بأقلامنا

أسئلة وتأملات في زمن الكورونا بقلم الدكتور محمد فقيه

ماذا نكتب في زمن الكورونا؟ ماذا نكتب وقد شلت أيادينا خوفا ورعبا من هذا العدو المتخفي القاتل؟ ماذا نكتب في هذا الزمن وقد أصبح للموت عداد عالمي، يصهل في براري أيامنا وليالينا، ويترصدنا صبحا ومساءا؟. ماذا نكتب وقد أغلقت الأرض أبوابها، ولم يبق لنا إلا أبواب السماء التي ازدحمت بالدعاء؟ هل نعدد الطرق المقطوعة، والحواجز المصنوعة بين ابناء الوطن الواحد، بل الأسرة الواحدة، بسبب هذا المرض الداهم؟. أم نتكلم على الأسر المفجوعة بالجنائز الجماعية التي خلت من نظرات الوداع في دول كانت الى زمن قريب مطمحا ومطمعا لكل زائر وسائح وباحث وطالب علم أو مال؟! أم نذكر كيف صلبنا هذا اللامرئي إلى الحائط مرفوعي الايدي، مرعوبين، ننتظر الطلقة القاتلة؟ وكيف أبعدنا عن السخافات اليومية، ووضعنا وجها لوجه امام ضعفنا وهشاشتنا وموتنا؟ هل نتكلم على حسناته التي يحلو لبعض المتفائلين المتعالين على الجرح والألم ان يذكروها، فيحدثوننا عن الوباء الذي ساوى بين الغني والفقير ، والحاكم والمحكوم، والقوي والضعيف، وكيف لم شمل الأسرة، وانتشلنا من سخافاتنا اليومية وخلافاتنا الفردية والحزبية والمذهبية، وايقظ في البعض منا الحس الجماعي، ودفع الغني لكي يساعد الفقير، ومنعنا من الاستمرار بلعبة التلهي والمباهاة والتفاخر الكاذب، والاستهلاك المفرط، والتسوق لاجل انقضاء وقت الفراغ! ماذا نكتب اليوم؟هل نكتب عن “ايجابياته”؟، عن الثورة في تقنيات التعلم والتعليم عن بعد التي نتجت عن اقفال المدارس والجامعات فانكشف معها قصور نظامنا التعليمي و عدم جهوزيتنا لمواجهة الازمات؟ ام نتكلم على ما ينتج حاليا من فن وأدب “كورونيين” او ما قد ينتج مستقبلا من شعر ونثر عن هذا الوباء؟، ولا شك عندي بأن دراسات كثيرة ستبرز، وافلاما سينمائية ستظهر لتصور حياة الناس وهلعهم من هذا الوباء الكوني، وسوف تروي الكتب قصص الناس في زمن الكورونا وتسجل يومياتهم، وسنشاهد مسرحيات تمثل ارتداداته على العلاقات الدولية والانسانية، وتأثيره على حياة الانسان فردا وجماعة، نعم،سوف نقرأ مقالات كثيرة ونرى لوحات كبيرة تخلد مشاهد الرعب والخوف والموت الجماعي. نعم لقد ايقظنا هذا المخلوق الجهنمي من سباتنا الشتوي، ورفع عنا غطاء الكبر، ونزع عنا اثواب التعالي والتشاوف والغرور. لقد قطع هذا المتربص أوصال العلاقات بين المجتمعات والدول والأفراد بحيث أصبح لكل منهم شأن يغنيه، يفر من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه… هل كان ينقصنا في هذا العالم المتخبط بأزماته السياسية والاقتصادية والبيئية ظهور هذا “الفيروس” لكي يغطي كل “الفيروسات” الأخرى التي كانت وما زالت تنخر رئة هذا الكوكب وتمنع تنفسه الطبيعي؟ المصيبة بل الكارثة حاضرة ولم أعود نفسي على تجاهل المصاعب والعقبات ولا إدارة الظهر للمشكلات التي تفرخ حولي ولا التخفيف من أثرها بل بمواجهتها، لكن هذا اللامرئي كشف هشاشتنا وضعفنا، وأجبرنا على العودة الى الذات والطبيعة والكتاب والكتابة وعزز حضور الذات المبدعة وازاح المجاملات وجمد الكثير من العادات. الوباء سينتهي حتما، وسترتبط بعض الاحداث بزمن كورونا وسنخرج من هذه المأساة مطعمين بتجربة إنسانية جديدة تجعل كل منا ضروري للاخر. لن أقول شكرا “كورونا” ،فقد تسبب بكوارث كثيرة في دول العالم، بل سأدعو لجميع المرضى بالشفاء العاجل، شفى الله كل مصابٍ وأبعد شر هذا الوباء عن خلقه اجمعين، وشفانا من كل الفيروسات في السياسة والاعلام والثقافة والاقتصاد ، وعسى أن نبقى وإياكم سالمين لنتذكره لاحقاً…

د.محمد فقيه رئيس رابطة معلمي التعليم الاساسي الرسمي في الجنوب والنبطية،رئيس نادي المستقبل الثقافي ــ افتتاحية عدد رقم 52 \ 2020 من مجلة هلا صور الشهرية

زر الذهاب إلى الأعلى