بأقلامنا

تميم عماد النويري يستحق لقب المخرج المصري بقلم // جهاد أيوب

تميم عماد النويري يستحق لقب المخرج المصري

#في زمن عربي كثير التلاشي نجد شاباً يخوض تجربة مختلفة في الفن السابع

بقلم // جهاد أيوب
رغم كثرة المعاهد والجامعات الفنية إلا أن وضع الفن المصري تحديداً، والعربي ككل يعيش ويعاني أزمة مؤلمة ومشتتة!
ورغم كثرة المتخرجين، وأصحاب الشهادات العليا إلا أن المواهب الفنية الفارضة لحضورها المميز تكاد محدودة وربما معدومة، وكل ما في الأمر علاقات خاصة وخاصة جداً، وبعض الشبهات الانتاجية، وشللية على حساب أصحاب الموهبة الحقيقية، وهذا ليس في التمثيل فقط بل في غالبية غالبية انواع والوان الفنون، وقد يندرج ذلك على واقعنا ككل في التربية والقضاء والطب وما شابه، وبالطبع تضرر الإخراج الفني ” سينما وتلفزيون ومسرح وإذاعي” بشكل كبير، وفقدت السينما المخرج الفاهم رغم كثافة المهرجانات كحال المسرح حيث التنظير في كم لا يصدق من المهرجانات ولم يعد لدينا المسرح والسينما!
وسينما اليوم غائبة كلياً عن تواصلها مع شارعها وقضايانا، وكل ما ينتج هو جهود فردية من شباب يحب السينما، وذاكرته في سينما زمان وأهل زمان، تعلم، وتفوق، ولكن سوق العرض معدوم يضاف إلى ذلك عقدة النجوم وامراضهم النفسية، فيذهب هذا المجتهد إلى إنتاجه وحماسته الفردي الخاص ليقدم بعض ما يفكر به بإنتاج أكثر من متواضع…هؤلاء نرفع لجهودهم القبعة، ومع ذلك قلة قليلة تمتلك باستحقاق لقب المخرج!
ومن بين هذه القلة القليلة نجد الشاب المصري تميم عماد النويري الذي يستحق هذا اللقب بجدارة وتميز، وذلك لجهوده غير العبيطة، ولا تعتمد على الصدفة، ولمثابرته في عشق السينما داخل زمن يعيقها وتعيش اتعس مراحلها، ولتميزه في أفكاره التي يقدمها رغم تحفظي وملاحظاتي على طريقة التنفيذ احياناً، وقد يبررها انتاجياً، وأنا اعتقد بإنها فنية ومسؤولية المخرج، ولن اتطرق إلى ملاحظاتي على ما شاهدته عبر شاشة التلفون، لآن النقد السينمائي يجب أن يكون في داره، أي في الصالة الكبيرة مع أدوات العرض !
كما لم اكتب ملاحظاتي هنا لآن هذا الشاب يشق طريقه بعنفوان، ولا يزال في بداية درب سيسوده الحقد والمجاملات والغيرة والنجاح بالتأكيد، وعلينا احتضانه، ومساندته، ودعمه بكل ما أمكن لكونه يمتلك ناصية الإخراج، والبوح سيقال له مباشرة وليس علناً!

#حكايتي معهم
حكايتي مع تميم بدأت مع صداقة وزمالة عميقة ومشذبة ومهذبة مع والده الإعلامي والناقد الذي غيبه الموت منذ سنة عماد النويري حيث تزاملنا في جريدة “القبس” الكويتية، لم نكن نتفق في مفهومنا للنقد، واختلفنا كثيراً فهو تقليدياً وأنا أصر على أن اتحرر من قيود التقليدية النقدية، ولكن على الصعيد الشخصي من المستحيل أن لا تحبه وتصادقه وتعترف بقيمته، لذلك انتقلت الصداقة إلى عائلته، فزوجته واضحة وصريحة جداً، وأمينة في رأيها وصداقتها، وتعرف متى تغضب وتخبئ غضبها ومتى تبوح برأيها، وإن أحبت ضيفها تكرمه إلى حدود التخمة، وتغدق عليه أشهى المأكولات وما اطيب مأكولاتها، وإن كان هذا الضيف ” مزعجاً” تقوم بواجب الضيافة والسلام.
مثقفة هذه السيدة الأم فنياً، واجمل ما في الحوار معها وضوح الصورة واهتمامها بأولادها مهما كانت الظروف، فإبنتها التي كانت صغيرة مرام وهي البكر كانت جميلة جداً، ورشيقة في الكلام، وذكية وقريبة إلى طباع والدها مع ذكاء والدتها، وأحمد ذاك الشاب المهذب الحالم والأسمر الذي ولد اشقراً صاحب النظرات المتحدثة بصمت إلى حين التعصيب وما ادراك إن عصب حمادة…!
وتميم لا يزال في رحم والدته حينما زرتهم، كان داخل الرحم كثير الحركة، ومتطلبات الحمل ” الوحام” فيه كثيرة كما كانت تتحدث السيدة الوالدة، وحينما جاءت الولادة كانت سهلة كشربة ماء…
ومنذ الولادة وتميم أمام ناظري، لم يكن باكياً لدرجة الإزعاج كما الأطفال، وليس مشاغباً أو متطلباً، بل مهذباً جداً، وخجولاً قليلاً وجميل الوجه، وقريب بالشبه من شقيقته مرام، ولكنه “بطوط” قريب إلى القلب، ودائماً إذا ازعجوه اضعه في حضني، وملابسه مرتبة مع عطر يرافقه في كل الحالات…طفولته سهلة كما في الدراسة…غير الكل كان تميماً!
انقطعت العلاقة بسبب الهجرة والبحث عن رزق كي نكمل الحياة، وفجأة وصلني خبر رحيل والده، واخذت ابحث عن تواصل كي اشارك بعزاء من احترم واحب…وإذ بي أقف أمام شاب لديه تجربة سينمائية ونشاطات كثيفة، أدركت من الإسم أن هذا الشاب هو تميم الذي حصل على بكالريوس إعلام إنكليزي – إذاعة و تلفزيون- جامعة فاروس بالأسكندرية، ولديه العديد من التجارب السينمائية، وملعبه الأفلام القصيرة، وهو كاتب سيناربو مختلف وممثل، والأهم والاساس هو مخرج وبالفعل هو مخرج، ورغم عمره الشبابي، وتجربته اليانعة قدم حتى الآن: فيلم “لو أستطيع”، وفيلم “المراية البعيدة”، وفيلم “الكنز”، وفيلم “جرافيتي”، وأول أفلامه وتعلم منه أخطائه كان فيلم “أنا ضياء”، وآخر افلامه حيث حصد عليه العديد من الجوائز، وشارك من خلاله في أكثر من مهرجان مصري وعربي وعالمي كان “تايم لاين”، ومسلسل “الجزء المفقود” لا زال يصور.
كما هو مصمم جرافيك، و مدرب مونتاج “متخصص في المونتاج الدعائي” معتمد من شركة “أدوبي العالمية و من البورد الأميركية للتدريب”.

#تجربة تميم
كل هذا الإنتاج لشاب من العزيزة مصر لا يزال في بداياته، صحيح يعاني كغيره من المغامرين من أزمة المنتج والراعي، ولكن جيله يصر أن يكون، وأن لا يكون تابعاً بقدر ما له استقلاليته وعنفوانه وحضوره، واجمل ما في تميم عماد النويري أنه يسمع، ولا يعرف الغرور، ولا يلغي غيره، ويصر على معرفة الخطأ في عالمه الفني قبل المديح، وبصراحة أعماله فيها عفوية جميلة جداً مفقودة عند غالبية المنظرين والعاملين في السينما اليوم، نجد ذلك في ” أنا ضياء” مع أخطاء اخراجية وبسرعة تداركها في نتاجه التالي، أما فيلمه الأخير ” تايم لاين” حيث تناول من خلاله اضرار الكورونا، نجد التجربة ناضجة، وشخصيته الاخراجية تكتمل وبثقة، وتنطلق لديه رؤية جديدة محورها الشارع بما حمل، والمجتمع بكل تناقضاته.
في أفلام تميم مسؤولية الشباب وما يفكر، مشغول بالشارع المصري بما حمل وحلم، ومطرز بالبيئة المصرية رغم ولادته وعاش طفولته وبعض من شبابه في دولة الكويت حيث درس أيضاً في مدارسها، ولكنه بالعمق يعيش مصريته بكل همومها وفرحها، لا بل يفقه بتفاصيل دقيقة لم تعد موجودة مع تغير الزمان والامكنة والأجيال، وهذا هو سحر ماء النيل ومن يشرب من النيل مصرياً كان أو عربياً!
تميم عماد النويري هو كل عالم ومفردات السينما بما حملت من جنون واحلام، ركيزته الإخراج، وملعبه السينما أولاً، ومحوره أن لا يشبه غيره بل يتعلم ويستفيد من تجارب من سبقه، وهمه الإهتمام بكل تفاصيل عمله وافكاره ومحيطه وعالمه وتحديداً الفن السابع !
تميم يستحق لقب فنان السينما، ومخرج بجدارة الاستمرارية، وتذكروا هذا الإسم في مستقبل قريب، وسيكون له مساحة جدلية في عالم السينما قد تُعجب بأعماله وقد لا تتفق مع تطلعاته، وبلا شك ترفع له القبعة على جهوده حتى الآن، وستحب تجربته لكونها طالعة من حلم جيل يسعى صاحبه إلى تحقيق ما أمكن في زمن عربي صعب جداً…وفي زمن عربي كثير التلاشي نجد شاباً اسمه تميم يخوض تجربة مختلفة في الفن السابع…

زر الذهاب إلى الأعلى