بأقلامنا

د.عماد سعيد… كيف يعتزل الثقافة وهو ثقافة في مدينة صور؟! بقلم الأديب جهاد أيوب

عرفته منذ اكتشافي الحرف بمدينة الحروف صور، تلك العاصفة في كل التاريخ، وتلك العميقة في عمق الوجدان، صور حالة خاصة من كل المدن المشغولة بحياكة بحرها، تطرزه كي يزداد جمالاً، وتُلبسه فرح الناس المارة بقربه، أو المشغولة بشطه الذهبي!
عرفته حاضراً في كل مناسبات مدينة يدمنها، ويصر أن يكتب على جدرانها مشاغباته التي نحب!

عرفته طيب المزاج، سريع الغضب والتسامح، لديه عالمه ولا يبالغ، ويتحدث بوضوح ولا يجامل، ويقدمك لمن حوله بتهذيب الحب، وبمحبة عمقها تهذيب روحه، قد لا ينسجم معك وبما لديك، لكنه لا يجرحك، ولا يقذف بنيران اللسان ضدك!

هو د. عماد سعيد، مثقف، ونشيط في الإعلام، شاعر في أدبه، وأديب في شعره…يكتب نفحات من يوميات شاب لا يكبر، أحياناً استغرب روحه المراهقة في سطوره، واحياناً تندهش لمغامراته في كلماته… مناضل دفع من عمره في نضاله، مؤمن بالوطن وبفلسطين، عاش الأسر، ولا يزال مقاوماً ضد العدو الصهيوني، هو قامة محبة، متواضعة، لكنه يعرف قدر جهوده ونفسه وعمله!
تجده في كل مناسبات صور الثقافية، يلبي النداء، ويزرع ما يجده مناسباً، قد لا يعجبك تصرفه، ولكنه لا يزعج غيره، وقد لا تحب ما أكتبه عنه، ولكن هذا قليل منه!

هذا المشغول بالثقافة، والعمل بالثقافة أخبرني ذات أمسية بأنه قرر اعتزال الثقافة بكل أبوابها، وأنواعها، ونشاطاتها، وقال:” والله يا صديقي هذا قراري، انت الوحيد الذي اخبره …بس لماذا انت الوحيد الذي أخبره الآن لا اعلم؟!
ساعيش في مدينتي بين قبر والدي والبحر و معي صديقتي لوسي”…
هو أخبرني، واخباري خطأ كبير، فهل هكذا خبر سأرميه في خزنة من الأسرار المتحركة؟!
اعلم سيغضب، ولكن لن أهتم لغضبه، بقدر انزعاجي من قرار اعتزاله في الثقافة!
يا صديقي المثقف عماد لا يحق لك اعتزال العمل الثقافي وأنت واحة في ثقافة مدينة، ننشغل بأنشطتها ونسعد بوجودك بيننا، قد تصاب بصدمة ما هو مفروض علينا في كذبة الشعر، ودجل الادب، وحماقة الكتاب، وغوغائية الإعلاميين، ولكنهم ليسوا الكل، وبعد هذه التجربة يحق لك التميز والاختيار، يحق أن تشارك هنا أو لا تشارك، يحق لك التقنين، وأن تلجم زياراتك ومناسباتك، ولكن أن تعتزل الثقافة فهذه جريمة حتى لو لم نتفق معك، أو لا نحبك!

هل شاهدت الثقافة تعتزل أهل الثقافة، وهل شاهدت أهل الثقافة يعتزلون الثقافة؟
الثقافة هي المرض الحضاري الوحيد في زحمة انقراض الإنسان في أوطاننا، والمثقف إن وجد هو باقة العطر المسكوب في ضمير الوطن…
صديقي عماد قرار إعلان إعتزالك العمل الثقافي خلال
فعاليات معرض الكتاب الثامن 2022 في مدينة صور المزمن انعقاده قريباً من غير المسموح، ومن غير المقبول، ومن غير المتاح لك أن تبوح به!
إذا كنت تشعر بالقرف من تطفل الدخلاء فهذا القرار هزيمة امامهم، والسماح لهم بالتغلب عليك!
إذا كنت تشعر بالشيخوخة المبكرة لكونك تعيش في لبنان، فنحن كلنا شخنا قبل المشيب، ولكن لن نترك الساح للأشباه، والشباب يثور في أجسادنا وفكرنا!

إذا كنت هجرت الحب، ولم تعد تعرف اسراره، فقررت أن تلجم مشاعرك بهجرة الثقافة حتى لا يفتضح امرك أمام السحر، فهكذا قرار سيزيد عذاباتك، وقد يوصلك إلى اغتيال القصيدة، لذلك أدعوك إلى نفض غبار العتمة، والتصالح مع موج بحر صور، ومناقشة قمر القلعة، وأن ترمي شباكك لصيد تلك الشمس مرة ثانية، وهي التي علمتنا محراب العشق والغرام والثورة…فهل تعتزل كل هذا من أجل فقدان حبيبة أو نافذة؟!
صديقي المثقف عماد، هكذا قرار يخصك على الصعيد الشخصي، لو كنت مجرد عابر سبيل، ولكنه ليس ملكك، ولا يعنيك وحدك، بل أنت بلسمنا في كل امسياتنا، وحركة نحبها في مجالسنا، وثورة رغم اوجاعنا، وانت ثقافة في مدينة الثقافة صور…لذلك نرفض قرارك هذا، وأترك الأمور على رب العالمين ليس إلا…!

زر الذهاب إلى الأعلى