بأقلامنا

كمال جنبلاط.. النبلُ بأجلِّ معانيه وصورِه

كمال جنبلاط.. النبلُ بأجلِّ معانيه وصورِه

هاني سليمان الحلبي
ناشر موقع حرمون، كاتب وإعلامي من لبنان، مدرب دولي

يُسعد إدارةَ موقعِ حرمون – المنتدى الثقافيّ، في مسيرته الإعلامية والثقافية والفكرية منذ كانونِ الأول 2009، أن تستمرَّ بالإضاءةِ على قاماتٍ من بلادي، من دون توقّفٍ رغمَ الظروفِ القاسيةِ والمُرّة التي تعصفُ ببلادِنا وشعبِنا.

ويُسعدُ إدارةَ موقعِ حرمونَ – المنتدى الثقافيّ، أن توجّهَ تحيةً عميقةً وأصيلةً لروحِ المفكرِ الإصلاحيِ التقدمي الشهيدِ الكبيرِ كمال جنبلاط بالذكرى الـ 105 لميلاده، وتهنئ محبيه بهذا الميلاد المبارك.

ورأتْ أن أفضلَ طريقةٍ لتوجيهِ هذهِ التحيةِ أن تكونَ بالفكر، الفكر الذي تنفّسَهُ كمال جنبلاط في نضالِهِ كله، مجاهداً للخروجِ من السجونِ كافة، سجونِ الدولِ والطوائفِ والكنائسِ الحزبيّة والعنصريّاتِ، عندما تكون كل هذه المؤسسات سجوناً، إلى رحابِ حقيقةٍ مطلقةٍ كانت تملأً وجدانَهً وروحَه.
كان كمال جنبلاط بكونِهِ مفكّراً نضاليّاً وطنيّاً مشرقيّاً وعربيّاً، وفّرَ انسجاماً متيناً بين ثنائيّات فلسفيّة كان يراها غيرُه جَدَلَ متناقضاتٍ، لكنّها في مِنهجِهِ أصبحتْ جَدْلاً متناغماً وليس جَدَلاً متناقضاً..
في الوقتِ الذي رأى الفردَ الإنسانيّ منطلقاً، ليعرفَ كلُّ منّا نفسَهُ ويُصلحُها، بما استطاعَ سبيلا، لم يستغرقْه الفرد، كما استغرق نقولا برادييف مثلاً، ولم يغدُ عندَهُ هذا الفردُ الجوابَ النهائيَّ على كلّ سؤال. فالفردُ في واقعِهِ المجتمعيّ الإنسانيّ هو طاقةُ تفاعلٍ وقدرةُ عطاءٍ في بيئةِ مجتمعٍ إنسانيٍّ معاييرًه قيمُ الاحترامِ والحريةِ والوعي.
هنا الفرد الجنبلاطي، إنْ صحّتِ التسمية، ليسَ منكفئاً عن معركةِ النضالِ لإصلاحِ الجماعة، كما أن الجماعةَ معنيةٌ بتأهيلِ أفرادِها بسويّةٍ راقيةٍ تمدُّنية. هذا التناغمُ بين الفردِ المتفاعلِ والجماعةِ المدركةِ هو المعادلةُ التقدميّةُ للحياةِ الراقية.
مثّل كمال جنبلاط نموذجاً فريداً في النضال السياسيّ الإصلاحيّ في لبنان والعالم العربي، لا يوازيه نموذجٌ سوى الشهيد أنطون سعاده، حيث في هذين النموذجَيْنِ النضاليّين، يتكوّنُ المنطلقُ من فكرةٍ فلسفيّةٍ متماسكةٍ مفتوحة على الفكر والفلسفة والتطوّر باستمرار، تعلّل التكتيكَ اليوميَّ والمرحليَّ وتفسّرُ الاستراتيجيةَ العميقةَ للكفاحِ لأجل قضية تساوي وجودَنا، ولا تُعدِمُ وسائلَ التحشيدِ والتدعيمِ والتعبئةِ لتوفيرِ الشروطِ الموضعيةِ للانتصارِ أبعدَ من الإطارِ الحزبيّ إلى الجبهويِّ المتكامل.
أبرزُ ما يحضُرُني من معنًى عندما يمرُّ اسمُ كمال جنبلاط في خاطري هو النبلُ بأجلِّ معانيه وصورِه. نبلُ المفكّر، نبلُ المواطنِ الأرقى، نبلُ المؤمنِ بقيمتِه ككائنٍ وكمشروع، نبلُ المناضلِ حتى آخرَ نبضاتِ قلبِه لأجلِ قضيةٍ وطنيةٍ وإنسانيةٍ كبرى، نبلُ الفيلسوفِ العرفانيّ المتعدّدِ المنابعِ والمناحي والصور. هذا المعنى من النبل توّجَهُ نبلُ الشهادة غدراً في ميقات معلوم.
لروحِ هذا القامة أجلّ التكريم والتقدير ولأتباعه كل الاحترام، وخير اتباع بأن يكون معلماً وقدوة حيّة ومنهجَ عمل.
وإذ أشكر الحضورَ الكريم، من أصدقاءَ ومعارفَ وأصدقاءِ الأصدقاء، أنوّه بتلبية الصديقين الدكتور عماد شيا والزميل الإعلاميّ عارف هايل مغامس لإحياء هذه الندوة اللطيفة وأشكرُهما على ثقتِهما. وأشكرُ المربية ابتسام يوسف ابو سلهب على تلطّفها بتقديم هذه الندوة. والسلام عليكم.

*الكلمة التي افتتح بها ناشر حرمون إدارة ندوة بعنوان “كمال جنبلاط مفكرا وشاعراً عرفانياً” الجمعة 16 كانون الاول 2022.

زر الذهاب إلى الأعلى