شروحات يعلمها الجميع، فإن أهم مقومات اإلصالح في لبنان هي معالجة الدين العام الذي يستنزف
موارد الدولة ويشكل العبء األكبر على عاتقها ويمنع تقديم البنى التحتية والخد مات التي يحتاجها المواطن
اللبناني ويحتاج الى وجود سياسة جديدة تضع خطة ورؤية إلدارة الدين العام من خالل الحد من المخاطر
وزيادة حصة االستثمار وغيرها من التدابير الضرورية مثل اصالح السياسات المالية وتنمية القطاع الخاص
وإعادة تأهيل البنى التحتية في مجال الطاقة واالستكشاف عن النفط والغاز في المياه اللبنانية وفي مجال
النقل والمياه والصرف الصحي والبيئة واالتصاالت وغيرها.
وسواء كانت الرؤية العامة لإلصالح االجتماعي هي المعالجة من األدنى إلى األعلى أو بالعكس أو كالهما
فإن أهم ما يجب حسمه قبل وضع “الخطة الشاملة لإلصالح االجتماعي في لبنان” هو اتفاق الفئات
اللبنانية )السياسية واالجتماعية واالقتصاد ية( على وضع خريطة طريق جديدة توضح السياسات االجتماعية
في لبنان وأن يكون هذا المحور هو المحور األساس الذي تنطلق منه خطة اإلصالح وتنفيذها وتقييمها
وأن يتم إعادة قراءة وصياغة تلك السياسات في ضوء الواقع الحالي، واإلمكانيات المتاحة، والتحديات
الحالية، والمقبلة.
وكما الحظنا فإن البرنامج الحكومي اللبناني المقدم لمؤتمر باريس كان يطالب بالدعم المالي على أساس
أن اصالح القطاع االجتماعي و تخ يض التفاوت المناطقي و تحسين المؤشرات االجتماعية هو أحد أهم بنود
البرنامج التي قد تساهم في تحسين الخدمات االجتماعية بتوسيع قاعدة و نطاق نظم الرعاية واالعانات
النقدية في المحاولة لتقليل نسبة الفقر والبطالة أو ما يسم ى بـ “تحسين شبكة الرعاية االجتماعية” التي تنفذها
و ازرة الشؤون االجتماعية، لكن ذلك يتضارب بطريقة أو بأخرى مع أي خطط مطروحة لترشيد االنفاق
الحكومي وخفض العجز وتقليص الدين العام والذي قد يجعل من كبار المانحين كالبنك الدولي والمفوضية
األوروبية محاولة إيجاد الطرق والوسائل البديلة لتحسين شبكة الرعاية االجتماعية دون المساس بالخطط
المتبعة لترشيد االنفاق الحكومي حاليا ومستقبال.
بعد الحرب العالمية الثانية، و عندما دفع التوسع السريع في الخدمات العامة الرئيسية االهتمام في “دولة
الرفاهية” الناشئة. في أيامها األولى، كانت السياسات االجتماعية، موجهة في المقام األول، حسب تقرير
ويليام بيفريدج، كبير المهندسين المعماريين لدولة الرفاهية البريطانية، نحو “العمالقة الخمسة”، وهؤالء
العمالقة هم الفقر وسوء الصحة، وسوء اإلسكان، وقلة التعليم، والبطالة. بالنسبة إلى بيفريدج، كانت معالجة
ا من إعادة اإلعمار بعد الحرب. وشّكل نشر الخدمات لمعالجة هذه العلل
ً
ا أساسي
ً
هذه العلل االجتماعية جزء
ا في المواطنة االجتماعية
ً
االجتماعية تحوًال واضح . وكان من الطبيعي أن يحول مجموعة جديدة من العلماء
انتباههم إلى هذا الجانب المهم من سياسة الحكومة، و مع ذلك، على مدار فترة ما بعد الحرب، بدأ محللو
السياسة االجتماعية في تحديد الثغرات في حالة الرفاه بل وسلط البعض الضوء على كيفية استمرار الفقر
وسط ذلك العمل الكثير، وهذا ما يحدث تقريبا في لبنان ، لذلك فإن هذا التقرير يقترح مبدئيا التركيز على
“العمالقة الخمسة اللبنانية” و يسعى في ذات الوقت إليجاد صيغة ورؤية علمية واقعية تضمن اإلصالح
االجتماعي الشامل تتخطى وتتجاوز معوقات النزاع الطبقي والفساد وترشيد االنفاق الحكومي من خالل
وضع سياسات اجتماعية صلبة تتفق الفئات بمختلف أنواعها عليها ويبدأ تنفيذها بمعزل عن نجاح الخطط
األخرى السياسية أو االقتصادية وغيرها.
الطريق نحو وضع خطة للسياسات االجتماعية يبدأ بعقد “منتدى اإلصالح االجتماعي في لبنان” والذي
يضم ممثلين عن كافة الجهات والفئات المعنية إضافة الى علماء االجتماع والمختصين ودعوة ضيوف من
الجهات الدولية لمناقشة وإقرار خطة شاملة للسياسات االجتماعية التي يتطلبها الواقع االجتماعي مثل تعدي ل
كافة التشريعات و القوانين واللوائح والقرارات التي تسببت في خلل الهياكل والنظم االجتماعي ة كقانون األحوال
الشخصية وغيره بحيث تصبح كلها خالية من أي إشارة دينية أو طائفية أو عرقية وكذلك المساواة والتوازن
بين الرجل والمرأة والقضاء على كافة اشكال التمييز إضافة الى حقوق الطفل وأصحاب الهمم وكذ لك تحديثها
بحيث يتولى تنفيذها عمليا وقضائيا أشخاص اصالحيين معتدلين و غير دينيين أو ط ائفيين والذي سيؤدي
قطعا إلى تهيئة المجتمع اللبناني مستقبال النتخاب هيئات تشريعية مؤهلة و عادلة.

دكتوره في علم الاجتماع وناشطة في المجتمع الاماراتي ..من المبدعات العربيات في دبي..
عضو في ديوان أهل القلم /لبنان الذي ترأسه د.سلوى الخليل الامين

 

زر الذهاب إلى الأعلى