أخبار فلسطين

كلمة الاسير المحرر والمعالج النفسي الدكتور داوود فرج. في اللقاء التضامني مع الاسرى في الذكرى الـ53 لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

فلسطين، حاضنة الحضارات، الذاكرة البشرية الحيّة، الشاهدة على الطغاة، والثكلى بأوجاع أبنائها. فلسطين العروبة، وأم القضايا، سيّدة الشرق وكل البوصلة، ولأنها هكذا لاحقتها كل العيون الحاسدة وكل السفلة. من واقع هذا الوجدان التاريخي المتأصل ثقافة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت الانطلاقة لتعيد الهوية الى القضية الأساس، قضية الحرية وقضية الانسان على وجه الأرض. وهي الشاهد بالدم على الغطرسة الظلامية العالمية، وبالأسر، بدءا من أمينها العام وحتى أصغر طفل فلسطيني، شهيدة لتأكيد هويتها دون أي مساومة من هنا أو هناك، وهذه هي الثقة المطلقة لأي أسير التي تجعله ينام ملئ جفونه وهو يقارع السجان دون كلل أو ملل.
أما وقد تهاوت من كل حدب وصوب أنظمة عربية في أحضان جلادها فليس بالأمر المستغرب، فهذه الأنظمة كانت محفورة في ثقافة الفكر التحرري الوطني بأنها أنظمة رجعية ومتخاذلة وهذا لا يغير في القضية من مسارها بل سقط القناع عن القناع كما قالها شاعرنا الكبير محمود درويش. الا أن الاعلان عن ذلك في هذه المرحلة يشير الى مشاريع قادمة الى المنطقة تنبئ بالسوء. فمنذ نشأة ذاكرتنا ونحن نتغنّى بالعروبة والصراع العربي الاسرائيلي الذي دام لعقود من الزمن، ولكن استطاع العدو ان يساهم في تحويل الصراع الى صراعات مذهبية وعرقية ودينية، ويهدف بذلك الى محو الذاكرة العربية بدافع الاحتماء. فمشكلة الصهيوني اليوم بشكل أساسي هو وجود فلسطينيي العام 1948 داخل كيانه، فهم يتمتعمون بكامل المواطنة في دولة الكيان، من أعضاء في الكنيست وموظفي الدرجة الاولى وغيرها، ولا زالوا يمتازون بالهوية الفلسطينية، فرغم الأجيال المتعاقبة ولا زالوا فلسطينيون، ومع مرور الزمن ستتحول الحالة الديمغرافية، وهذا ما يستشعره الاسرائلي من خطر داهم ولكنهم ماذا سيفعلون معهم وهم غير قادرين على تجريدهم من حقوقهم المدنية ولا طردهم ولا إلغئهم، وحده مشروع اعلان الدولة اليهودية المخلص لهم، فهم يعملون على هذا المشروع منذ أكثر من عقدين. لم يوفقوا مع الاتحاد الاوروبي بالاعتراف بهم كدولة دينية وهذا يتعارض مع أنظمتهم الديمقراطية، فما كان منهم سوى أن يختلقوا دينا جديدا وأسموه “البروتستنتية الجديدة” والتي من مبادئها تقول بأن السيد المسيح سيخرج ولكن بعد نشوء دولة اليهود، ولا يفوتنا أن نذكر الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن الذي كان من أتباع هذه الديانة، هذا من جهة بالنسبة الى الاسرائيليين، ومن جهة أخرى فهم يعملون على خلق ونشوء كيانات دينية ومساهمين لمشاريع دينية بشكل مباشر وغير مباشر، وهكذا تصبح المنطقة مقسّمة الى دويلات من الأقليات الدينية فحينها وبحكم الأمر الواقع يتمّ الاعلان عن الدولة اليهودية. وهذا المشروع كان يسمى “الشرق الاوسط الجديد”، الأ أن وزيرة الخارجية كونداليزا رايس أعلنت عن مشروع “الشرق الاوسط الكبير” في العام 2006 أثناء حرب تموز في الجنوب اللبناني، وهذا المشروع تعارض مع المشروع الصهيوني، والآن وبعد التسوية وصلت الامور الى اعلان “صفقة القرن” وهو مشروع دمج للمشروعين السابقين.
وبناءا على ما تقدم من هذا الشرح المقتضب لا يسعني الا أن أثني على دور الجبهة الشعبية في اصرارها على العمق العربي في الهوية والثقافة والوجدان لمواجهة مشروع صفقة القرن وغيرها من المشاريع التي تهدف الى تقسيم المنطقة العربية وضمها واستغلالها والاستحواذ عليها من العرقيات الكبرى المجاورة. كما أن الجبهة الشعبية هي جزء من حركة التحرر الوطني لدى كل الشرفاء في عالمنا العربي والانساني في العالم. ولا بدّ أيضا من التأكيد على التحرر والتحرير في بناء الأنظمة الديمقراطية الحقّة التي تغير وجه الانظمة العربية البائسة وهذا أساسي اليوم في العمل على اعادة صياغة مفاهيم النظمة العربية فوحدها هذه الثقافة التي تُذيب الإثنيات والعرقيات والمذهبيات والطوائف في أنظمة ديمقراطية سليمة تعيد هوية الصراع الطبيعي مع العدو الاساسي، وهكذا نعيد تحرير فلسطين، كل فلسطن لتبقى سيدة الشرق وعاصمة العروبة.
المجد والخلود للشهداء ولأسرانا أجمل التحايا.
الأسير المحرر داود فرج
9/12/2020

زر الذهاب إلى الأعلى