بأقلامنا

إسرائيل.. نتائج الحرب بقلم ماهر مقلد

غرور إسرائيل والغطرسة التى يتعامل بها قادتها مع القضية الفلسطينية هى السبب فى كل ما يجرى من عدم استقرار فى المنطقة، قبل توقيع اتفاقيات السلام والمبادرة العربية كانت إسرائيل على استعداد أن تفعل ما يشبه المستحيل من أجل الاعتراف بها عربيا أو الجلوس مع قادتها على مائدة واحدة.

حدث هذا وارتضى العرب السلام بشروط لكن المواقف الإسرائيلية كانت ضد الاستقرار والعدل والسلام ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع على الشعب الفلسطينى الذى يواجه ظروفا صعبة لا تستقيم الحياة معها.

الحرب الدائرة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل هى نتيجة طبيعية للأفق السياسى المسدود الذى تتمسك إسرائيل بعدم تحريكه وغلق كل الأبواب التى يحاول من خلالها البعض إيجاد نافذة أمل لتحريك مسار السلام فضلا عن التوسع فى بناء المستوطنات على الأراضى العربية وتجريف المزارع ومصادرة الأملاك والحقوق.

لم تكن تتوقع إسرائيل ولا جهازها الاستخباراتى أن تصحو على حرب واسعة تدك حصونها وتفضح أمام العالم منظومتها الدفاعية التى تبالغ فى وصف دقتها وقدرتها، هذا حدث وتكبدت خسائر غير مسبوقة فى الصراع بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وجاءت التصريحات وردود الفعل الإسرائيلية باهتة انتقامية غير إنسانية حيث تحتمى بسلاح الجو الذى يقصف الأبراج السكنية على رؤوس المواطنين دون شفقة وبضمير ميت، وهذا السلوك الإرهابى يفاقم من حالة الغضب، والانتقام، ولم يكن فى أى وقت رادعا.

الضمير الإنسانى لا يقبل قتل الأبرياء مهما كانت العداوات، فى كل مرة تفعل إسرائيل نفس الفعل تقصف بالطائرات المبانى السكنية والسؤال هل بعدها تتوقف عمليات المقاومة؟ الإجابة لم يحدث، إذن هناك خلل فى الفهم والعقلية والتمادى فى الجبروت.

أتذكر فى مناسبة مرور 24 عاما على انتصار أكتوبر المجيد أجريت حوارا مع المفكر المصرى السيد يسين فى مكتبه بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى الأهرام، اللافت فى المقابلة رؤية المفكر الراحل الكبير لقضية الاستيطان وكأنه كان يقرأ فى كتاب مفتوح فما ذكره قبل ربع قرن يحدث على الأرض بسبب المستوطنات يومها قال إن الحقيقة هى أن هذه الموجة الاستيطانية لن يوقفها زيارة وزيرة خارجية أمريكا ولا الراعى الأمريكى المتميز ولا الشجب التقليدى العربى ولا التصريحات التى لا معنى لها ولا الدعوة إلى الصبر والانتظار ولا الدعوة إلى تشجيع الدول فى أن تضغط، كل هذا الكلام لا أساس له وإنما الذى يوقف هذه الموجة ويعاقب إسرائيل عقاباً شديداً هو حركة المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبالتالى إن لم يقابل العرب الفعل بالفعل وليس الفعل بالكلام لا مجال لوقف هذه الهجمة الاستيطانية.

وصف انتصار أكتوبر بالتجربة الخطيرة فى الممارسة المصرية فى العصر الحديث وتكشف عن عبقرية القيادة السياسية المصرية فى التخطيط الدقيق للحرب وفى الحشد المعنوى المتزن وفى التعبئة السياسية وفى الإعداد العسكرى، ثم فى حفظ سر الحرب حتى آخر لحظة واعتبر أن الحفاظ على السر كان من أهم وأخطر جوانب المعركة ومن هنا حين اندلعت الحرب فوجئت إسرائيل بها مفاجأة حقيقية لأن الرأى السائد كان لديها هو أن القوات المصرية والسورية عاجزتان عن شن الهجوم وأن الوطن العربى أصبح جثة هامدة وأنها تستطيع أن تضم ما تشاء من الأراضى العربية دون مقاومة وجاءت أكتوبر لتثبت خطأ وجهة النظر الإسرائيلية وهى فى رأيى أشبه بمعمل اجتماعى تولى بذاته نفى عديد من السلبيات التى التصقت بالمجتمع المصرى.

مجرد اختراق القوات المصرية خط بارليف هو انتصار حاسم لمصر، تحقيق المفاجأة وإيقاع الخسائر بإسرائيل فى الأيام الأولى للحرب انتصار حاسم أيضاً والذى يهم هو الحصاد النهائى فى الوعى العام للهزيمة أو الانتصار والوعى العام هنا عادة ما يكون لديه حس صادق حتى لو حاول بعض المؤرخين والباحثين أن يكذبوا هذا الحس وهناك دراسة إسرائيلية موثقة تقول إن لدى الوعى العام الإسرائيلى أن حرب أكتوبر كانت هزيمة ساحقة لإسرائيل.

بعد انتصار أكتوبر جاء السلام بين مصر وإسرائيل واستردت مصر سيناء كاملة فما السيناريو المتوقع بعد توقف عملية غلاف غزة مما لا شك فيه أن المعادلة السياسية تتغير وايضا تقديرات المواقف الإسرائيلية حتما ستكون مختلفة وربما تبدأ جولة مفاوضات بميزان أقرب إلى الإنصاف.

المصدر : الثلاثاء 25 من ربيع الأول 1445 هــ 10 أكتوبر 2023 السنة 148 العدد 49981

زر الذهاب إلى الأعلى