بأقلامنا

كاتبة واعلامية لـ”مهر”: يُدرك عدونا قبل صديقنا أن الزمن الذي نُهزم فيه قد انقضى/نحن أمام جيل تربّى في كنف عزة زمن الإنتصارات

كاتبة واعلامية لـ”مهر”:
يُدرك عدونا قبل صديقنا أن الزمن الذي نُهزم فيه قد انقضى/نحن أمام جيل تربّى في كنف عزة زمن الإنتصارات

اكدت الاعلامية والكاتبة، ليلى عماشا، ان عبارة “زمن الهزائم قد ولّى” أصبحت اليوم قاعدة متينة بُنيت عليها ثقافة النصر لدى جيل كامل من الموقنين بحتمية النصر مهما طال أمد المواجهة مع العدو في مختلف ميادين الصراع، وليس فقط في الميدان العسكري…

وكالة مهر للأنباء – القسم الدولي: حلت الذكرى الـ17 للحرب التي شنها العدو الصهيوني على لبنان في يوم 12 تموز/يوليو من العام 2006 واستمرت 33 يوما، وعلى الرغم من ارتكاب الصهاينة جرائم فظيعة بحق المدنيين واستخدامهم القوة المفطرة لإحداث تدمير هائل في البنى التحتية والابنية السكنية في مختلف المناطق لا سيما الضاحية الجنوبية لبيروت وقرى الجنوب والبقاع…

رغم كل ذلك خرج الكيان الصهيوني بأكبر هزيمة في تاريخه، جراء الضربات التي وجهتها لها المقاومة الاسلامية سواء باستهداف الداخل الصهيوني او بتلقين القوات البرية والبحرية دروسا في المواجهة، كل ذلك تصديقا للمرحلة الجديدة في أمتنا التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعنوانها “ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات”…

وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء “وردة سعد” حواراً صحفياً مع الكاتبة والإعلامية “ليلى عماشا”، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:

** لنبدأ من الحدث الاخير بحرق المصحف الشريف للمرة الثانية على التوالي وما يتضمنه من اهانة لمشاعر ملياري مسلم، كيف تواجهون هذه الجريمة النكراء ثقافيا واعلاميا؟

قبل الحديث عن مواجهة هذا النوع من الإعتداءات الموصوفة على المسلمين في العالم، علينا أن نفهم لماذا يقوم المعتدي بهذا الفعل؟، ما هو هدفه من إحراق نسخة من القرآن أمام أعين جميع الناس وبحماية من يدّعون احترام الرأي الآخر واحترام اختلاف الثقافات والأديان؟، ما الذي يدفع بالمرء لاستفزاز مشاعر الملايين من المسلمين؟.. لا بدّ أنّه يريد بذلك تحقيق مكسب ما، قد يكون ماديا أو معنويا أو كليهما؛ وبالتالي نحن نواجه هنا عنصر مرتزق، يقوم بفعل آثم وشائن ويجاهر به، ينفّذ اعتداء قد لا يكون هو المخطّط له، وبالتالي، ينبغي أن تكون المواجهة وفق مسارين متوازيين:

– المسار الأول؛ يستهدف المنفّذ نفسه: يفضحه، يبحث في خلفياته الشخصية ويقوم بكشفها للناس، يطالب بمعاقبته بأقصى العقوبات الممكنة، يؤدّب فيه كلّ من تسوّل له نفسه، أو يأمره أسياده، بممارسة عدوان مماثل.
– المسار الثاني؛ يستهدف المحرّضين المحتملين من أنظمة وجمعيات ودول وأفراد يصرّون على ممارسة هذا الإعتداء ويبحثون عم كبش محرقة لتنفيذه، بهدف محاولة المساس بقدسية القرآن الكريم ومحاربة الإسلام الذي يأمر بمحاربة الظلم والظالمين، ويدعو إلى مجتمع خالٍ من الآفات الجهنمية، والذي يحرّم الشذوذ والزنا والسرقة والقتل وغيرها، وللمصادفة جميعها من السمات الظاهرة في المجتمع الغربي عموما.

جميعنا معنيّون بالتصدّي لهذا العدوان عبر مختلف الوسائل التي تحاسب وتعاقب وتؤدّب المرتكب بشخصه، وبما يمثَل…

هذا الغرب الذي قتل الألاف منّا بحجّة تعليمنا الديمقراطية وحريّة التعبير على حد ادعائه، يعتدي اليوم على أقدس ما لدينا، قرآننا… إن تجاهل ارتكاب شنيع كهذا والتعامل معه على أنّه حريّة شخصية وحقّ بالتعبير عن الرأي سيتيح لهذا الغرب فرصة التوهين بمقدساتنا واستسهال إهانتنا، وبالتالي جميعنا معنيّون بالتصدّي لهذا العدوان عبر مختلف الوسائل التي تحاسب وتعاقب وتؤدّب المرتكب بشخصه، وبما يمثَل.

على الصعيد الثقافي؛ العودة إلى القرآن هي أول الطريق للدفاع عنه ولمنع المعتدين من التمادي في قباحتهم.. وقد شهدنا في مختلف المناطق اللبنانية مسيرات وتجمعات ترفع القرآن وتهتف له “لبيك”، بالإضافة إلى العديد من الأنشطة والفعاليات التي تمحورت حول القرآن الكريم.. شارك في جميع هذه الأنشطة مسلمين من مختلف الأعمار: أطفالنا قرأوا ما تيسّر من السور وعاهدوا قرآنهم على الدفاع عنه في كلّ سنينهم.. رجال ونساء خصصوا فقرة من المجالس العاشورائية لرفع القرآن وأداء مراسم تعظيمه..

العودة إلى القرآن هي أول الطريق للدفاع عنه…

أما إعلاميا، فللأسف أفردت معظم المؤسسات الإعلامية في لبنان مساحات لعرض رجفة الخوف في قلب المرتكب ولمحاولة تصوير المشهد وكأنّ غضب المسلمين ليس مشروعا.. بل وحاول البعض اختراع المبرّرات للفاعلين واتهام الغضب الإسلامي بالعنف، وهنا يحضرني مثل شعبي يقول “ضربني وبكى، سبقني واشتكى”، أي إدانة المجنيّ عليه وحماية الجاني تحت مختلف الذرائع والحجج!!
إن تحويل المنصات الإعلامية إلى مراصد وراجمات تصوّب على بشاعة الجريمة وتشرح خلفياتها الحقيقية وتقترح أساليب التصدي لهذا النوع من الاعتداءات.

** بعد مرور سبعة عشر عاما على انتصار تموز وكلام سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله في بنت جبيل ان هذا العدو اوهن من بيت العنكبوت كيف ترسخت ثقافة الانتصار عند الاجيال الناشئة؟

بدأت مفاعيل ثقافة الإنتصار التي كرّسها النصر الإلهي في تموز ٢٠٠٦ منذ تحرير الجنوب عام ٢٠٠٠. لدينا اليوم جيل من الشباب لم يولد في زمن احتلال الجنوب ولم يقف على معبر ولم يستنظر تصريحا بالدخول إلى المنطقة المحتلة أو مغادرتها… نحن أمام جيل آخر من الفتية والفتيات الذين ولدوا بعد النصر الإلهي في تموز؛ للوهلة الأولى، يبدو مخيفا أن لدينا جيل لم يعش تماسا مباشرا مع العدوانية الصهيونية.

يظن المرء أن جيلا لم يذق مرً الإحتلال لن يجيد التصدي له، لكن في الحقيقة الأمر على عكس ذلك تماما…

يظن المرء أن جيلا لم يذق مرً الإحتلال لن يجيد التصدي له، لكن في الحقيقة الأمر على عكس ذلك تماما. هذا الجيل الذي لم تلتف يد الأخطبوط الصهيوني حول عنقه، تربّى في كنف عزّة زمن الإنتصارات، ليس لديه في ذهنه أيّ صورة تدفعه إلى الرضا بالانهزامية تحت أي عنوان وفي كل ميدان… جيل وُلد في حضن الأمان الذي صنعه الإنتصار وكرّسه هول جيل مشبع بثقافة النصر، يدرك ماهية النصر وقيمته العالية…

إن ترسيخ هذه الثقافة تمّ بصورة تراكمية ومنهجية جعلتنا الآن نوقن بأنّ هؤلاء الناشئة سيصلون في القدس يقينا، تاريخنا وذاكرتنا التي تُسكب في قلوب هؤلاء الناشئة تجعلهم يقارنون بين زمن الهزائم فلا يرضون واو بخيالهم العودة إليه ولو ساعة، وبين زمن هم فيه معزّزون مكرّمون محاطون ببركات النصر بشكل يؤهلهم لصناعة كلّ الانتصارات التالية حتى تطهير الأرض كلّها من رجس كائنات شربرة مقيتة.

** ولى زمن الهزائم” هذه العبارة ما مدى تأثيرها على تعزيز قوة الانتصار سيما ان لبنان اول بلد عربي طرد العدو الصهيوني دون قيد او شرط؟

عبارة “ولّى زمن الهزائم” ليست فقط وعدا بدوام النصر وتراكم الإنتصارات حتى تحقيق النصر النهائي المتمثّل بزوال إسرائيل من الوجود؛ هي أيضًا تذكير بكلّ ما سبق زمن الإنتصارات من هزائم ونكبات ونكسات وخيانات وعقول انهزامية.. قبل زمن الإنتصارات، كانت فكرة أن تقوم المقاومة بمواجهة الصهاينة الذي يمتلكون “الجيش الذي لا يقهر”هي فكرة يرى فيها البعض خيارا غير مجد تحت شعار “العين لا تقاوم المخرز”..

على الأرض، قاومت العين العزيزة الأبية مخرز العدو وكسرته، وأسست لمسار تصاعدي لا ينتهي قبل زوال اسرائيل وتحرير المنطقة بل والعالم من هذه البؤرة الشيطانية التي أسّس لها الشيطان الغربي.

محور المقاومة نجح بالتصدي في كلّ ميدان من ميادين الحرب مع المستكبرين…

زمن الهزائم قد ولّى أصبحت اليوم قاعدة متينة بُنيت عليها ثقافة النصر لدى جيل كامل من الموقنين بحتمية النصر مهما طال أمد المواجهة مع العدو في مختلف ميادين الصراع، وليس فقط في الميدان العسكري.

اليوم ومع كل التطورات التي نشهدها على مساحة محور المقاومة، يمكن القول أن المحور نجح بالتصدي في كلّ ميدان من ميادين الحرب مع المستكبرين: اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا وإعلاميا.. وكما لم يعد يملك الصهيوني أن يتبجّح بأن فرقة موسيقية من جيشه تستطيع اجتياح واحتلال لبنان، كذلك لم يعد يملك الغرب كلّه، بكلّ ما لديه من أدوات، أن يدخل معركة ثقافية او اعلامية او غيرها مرتاحا ومطنئنا لانتصاره فيها.. يعرف عدوّنا قبل صديقنا اليوم أن الزمن الذي نُهزم فيه قد انقضى ولن يعود..

** ما هي المشاهدات خلال عدوان تموز وبعده التي ظلت راسخة حتى الان؟ وكيف تنظرين لتعلق ابن الجنوب ابن جبل عامل بأرضه منذ اللحظات الاولى لوقف اطلاق النار عاد الى قريته رغم ان الجسور كانت مدمرة والبيوت مهدمة والطرقات مليئة بالحفر نتيجة القصف الاسرائيلي والحقول والاراضي الزراعية مليئة بالالغام؟

يمكنني أن أقول أن الثلاثة وثلاثين يوما، مدة حرب تموز ٢٠٠٦، تحتلّ الحيّز الأكبر من ذاكرتي، ولكن لو أردت اختيار بعض المشاهد التي ما زلت لا أستطيع نقلها أو حتى استعادتها بغير دموع تستمزج العزّ بالوجع، يمكنني اختيار المشاهد التالية:

– الحاجة كاملة سمحات، رحمها الله، وهي تتحدث بالقرب من ركام بيتها بالقرب من ساحة الشورى في حارة حريك.. كلماتها التي دخلت التاريخ واختصرت ببساطة شديدة فكرة أن سلاح المقاومة هو من روح أهلها..

– لحظات الإستماع إلى رسالة السيد نصرالله للمجاهدين.. سمعنا صوته متوجّها إلى أبنائه رجال الله.. كان صوت الأب الأحن والأكثر قربا من أبنائه ومعرفة بهم، والقائد الأكثر حكمة والأشد ثقة بأهل الميدان الذين يحقّقون النصر ويحفظون بدمهم وأرواحهم كرامة كلّ حرّ في هذا العالم.

– لحظة اعلان السيد عن ضرب البارجة في عرض البحر.. يا رباه! ارتفع صراخ الناس عزًّا بكل كاد يطغى على ضجيج الغارات.. فيض العزّ في تلك اللحظة استحال دموعا تنهمر حمدا وافتخارا من كل العيون والقلوب التي تعرف معنى الكرامة ومعنى النصر.

– مشهد مجمع سيد الشهداء (ع) وقد حوّلته الغارات إلى ركام.. تشعر أمامه بالألم يعتصر روحك.. تستعيد كلّ ما حفظته ذاكرتك منه وعنه.. ترتمي عند أطراف الحجارة المتناثرة، تقبّلها.. تعرف أن في بوم ما لمستها يد شهيد، أو اتكأت عليها كتف مجاهد..

– مشهد القرى الجنوبية في أول يوم من العودة: دمار شبه كامل، لا البيوت نجت من ولا الحقول ولا حتى الأضرحة… قوافل العائدين وهي تعبر فوق الركام الممتد عبر القرى، ونزول العائلات عند ركام بيوتها والجلوس فوقه ولو تحت “شادر”..

كل هذه التفاصيل حولت الساعات الأولى لانتهاء الحرب إلى مدرسة في ارتباط ابن الأرض بأرضه.. والعامليّ يعرفه التراب في الجبل العظيم عامل.. هذه الصلة بين ابن عامل ومحيطه الجغرافي لم تتولّد في لحظة وجدانية خالدة، بل في علاقة عمرها سنين طوال من المقاومة والصبر والصمود والتصدي..

شهد ابن عامل ظلم الإحتلال ساعة بساعة، سواء كان في داخل الشريط المحتل سابقًا أو خارجه.. عرف أن أرضه تألمت من وقع خطوات المحتلّين وعملائهم مثلما تألمت أجساد الأسرى في معتقل الخيام.. العامليّ الذي نزح في حرب تموز إلى بيروت وبقية المناطق الآمنة، كان في نزوحه يشعر بكل صاروخ وقذيفة شقّت وجنة التراب في قريته.. كان يحصي بنبضه الغارات ويعرف، بقلبه يعرف، أن لا شيء سيجعل جرح التراب يلتئم سوى عوده ابنه إليه.. في تموز ٢٠٠٦، كان العالم كلّه ينتظر أن تُسحق المقاومة، وخاب.. كان العالم كلّه ينتظر أن تنفصل بيئة المقاومة عن سلاحها، وخاب.. كان العالم كلّه ينتظر أن يلمح لحظة انهزام واحدة في عين أبناء عامل، وخاب…

/انتهى/

زر الذهاب إلى الأعلى