بأقلامنا

نقاش لمقاربة محور الممانعة عن تراجع واشنطن في الشرق الاوسط بقلم عبد الهادي محفوظ

 

 

ثمة مبالغة في توصيف الدور الذي قامت به الصين في ترتيب الاتفاق الايراني – السعودي، فهناك من يعزو هذا الدور لتراجع موقع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط والى استقلالية حلفائها الذين يأخذون في الاعتبار تراجع هذا الموقع. ويقفز هؤلاء عن حقيقة كون دور الصين يندرج في سياق حسابات اميركية بعيدة لترتيب تسويات عامة في الشرق الاوسط تكون فيه الولايات المتحدة الاميركية هي الفاعل الاستراتيجي.

وواقع الامر ان هناك سذاجة لدى البعض الذي يفسر تراجع الموقع الاميركي بأن واشنطن خسرت في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وان الرابح هو محور الممانعة وايران. وهذا التفسير يتغاضى عن كون بلاد الهلال الخصيب غرقت في الانقسامات الاتنية والجهوية وفي تغليب الهويات الجزئية على الهويات الوطنية والجامعة، وتعززت فيها الاتجاهات الدينية المتطرفة في موازاة نمو التيار الديني المتطرف داخل اسرائيل واستحواذه على السلطة السياسية ومحاصرة الاتجاه العلماني.

وحقيقة الامر ان “بلاد الشام” تخضع لحصار اقتصادي ومالي أميركي، ومعها ايضا ايران، ما يجعلها جميعا تحتاج الى نوافذ اميركية خصوصا وان النوافذ الروسية والصينية تشغلها واشنطن باوكرانيا وتايوان وباغلاق النوافذ الاوروبية التي اصبحت ملحقة بواشنطن وبحلف الناتو.
في المعلومات، ان هناك اكثر من 68 قاعدة عسكرية اميركية في منطقة الشرق الاوسط، حتى انه لا يشار الى الحضور الاميركي العسكري في لبنان ولا الى قواعده الجوية والبرية والبحرية. كما انه لا يشار الى كون واشنطن قد أضعفت في الوقت نفسه ثلاثة مواقع إقليمية أساسية هي تركيا وايران واسرائيل في آن معا تحت عنوان محاصرتها في النفوذ الاقليمي وفي تغيير وجهة سلوكها.  فالواقع الاقليمي كله مأزوم، والمستفيد الفعلي من هذا التأزم هو الادارة الاميركية. وهذا يسقط النظرية القائلة بأن واشنطن”خائفة” في الاقليم وانها متضررة من التقارب الايراني- السعودي ومن احتمالاته اللبنانية، حتى ان احد سفراء دول الاقليم يكاد يستنتج في “حلقة مغلقة” بأن لا دور لواشنطن في انتخابات الرئاسة اللبنانية عندما يرى أنها لا تملك نوابا في البرلمان اللبناني وان من يملك هؤلاء النواب بشكل اساسي هي طهران والرياض، سيما وان العاصمتين تتجهان الى صياغة تفاهمات لبنانية. وبالتأكيد فان مثل هذا الاستنتاج فيه الكثير من التبسيط ولا يصل الى ادراك التحالف الامني الاستراتيجي بين واشنطن والرياض، كما ان ذلك لا يحيط بابعاد النظرية اللبنانية الميثاقية الطوائفية التي اشتركت فيها كل المكونات الطائفية والسياسية بتمثيل الاقوى في طائفته. وهكذا يحتاج مرشح الممانعة استنادا الى هذه النظرية كسب واحد من اثنين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل او رئيس “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع. وهذا امر فيه الكثير من الصعوبة والاستحالة الا اذا كان المقصود الذهاب الى مزيد من التأزم والانتظار، وهذا ما لا قدرة للبنانيين على احتماله في ظل الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية الصعبة.

ختاما، إدراك أبعاد السياسة الاميركية هو ما يحتاجه “محور الممانعة” كما يحتاج الى “فلسفة” ميشال اده حول التناقضات العميقة التي تحكم المجتمع الاسرائيلي بين المؤسسين الاوائل لدولة اسرائيل من الاشكيناز العلمانيين وبين التيار الديني المتطرف من السفرديم والمستوطنين الذي يرمي الى قيام دولة دينية. ذلك ان المطلوب، حسب ميشال اده، تعميق هذا التناقض لا حذفه. فالاتجاه الديني المتطرف يعمل على توسيع الاستيطان واعتبار الشعب الفلسطيني لا وجود له. وهذا ما يستفز في آن معا واشنطن والرياض. لان مثل هذه الدولة الدينية يعني في ما يعنيه الغاء السياسات الابراهيمية الاميركية التي تربط واشنطن امكان تحقيقها بالتسويات العامة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط باحتواء”ايران النووية” بالاتفاق النووي بين واشنطن وطهران وباحتواء التطرف الديني الاسرائيلي عبر ازاحته بالتعاون مع الدور المرتقب لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في توفير “القاعدة” لتسويق السياسات الابراهيمية من ضمن معادلة الدولتين”دولة اسرائيل ودولة فلسطين”. وبهذا المعنى ثمة مبالغة في ذهاب البعض الى افتراق محمد بن سلمان عن السياسات الاميركية او على وجود رفض منه للرئيس الاميركي جو بايدن. فالصين ليست المؤشر على الافتراق ذلك ان تجارة واشنطن مع الخارج تستحوذ الصين منها على 80% ما يعني انه ليس لديها اعتراض على العلاقات الاقتصادية والتجارية للصين مع المملكة العربية السعودية طالما لا ترتقي الى المحظور الاميركي الامن والسلاح والقواعد العسكرية”.

عبد الهادي محفوظ

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى