بأقلامنا

ولنا في التاريخ عبرة بقلم السيد هاشم فضل الله

الاسكندر المقدوني قائد عسكري مهيب خلّده التاريخ بطلا من أبطال الحروب خاض العديد من المعارك وانتصر بها تميّز بمهاراته القتالية وشجاعته العسكرية أسس إحدى أكبر الامبراطوريات في التاريخ تتلمذ على يد الفيلسوف الاغريقي أرسطو انطلق في حملة على بلاد فارس فانتصر عليهم تمكّن من كسر الجيش الفارسي وتحطيم القوة العسكرية للإمبراطورية الفارسية وقرّر الإسكندر بعدها الزحف نحو المدن الفينيقية فخضعت له واستقبلته جبيل وصيدا وبيروت فقد كانت ترزح تحت الحكم الفارسي وأراد الإسكندر تقديم القرابين باسم ملكارت فرفض الصوريون هذا الأمر واعتبروا أن هذا حقا حصريا لهم فعدّ الاسكندر هذا الامر اهانة شخصّة له فقرر معاقبتهم وتأديب المدينة العنيدة وكانت صور تنقسم آنذاك إلى قسمين: صور البرية وصور الجزيرة فارتأى الإسكندر أن يفتح المدينة البرية أولاً، ثم يبني سدًا يربطها بالجزيرة فيعبر البحر عليه، ويحاصر الجزيرة فتسقط في يديه وهكذا استولى في سهولة فائقة على صور البرية، كانت صور البحرية محصنة وبحارة صور كانوا من الأبرع في ذلك العهد وسفنهم كانت الأسرع وقيادتها كانت الأكثر سهولة في المناورات الحربية، وباءت جميع المحاولات البحرية لاحتلال الجزيرة إلى الفشل وعندما استطاع المهاجمين الاقتراب من السور المحاط بالجزيرة، كان رد الاهالي شديدا وفعالا ، فسكبوا عليهم الحديد والرمال الساخنة وأضرموا النار في السفن ورموهم بالسنانير والرماح المثلثة التي كانت تمزق وتخرق دروع المقدونيين وتقضي عليهم فما لبث أن دب الشك عند المقدونيين وتساءل الإسكندر عن ضرورة مواصلة هذا الحصار وفعاليته لكن كبرياءه ورفضه الاعتراف بالهزيمة أمام صور دفعته لان يستمر بحربه وعدم العدول عن إخضاع المدينة مهما كان الثمن وضعت جميع هذه العوامل الإسكندر أمام الواقع بانه لم يكن من الممكن احتلال الجزيرة عبر البحر، فحاصرها وربطها بجسر بري إذ أنه أمر رجاله بهدم مبانيها وإلقاء أنقاضها في البحر، وبقطع الأشجار من الغابات المجاورة لاستخدامها في أعمال الطمر الجبّارة واستعمل خشب الارز وجلبه من الفينيقين من جبيل وغيرها وكان الصوريون يهاجمون في الليل ويحطمون ما بناه رجال الاسكندر في النهار وقاوموا ببسالة عجيبة، حتى كاد اليأس يتسرب إلى فؤاده وتروى الحكايات العجيبة عن استبسال اهالي صور في الدفاع عن مدينتهم فقد كانوا يرمون بأنفسهم من على سطوح منازلهم لكي يوقعوا الخسائر بالعدو وكان الأهالي أشداء مقاتلون متمرسون يملكون الزوارق الحربية فقاوموا مقاومة سجلها لهم التاريخ بالمجد والخلود فخاضوا معارك شرسة ضد الطاغية الاسكندر حتى كاد يدخل الياس في قلبه من النصر لكنه استطاع أخيرا أن يجمع قوة بحرية هائلة حاصر بها الجزيرة فسقطت في يده، في شهر بعد حصار دام سبعة أشهر. وانتقم الإسكندر من صور، فقتل الكثير من أهلها، وصلب العديد منهم ، وسبى ثلاثين ألفًا من اقواله الخالدة أنا لا أخشى من جيش من الأسود يقوده خروف بل أخاف من جيش من الخراف يقوده أسد ثم دخل هيكل ملقارت وقدّم الذبائح إلى إله صور، وأقام حفلة ألعاب ابتهاجًا بنصره وما يهمنا هنا هو تسجيل الاعجاب بالمقاومة العنيدة الشديدة الشرسة التي واجهت العدوان والغزو وقبل الصوريون الموت دفاعا عن مدينتهم ومات الكثير منهم وهم في شهامتهم وكرامتهم رؤوسهم شامخة عالية بدلا من الذل والعار والاستسلام وهذا ما يفتخر به تاريخهم المجيد ولا يزال التاريخ يعيد نفسه فالمقاومة متجذرة بالأبناء والأحفاد وأبناء اليوم هم أحفاد الماضي ولنا في التاريخ عبرة

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى