بأقلامنا

العرب يربحون حربهم الرابعة ولم يستخدموا كامل قوتهم
«إسرائيل» خسرت أهم حروبها وقد استخدمت كامل قوتها بقلم ناصر قنديل

انتهت الجولة الأولى للحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، ويمكن أن نكون عشية جولة ثانية او على الأرجح تمديد للهدنة يليه تمديد، بانتظار جولة ثانية أكيدة مهما تأجّلت، طالما أن أميركا و»إسرائيل» عالقتان في شباك عنكبوت لا يسهل فكها، حيث المضي بخيار الحرب بلا أفق، وإعلان نهايتها يعني الإقرار بهزيمة كبرى معلنة. وهذه رابع الحروب العربية الإسرائيلية بعد حروب 1948 و1967 و1973، وهي الحروب التي شملت عدة جبهات عربية. وكما هو معلوم انتهت حرب 48 بخسارة عربية ضاعت معها الأراضي المحتلة عام 48. وانتهت حرب 67 بخسارة أكبر منها وضاعت معها أراضٍ عربية جديدة. وانتهت حرب 1973 بانتصار معنوي صنعته البدايات التي رافقت الحرب بإنجازاتها وإثبات القدرة على خوض حرب، لكنها انتهت بخسارة سياسيّة تمثلت بتفكك جبهة الحرب العربية وانخراط مصر باتفاقيات كامب ديفيد. وكان النصر العسكري قد تبدد مع تفكّك جبهة الحرب العربية وجسر الدعم الأميركيّ المفتوح.
– في الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة، بادر العرب كما في حرب 73، ولكن على جبهة واحدة هي جبهة غلاف غزة وكان النصر عظيماً، لكن جبهات الحرب العربية من فلسطين، غزة والضفة، إلى لبنان والعراق واليمن، بمساندة وسورية وإيران، كانت متماسكة ونجحت بالتفوّق على مشاريع التفرّقة ومحاولات الإيقاع والتبعيض والمزايدة والتنقيص. وانتهت الجولة الأولى بهدنة وفق الشروط العربية التي حدّدتها المقاومة منذ البداية، وفشلت الحملة العسكرية للاحتلال في تحقيق أهدافها بوقف صواريخ المقاومة واستعادة الأسرى بالقوة دون تبادل، وفشل الردع الأميركي سواء في لبنان أو العراق أو اليمن، حيث قامت المقاومة بتحدّي خطوطه الحمراء وفرضت إرادتها، ولم يفلح الاستنفار الغربي والأميركي خصوصاً معنوياً ومادياً بتوفير شروط النصر للاحتلال.
– عشيّة جولة ثانية آتية لا محالة ولو تأخرت، تثبت المقاومات العربية أن يدها هي العليا، وأنّها جاهزة للمنازلة، والعرب هذه المرّة لا يقاتلون بجيوشهم التقليدية، بل بجيوش حديثة عصرية أعدوها لهذه الحرب، هي المقاومات العربية، التي أعدّت بهدوء ومثابرة فائض القوة اللازم للحرب، وادّخرت منه الكثير للجولة او الجولات المقبلة، ولم تستدرجها الاستفزازات والمزايدات لإظهار كل ما لديها، ونجحت بالاستثمار على القيمة المضافة للمظلومية الفلسطينية باستنهاض الشارع العربي بعدما تعافى من عقدة المذهبيّة، والرأي العام العالمي بعدما تعافى من عقدة الهولوكوست. فانتقلت المعركة السياسية إلى مناطق الأمن الاستراتيجي الأميركي، استقرار الدول المحيطة بفلسطين، وضمان الملاحة الدولية، وضمان تدفق النفط عبر الممرات المائية، والحفاظ على مشروعيّة الحرب في ظل رأي عام ثائر ضدها بقوة. وبينما استنفدت «إسرائيل» فائض قوتها، لا يزال فائض قوة المقاومة في غالبه خارج الحرب، وبينما تعاظمت القيمة المضافة للجيش العربي الجديد بالحضور الكاسح لفلسطين عربياً وعالمياً، فقد الأميركي والإسرائيلي القيمة المضافة لحربهم بسقوط سردية ربط حرب فلسطين بالحرب على الإرهاب.
– خسر العرب في حروبهم السابقة أكثر مما خسروا في هذه الحرب، وخسر الإسرائيليون في هذه الحرب أكثر مما خسروه في حروبهم السابقة، وتهدّد الأمن الحيوي لـ»إسرائيل» أكثر مما تهدد في أي حرب، ولم يقع أي من عناوين الأمن العربي تحت التهديد الفعلي. وصار السؤال الراهن بعد هذا المثال الحي لما تستطيعه حرب المقاومة، أن المطلوب من الحكومات العربية التي لم يكلفها هذا الانتصار شيئاً، أن تدرك أنه قابل لأن يكون نصراً لها أيضاً، اذا أحسنت التقاط اللحظة السياسية وابتعدت عن الانخراط بمشاريع التآمر الأميركي على فلسطين، وخرجت من أكذوبة التطبيع، واستقوت بشعوبها للتنصل من الالتزامات التي يطلبها الأميركي في لحظة ضعفه لا قوته، وأدركت أن المشروع الأميركي الإسرائيلي لا يستطيع أن ينتصر دون الدوس عليها وعلى أمنها، وأن مشروع المقاومة القادر على النصر بدونها يفضّل النصر معها ولا يريد تصفية حسابات الماضي، وأن المقصود بأن العرب لم يستخدموا كامل قوتهم، هو كامل قوة المقاومة، وأن بإمكانهم أن يبقوا أموالهم وأسلحتهم وجيوشهم خارج الحرب.

المصدر جريدة البناء

زر الذهاب إلى الأعلى