بأقلامنا

لمناسبة الأَوَّل من أَيلول بقلم الشاعر هنري زغيب

لمناسبة الأَوَّل من أَيلول، طلبَت مني “الوكالة الوطنية للإِعلام” نصًّا عن “لبنان الكبير”، فكتبتُ النصَّ التالي وأَصدَرَتْه مشكورةً على الرابط التالي: http://nna-leb.gov.lb/ar/show-news/499881/
وهنا نصُّ المقال:
حتى نستحقَّهُ “كبيرًا”
في منطق الدولة أَن تخدُمَ الوطن فتكونَ راعيةً كيانَه وشعبَه في رغد العيش ومتطلِّبات الحياة.
الوطن هو شعبُه النابضُ على أَرضه الأُم، وفي دُوَل العالم حيثما يحلُّ ويظلُّ مَدينًا لوطنِه الآبِ وفاءً وولاءً.
لذا، حين تُقصِّر الدولة عن دورها، أَو تفشل فيه، تَسقُط هي، ولا يَسقط الوطن.
هوذا دورُها، الدولة: أَن تكون خادمةً كيانَ الوطن وأَبناءَه، لا أَن تجعل الوطن في خدمتها.
رجال الدولة مُوَقَّتون في فترة محدَّدة، عابرون يحصُرهم زمان ومكان، يؤَدُّون فريضتَهم ويرحلون.
الوطن باقٍ قبلهم، معهم، بعدهم، لأَنه خالدٌ في الزمان والمكان.
حين جبران، من منآه النيويوركي، رأَى ما يجري في بلاده من تخبُّطٍ، وصرخ غاضبًا: “لكُم لبنانكم ولي لبناني” (مجلة “السائح” – 8 تشرين الثاني 1920)، كان يستقيل من لبنان الدولة لا من لبنان الوطن. رأَى بلاده مع “دولة” أَول أَيلول 1920 انتقلَت من أَربعة قرون الانتداب العثماني إِلى مطلع قرنٍ من الانتداب الفرنسي”، فهَجر “الدولة” إِلى “الوطن” الذي قال فيه بكل خشوع: “لو لم يكن لبنانُ وطني لاخترتُ لبنان وطني”.
“دولة” لبنان الكبير، منذ قيامها في أَيلول 1920 حتى بلوغها أَيلول 2020، هل خدمَت “وطن” لبنان الكبير على أَرضه وفي العالم، وحافظَت عليه شعبًا يعتزُّ بدولته على أَرضه وحيثُما حلَّ في العالم؟
هل “استقرَّ” الكيان اللبناني هانئًا بعدما “استقرَّت” حدوده بإِقرار الدُوَل؟
كأَنما قدَره، هذا اللبنان، أَن يكون حيثما هو من الجغرافيا والتاريخ، في نقطة من هذا الشرق يرنو إِليها الأَبعدون والأَقربون، حسَدًا من حُسْنه “اليوسُفي”، أَو طمَعًا بكنوزه الفريدة أَرضًا ومياهًا وخيرات، حتى كأَنه مصلوبٌ على جلجلة هذا الشرق ولا يأْتي يومُه الثالث.
حين لفظ الــ”غورو” قراره رقم 336 صبيحة الأَربعاء أَول أَيلول 1920 على درج قصر الصنوبر، هل جميعُ مَن تحلَّقوا حولهُ، في تلك الصورة الشهيرة، كانوا من رأْيٍ واحدٍ في إِعلان “الدولة” يومذاك؟ وهل تلك السفينة منذئذٍ أَخذت تسير بقيادة قبطانٍ واحدٍ ذي اتجاهٍ واحدٍ إِلى وُجهةٍ واحدة؟
مع أَن البطريرك الحويك، في الوفود الثلاثة إِلى باريس منذ مؤْتمر الصلح (1919)، كان دومًا يتكلَّم باسم اللبنانيين بجميع طوائفهم، مع أَنه رفَض بحزمٍ لبنان الصغير محدَّدًا بجبل لبنان وأَصرَّ على استعادة الأَقضية الأَربعة التي سلخَها منه العثمانيون، مع أَنه، حين قال له أَحدهم إِنَّ في معظم الأَقضية الأَربعة مسلمين، أَجاب بغضَب حازم: “جميعُهم لبنانيون”، مع كلّ ذلك بقي من لا يزالون يرفضون كيان لبنان الحاضر ويرونه “خطأً تاريخيًّا” أَو يربطونه بكيانات أُخرى قريبة أَو بعيدة.
ما خلاصة قرن كامل، عشية المئوية الثانية؟
إِنه الإِيمان بلبنان اللبناني، لا بشوڤـينية انعزالية مريضة بل تَـمَسُّكًا واثقًا بكيانه، ومنه فتْحًا أَجنحتَه إِلى العالم شرقًا وغربًا دون اتِّباعٍ ولا استزلام.
هكذا، عندئذٍ، يستَحقُّنا وطننا، وهكذا نستَحقُّ لبنان.
هنري زغيب

زر الذهاب إلى الأعلى