بأقلامنا

بين الحياة والموت بارقةُ أمل بقلم الشيخ ربيع قبيسي

يُناضِل الناس من أجل البقاء على قيْدِ الحياة، لا من أجل الانتحار
في زمنٍ أصبح الخوف قوتًا يتغذاه الإنسان، و صار الضعف مرضًا عضالاً، بات المواطن اللبناني يجلس جلسة المقيَّد لا حول له ولا قوة ولا قدرة على تيسير أموره وعائلته وأسرته.

كثيراً ما يشعر إنساننا بالضعف والعجز أمام الظروف القاتلة، الضعف من تأمين لقمة عيشٍ ضرورية أو دواء لمرضٍ مستعصٍ، أو حتى حلاوة الشراء من دكان الحي تُنسي أطفاله مرارة الفقر والعوَز.

بات الانتحار حلاً مستسلمًا للأسف لهذه المطبات التي تواجه الأب الحنون والخيمة التي يستظل بفيئها الأبناء، قتل نفسه بنفسه، رد فعلٍ مأساوي – غير سليم وغير مبرر- للضغوطات التي تواجه الإنسان من فقرٍ ومرضٍ ومستلزمات تعليم ومأكل وملبس ومسكن، هذه الضغوطات تأخذ به إلى اليأس وحالة الاستسلام للاكتئاب التي قد تصل نتيجتها غالبًا للانتحار.

موضوع الانتحار والكلام حوله، بعيدًا من الخلفية الإيمانية والدينية، وإن كان حتمًا باعتقادنا -كما كل الملل والمذاهب والرسالات – أنه أمرٌ محرمٌ بلا شك ، ولكن من الناحية الاجتماعية هو أمرٌ خطير خاصة عند جيل الشباب في ظلّ الفراغ والبطالة التي يعيشها غالبية أفراد المجتمع، وإن كان العذر أقبح من الذنب إلا أنّ شبابنا لهم حق علينا ، والمطلوب بناء جسر وطرق معهم من خلال تأسيس علاقاتٍ ودية في المجتمع والجلسات الخاصة والعامة، خاصة الشخصيات المخصَّصة للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الانتحار حالة متكررة وعنوانها منتشر على صعيد الوطن، واليوم من المفترض علينا أن نسلّط الضوء لإيجاد حلٍّ سريعٍ وسليمٍ وجذري لهذه الحالة الخطيرة والمرفوضة والغير مبررة، لأن الإيمان والوثوق بالله يجب أن يكون سيد الموقف في كل الأوقات ، وإننا نخاف من زيادة حدوثها خلال الأيام القادمة في ظل الأوضاع الراهنة، وهذا ما لا نحبِّذه ولا نتمناه.
إن ما نسمعه ونراه فاق الوصف بالخطورة، منذ بداية الحراك وبسبب تدهور الاوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والنفسية وتوقف أعمال وأشغال المواطنين وارتفاع نسبة البطالة، أصبح انتشار خبر انتحار أحدهم أمراً مألوفاً وليس بغريب، وإن كانت الظروف المادية والأوضاع الاقتصادية قاهرة وقاسية، لكنَّ هكذا ردة فعل هي طريقة يائسة، فالمجتمع يخسر فرداً وكائناً بشريًّا، شاءت الظروف أن تحاربه فهزمته بقتل نفسه، وهذا ما يؤذي المجتمع بعيدًا من كونها حالات تُفقد المجتمع نقاءه إلا أنها خسارة لطاقة إنسانية كبيرة وإن اختلفت المستويات والقدرات والطاقات، لكنَّ الجميع في سلم العطاء وأيُّ عطاء مغموسٍ بالبذل والجَهد هو مفيدٌ وغني، هذا الانسان الذي قتل نفسه تاركاً أسرته وأطفاله من دون أن يفكر بالفراغ الذي زرعه في قلب زوجته أو حالة الذعر والقلق والحقد التي حفرها في نفوس أطفاله، ولم يسأل عن أفرادٍ ومجتمع وحالهم بهذه المحنة، ولو فكّر أو شعر بمسؤولية وخطورة هكذا فعل لما استسلم للموت العنيف.
هذا الانسان الذي خُطف مع ما يملك من طاقة وعمل وتأثير و دور بين أهله،سوف يترك الفراغ في عمق المجتمع الإنساني .

إنّ ما وصلنا إليه اليوم في خسارة أبنائنا وشبابنا يفرض علينا جميعاً تحمل المسؤولية قبل فوات الأوان، ونحن جميعاً مدعوون إلى العمل الجدّي والرسمي بشكل فردي وجماعي لحفظ الانسان وكرامته، فعندما تتكاتف المجتمعات وأفرادها تصل إلى جزء من التكامل الانساني، واليوم أنا مسؤول وكلكم مسؤول وهنا يجب أن ننادي (كلن يعني كلن) يجب علينا أن نكون يداً بيد نساهم ونساعد ونساند بعضنا بعضاً دون منَّةٍ لأحد، حتى أرباب العمل والمؤسسات والشركات التي بدأت بتقليص عمالها واجبٌ عليها مراعاة الظروف، ناهيك عن دور الدولة ومسؤوليتها في رعاية شؤون المواطنين .
شاءت الظروف أن تجتاح لبنان عاصفة اقتصادية جرفت سيولها حبال الصبر لدى بعض المواطنين، فهل من الطبيعي أن نستسلم ونُهزَم ونرى ونسمع كل يوم بإنسان شعر بالضعف فأنهى حياته أو أنه يجب أن نجد طريقاً سريعاً يساهم بقضاء حاجات بعضنا البعض، فالأيام القادمة تُحمِّلنا جميعاً المسؤولية أمام الله وأمام أهلنا وأبنائنا ومجتمعنا.

النصيحة الآن وفي كل يوم لكل الناس وللشباب، للعاطلين عن العمل واليائسين من أوضاع البلاد والمتعبين من هموم الحياة ومشاكلها سواء فكروا بالانتحار، أم حتى راودتهم هذه الأفكار الضعيفة القاسية، يمكنك يا عزيزي إنقاذ حياتك ، أو حياة أحدهم ، فالإنسانية هي العطاء هي الخوف على الآخرين، هي الشعور بهم والسعي لإصلاح نفوسهم المدمرة، والعطاء ليس أمراً مادياً فحسب ، بل يكون على هيئة ابتسامة أو سؤال عن الأحوال ، أو حديثٍ هادئ مع صديق .

أكتب غيضًا من فيض حالة إنساننا المتألم والحزين في لبنان، حيث تتلاطم مشاعره بين اليأس على الحال والأمل بيومٍ مشرق وولادة حياة مليئة بالراحة والهدوء .

لبناننا يستحق كما عبر موسى الصدر .. لجماله وجباله، لجنوبه وشرقه، لدماء الشهداء، لدموع الأيتام، لأنين الامهات، لآلام الجرحى، لقلق الطلاب والمثقفين، للمجاهدين بتضحياتهم، لليالي الخائفين وأيام البائسين، للأفكار المهملة وللكرامات المهدورة، ولمحاربة الطغيان، والنضال مع أعداء الوطن والمواطن ، لأجل هؤلاء لكل من يتنفس هواء لبنان يجب أن نسعى يداً بيد من أجل لبنانٍ أفضل وإنسان يعيش الكرامة والحرية والأمل بمستقبل أبنائه .

صور في 5/12/2019

زر الذهاب إلى الأعلى