أخبار صور و الجنوب

العلامة فضل الله خلال افتتاح معرض الكتاب في صور: نؤمن بالثقافة الداعية الى النقد الموضوعي والابتعاد عن التّراشق بالاتّهامات

وطنية – رعى العلامة السيد علي فضل الله حفل افتتاح معرض الكتاب العربي الحادي عشر الذي أقامته جمعية هلا صور الثقافية الاجتماعية في مركز ابحار الثقافي في مجمع باسل الأسد في مدينة صور في حضور شخصيات دينية ونيابية وثقافية وحزبية وتربوية وبلدية واجتماعية وفكرية وديبلوماسية وممثلون عن الفضائل الفلسطينية وحشد من المهتمين.

استهل الحفل بالنشيد الوطني ثم نشيد “هلا صور”  وقدم الاحتفال الشاعر الدكتور رجب شعلان  ثم ألقى رئيس جمعية “هلا صور”  الكاتب الدكتور عماد سعيد كلمة رحب فيها بالعلامة السيد علي فضل الله والنائب علي خريس ووفد سفارة فلسطين والحضور اللبناني والفلسطيني   مشيرا إلى” أهمية العمل الثقافي وما يرمز إليه عنوان هذا المعرض لتعزيز الوعي ولمواجهة المخاطر المؤامرات والعدوان”، لافتا إلى” الدور الذي يلعبه الكتاب في تحصين المجتمع” مشيرا إلى أن “فلسطين هي عنوان المعرض كما حيا شهداء لبنان وفلسطين”.

ثم ألقى  العلامة  فضل الله كلمة حيا في بدايتها الحضور شاكرا دعوة الدكتور عماد سعيد “الذي أتاح لي الفرصة لكي أكون بينكم، ولنتشارك معا في افتتاح موسم ثقافي جديد رغم كل الظروف الصعبة والتحديات التي تواجهها هذه المدينة الضاربة جذورها في عمق التاريخ والوطن كله وهذا ينبع من باب الحرص منه على المساهمة الفعالة في تعزيز العمل الثقافي وتثبيت حضوره في مدينة صور لتأكيد دور هذه المدينة الذي قامت به على هذا الصعيد مما يشهد عليه علماؤها وأدباؤها وشعراؤها ومفكروها الذين تعاقبوا على مر التاريخ ومنهم لا يزال حاضرا في الساحة ممن تركوا بصماتهم على صعيد الوطن والتي امتدت إلى العالم… “.

أضاف: “وهو يأتي استكمالا لأدوار أخرى نهضت بها هذه المدينة ولا تزال على الصعيد التعليمي والتربوي والإنساني من خلال المؤسسات التربوية والرعائية العاملة فيها… وعلى المستوى السياسي من خلال من لعبوا أدوارا في هذا المجال ومن لا يزالون، وكذلك في وقوف أهلها في مواجهة الاستعمار الذي مر على هذه المدينة أو الاحتلال الإسرائيلي الذي ما زلنا نعاني منه ما يشهد به شهداؤها و مقاوموها… وهي مثلت بتنوعها الديني والمذهبي والسياسي عنوانا رائدا على صعيد الوحدة الإسلامية ولقاء الأديان والوحدة الوطنية والتي لم تخدش ولم تمس رغم كل الفتن التي مرت على هذا الوطن أو التي كانت تهب عليه من الخارج وتركت ندوبها عليه والتي تصر على الحفاظ عليه، ولم يقف هذا الدور عند حدود هذا الوطن بل امتد إلى حيث هاجر أهلها وتركوا بصمات حيثما حلوا وإلى أي مكان وصلوا”.

تابع: “قد يرى الكثيرون أن إقامة مثل هذا اللقاء الثقافي ليس في وقته الآن لأن المرحلة التي نواجهها هي مرحلة تحد على الصعيد السياسي والأمني والذي بات يصل إلى تحد للوجود بفعل التغول الذي نشهده من الكيان الصهيوني ومن الدول الداعمة له التي تريد أن تكون له اليد الطولى في بلادنا وأن يملك حرية العبث بأمنها وسيادتها واستقرارها، وما نشهده وما يحدث في الداخل من صراع سياسي وغالبا ما يتحول إلى طائفي ومذهبي مما يخشى معه من الفتنة، ولكننا، ورغم وعينا لأهمية هذا التحدي لخطورة المرحلة وضرورة توحيد الجهود لمواجهتها، ينبغي ألا نهون من العمل الثقافي بل المطلوب أن نعمل على تعزيز الوعي على هذا الصعيد وأن لا نكف عنه لأهميته لكونه يشكل الخلفية التي يستند إليها للنهوض وتحقيق الأهداف التي نرجوها لمواجهة التحديات إن على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي، في تعزيز هذا الوعي نحول دون أن تكون الثقافة سببا للاحباط والتيئيس والقبول بالأمر الواقع وللانقسام والتفرقة. فالثقافة هي التي تحرك الإنسان وتحدد توجهاته وخياراته ومساره والأرضية التي ينطلق منها، ومن هنا كانت الثقافة دائما هي موضع الصراع وهي موضع التحدي. فالصراع قبل كل شيء هو على الأفكار والتوجيهات؛ هو على داخل الإنسان، على تاريخه وهويته وعلى المنطلقات الفكرية…”.

وأشار إلى أننا “أحوج ما نكون إلى تعزيز الثقافة الواعية والأصيلة والمنفتحة في واقعنا بحيث تكون رأسمالنا الذي ينبغي أن نحرص عليه، والتي لأجلها كانت المبادرة التي جمعتنا اليوم والتي تعمل على تعزيز الكتاب، فلا يفقد حضوره بعد انتشار المحتوى الرقمي ومواقع التواصل والذكاء الاصطناعي رغم أهمية هذه الوسائل لكونها أمنت التواصل بين الناس لكون الكتاب يبقى هو البوابة الأفضل لتركيز الوعي وتعميقه والصوت الأكثر هدوءا في عالم تتصارع فيه الأصوات وتتنافس فيه الشاشات ويكثر الضجيج الذي لا يسمح بهدوء الفكر وسلامة التعلم…”.

تابع: “وفي الوقت نفسه ندعو إلى تفعيل اللقاءات والمنتديات الثقافية، لنواجه عالما باتت تحكمه الماديات والأنانيات وباتت تسيطر عليه ثقافة الاستهلاك ويطغى فيه الترفيه على الفكر والشهرة على المعرفة، حتى بتنا نستهلك ثقافة الآخرين بدون وعي أو نستهلك أفكارا تفتقد إلى المحتوى العلمي والفكري والإنساني، وأصبحت الثقافة عندنا سلعة تصاغ لتنال الإعجاب السريع أو لخدمة من يملكون المواقع السياسية أو المالية أو الاقتصادية أو الطائفية لا لتغير وتصنع الإنسان وتبني الأوطان”.

وأكد أننا “معنيون بالعمل وأن ندعو إلى ثقافة إيمانية ترى في الله محبة ورحمة وعطاء بدون حساب، وتعزز في الذات القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية والانفتاح على الآخر … ثقافة تبني المواطن المسؤول الذي يسأل ويحاسب ويرفع صوته في وجه المرتكب بصرف النظر عن انتمائه الطائفي والسياسي، ثقافة تدعو إلى العدالة؛ عدالة لا تميز بين العدو والصديق وبين القريب والبعيد ومن هو مع هذه الطائفة أو تلك، أو هذا الموقع السياسي أو ذاك، فلا وطن يقوم إذا استقر فيه الظلم والفساد والمحسوبية وتهميش فئة لحساب أخرى”.

وقال: “نحن بحاجة إلى ثقافة عقلانية تواجه التزوير الفكري والسياسي والتضليل الإعلامي لنعرف أين نقف ومع من نقف، ونكون معها قادرين على أن نميز الصديق من العدو ومن نسالم ومن نعادي، وما يحاك لوطننا، لنكون قادرين على تحديد خياراتنا الصحيحة ومؤهلين لمواجهة المخاطر… إننا بحاجة إلى ثقافة إنسانية منفتحة على الآخر لكنها تعرف كيف تنتقي وكيف تأخذ وممن تأخذ فلا تأخذ إلا ما يرفع من مستواها الحضاري وما لا يمس بقيمها ومبادئها… إننا بحاجة إلى ثقافة وحدوية نواجه بها كل هذا الانقسام والتشرذم الذي نشهده على الصعيد الطائفي والمذهبي… ثقافة تدعو إلى بناء الهوية المشتركة وترسيخ الانتماء لهذا الوطن وتعزز التلاقي ولغة الحوار ومد جسور التواصل… ثقافة تجعلنا كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له الجميع بالسهر والحمى…”.

وشدد على “ثقافة تزرع في العقول والقلوب حب الأرض والإخلاص لها وحفظها والإبداع فيها لا استسهال الهجرة منها أو التنكر لها عند أي تحد أو مواجهة… إننا بحاجة إلى ثقافة المقاومة والتي لا ينبغي أن نراها تقف عند مقاومة السلاح رغم أهميته والحاجة إليه عندما يتعرض الوطن للخطر بل إلى مقاومة ثقافية تواجه الجهل والتخلف والأنانية والعصبيات والانغلاق والتقوقع على الذات أو الطائفة أو المذهب بعيدا من الآخر. إننا بحاجة إلى ثقافة تؤمن بالنقد البناء والموضوعي والهادف لا التراشق كما يحدث بالكلمات والاتهامات. إننا بحاجة إلى ثقافة بناء الدولة دولة القانون والمواطنة والعدالة دولة يحظى فيها الإنسان بانسانيته بعيدا من طائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي إلى ثقافة تبعث الأمل وتصنع الإرادة إرادة القوة والثبات والتمسك بالحقوق، بديلا من ثقافة اليأس والتيئيس والإحباط… وأن لا خيار لنا إلا التسليم للأمر الواقع والذي تفرضه مراكز القوة في هذا العالم”.

ختم: “إننا في وطن يعيش أقسى معاناته وبتنا نخشى عليه وعلى إنسانه وديمومة تنوعه فنحن بالثقافة الواعية المسؤولة المنفتحة نستطيع أن تحفظ تنوعه الفريد لنقدمه أنموذجا في هذا العالم يجعله وطن الرسالات، وطن القيم، وطن إنسانية الإنسان… وطنا عزيزا حرا كريما مستقلا يستحقه أبناؤه… ونحن قادرون على ذلك إن توحدت كلمتنا وخرجنا من أنانيتنا وعصبياتنا ومصالحنا الفئوية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى