مفاوضات تحت النار مع الاندحار وفشل نتنياهو “اكزينو” أمام مفترق طرق في مواجهة حزب الله ومقاومته \ د. شريف نورالدين.
بتاريخ: 31 / 10 / 2024
في ظل التوتر المتصاعد على الحدود اللبنانية، تفرض معادلات المواجهة الأخيرة واقعاً جديداً على إسرائيل، ما دفع برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو(اكزينو) إلى طاولة التفاوض، وإن كان هذا الخيار بعيداً عن تطلعاته المعلنة.
تمثل هذه المفاوضات تحدياً لرؤية نتنياهو الاستراتيجية، فهي تأتي في أعقاب اندحار قواته وتراجع أهدافه العسكرية وفشلها، وتثير أسئلة عميقة حول قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بنفوذها الإقليمي في ظل تزايد قوة المقاومة اللبنانية.
وعلى وقع تحولات سياسية إقليمية ودولية، تجد إسرائيل نفسها مضطرة للتفاوض تحت وطأة معطيات جديدة، وهو ما يعكس تغيراً في ميزان القوى وتحدياً أمام سياساتها في المنطقة.
إذا ما تم التوصل إلى اتفاق أو هدنة مع لبنان، فإن ذلك قد يحمل تداعيات عميقة على الصراع في غزة.
فنجاح المفاوضات مع لبنان قد يشكل نموذجاً لإدارة التوترات في أماكن أخرى، ويعكس تحولاً استراتيجياً في كيفية تعامل إسرائيل مع التحديات الأمنية في محيطها. يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة توجيه الاهتمام والموارد نحو غزة، حيث تُعزز المقاومة الفلسطينية من موقفها، وتستفيد من أي ثغرات قد تنجم عن الهدنة في لبنان.
مما قد يفتح أبواباً جديدة للتفاوض حول وقف الحرب في غزة، خاصة بعد الانتخابات الأمريكية.
تكتسب هذه المفاوضات أهمية خاصة في ظل الضغوط السياسية التي تواجه الإدارة الأمريكية، التي قد تسعى لتحقيق إنجاز دبلوماسي لتعزيز صورتها في الداخل.
في هذا السياق، يمكن أن تشكل أي خطوات نحو التهدئة مع لبنان حافزاً لإعادة ترتيب الأولويات الإسرائيلية وتحويل التركيز نحو الأوضاع في غزة، مما قد يمهد الطريق لفرص حوار جديدة.
– اندحار إسرائيل من حدود لبنان؛ إعادة ترتيب أوراق الصراع وبروز معادلات جديدة: ومع امكانية تحقيق اندحار القوات الإسرائيلية من الحدود اللبنانية على وقع المفاوضات التي تحري، يظهر تحول استراتيجي يسلط الضوء على الفشل الواضح في تحقيق الأهداف المعلنة (لاكزينو نتنياهو) .
هذا الاندحار سيكون كحدث رمزي أكثر من كونه مجرد تراجع تكتيكي، حيث يعكس حدود القوة الإسرائيلية في مواجهة قوة المقاومة وتماسكها، ويطرح تساؤلات حول مستقبل العلاقات الإقليمية في ظل ديناميات متغيرة، خاصة في ظل تعاظم أدوار الأطراف المحلية والإقليمية والدولية في صياغة مسارات هذه الأزمة.
– التحولات في قيادة حزب الله والمقاربات السياسية الجديدة: وسط هذه الأجواء المتوترة، جاء انتخاب الشيخ نعيم قاسم كأمين عام جديد لحزب الله خلفاً للسيد حسن نصرالله، مما يضيف بُعداً جديداً للمشهد، مما يعزز من فرص الحزب في خوض غمار المفاوضات السياسية القادمة بشكل أكثر مرونة، دون التنازل عن الثوابت.
هذا الانتخاب القيادي يهدف إلى الاستفادة من مقاربات الشيخ نعيم الوسطية التي توازن بين الخطاب المقاوم والانفتاح السياسي، ويعكس استعداد الحزب للتعامل مع المرحلة القادمة بتكتيكات مختلفة تخدم مصالحه في الحوارات المرتقبة مع الأطراف الداخلية والخارجية، وتضع هذه المرحلة لبنان أمام مفترق طرق في تعامله مع قوى المقاومة ومع التركيبة السياسية الداخلية.
فدخول الجيش اللبناني كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار المرتقب، والذي يتزامن مع اندحار إسرائيل، يفرض على الدولة اللبنانية استراتيجيات مغايرة لإدارة العلاقة بين المؤسسة العسكرية والمقاومة.
إن إيجاد آليات تكاملية بين الطرفين قد يكون المفتاح لاستقرار داخلي طويل الأمد، لكن تحقيق ذلك سيحتاج إلى دبلوماسية متوازنة وتحقيق تماسك داخلي في وجه الضغوط الخارجية.
ثالثاً: التحديات أمام إدارة بايدن بعد الاتفاق
رغم الجهود المبذولة، سيكون أمام إدارة بايدن تحديات كبرى تتعلق بمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق، خاصة أن دعمها الكامل لحلفائها في إسرائيل يتطلب الحفاظ على توازن حساس بين استرضاء الأطراف المختلفة وعدم التفريط بعلاقاتها في المنطقة. كذلك، فإن الالتزامات المتعلقة بتنفيذ القرارين 1701 و1559 ستفرض على واشنطن أن تلعب دور الوسيط الدولي بشكل حذر، مع الأخذ بالاعتبار ردود الفعل في الكونغرس الأميركي، حيث تتباين المواقف بشأن السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط.
– دور دولة الرئيس نبيه بري كمحور تفاوضي والوسيط المحلي بين أطراف الداخل والخارج: يلعب رئيس البرلمان نبيه بري دوراً مركزياً في ضبط إيقاع المفاوضات الداخلية، خاصة مع تصاعد الضغوط الأمريكية.
يعتبر بري شخصية سياسية محورية، تجمع بين الخبرة والدهاء السياسي، وقد أثبت نفسه كقادر على إدارة معادلات التوازن الداخلي من خلال تواصله الدائم مع مختلف الأطراف.
وفي ظل المفاوضات الراهنة، يظهر بري كصوت عقلاني يسعى لحفظ الاستقرار الداخلي، متحاشياً الشروط السياسية التي قد تفرضها الولايات المتحدة على لبنان كجزء من اتفاق محتمل.
من خلال هذا الدور، يؤكد بري مجدداً موقفه الحازم في الدفاع عن سيادة لبنان وضمان مصالحه الوطنية.
– أثر الانتخابات الأميركية على مسار التفاوض خطوة أميركية لحشد الدعم الداخلي: تشهد الولايات المتحدة زخماً دبلوماسياً متزايداً للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية قبل الانتخابات الرئاسية، بما يعزز موقف المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس ويمنحها دعماً شعبياً أمام منافسها الجمهوري دونالد ترامب. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تهدف إلى إظهار نجاح على صعيد السياسة الخارجية، ولو بشكل مؤقت، بما يرضي الرأي العام الداخلي ويصور الرئيس بايدن وادارته بانها قادرة على التعامل مع الأزمات بفعالية.
ومن هنا، تأتي الضغوط الأميركية على إسرائيل ولبنان للإسراع في تنفيذ شروط القرار الأممي 1701 مما قد يعزز من فرص التوصل إلى تهدئة على الأرض، ولو مرحلياً.
– إيران وأسلوب إدارة الصراع ببراغماتية ومحوري أقليمي: على الجانب الإيراني، تتبنى طهران تكتيكاً يتسم بالبراغماتية والبعد الاستراتيجي، حيث تعمل بحذر على توجيه حلفائها في المنطقة نحو ضبط النفس وتجنب الانجرار إلى صراع شامل.
تجيد إيران توزيع أوراقها السياسية والعسكرية عبر قنوات متعددة، مما يعزز مكانتها الإقليمية، وقدرتها على التأثير في مسارات النزاع دون التصعيد المباشر.
تتبع طهران سياسة الضغط المتوازن، من خلال دعم حلفائها مثل حزب الله، والحفاظ في الوقت نفسه على خيارات التفاوض الدبلوماسي.
ويسعى المسؤولون الإيرانيون إلى تأكيد حضورهم على طاولة المفاوضات المرتقبة، بحيث تبقى طهران جزءاً لا يتجزأ من أي حلٍ إقليمي.
– اليمن وتأثيره الاستراتيجي باب المندب كورقة ضغط حساسة: يبرز اليمن كعامل جديد في معادلة النزاع، إذ بات دور الحوثيين حليف إيران في باب المندب يشكل تحدياً أمام القوى الغربية، وخاصة بتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر.
ونظراً لأهمية باب المندب كممر بحري استراتيجي، تتحرك القوى الدولية لمعالجة الوضع المتصاعد في اليمن، حيث تصفهم “جيروزاليم بوست بخمسة نجوم” والحوثيين كلاعب إقليمي صاعد . هذا التحول يضيف زخماً جديداً إلى دور اليمن في المنطقة، ويجعل من الدور الحوثي ورقة هامة الى جانب إيران، مما يزيد من تأثيرها الإقليمي ويشكل ضغوطاً إضافية على إسرائيل وحلفائها.
* قراءة مستقبلية للتفاوض ومسارات الحل المحتملة ويبدو أن المشهد السياسي الراهن مرشح لمزيد من التغيرات على ضوء ما يلي:
– ضغط الانتخابات الأميركية: تفرض الانتخابات الأميركية ضغوطاً على إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق سريع. وفي حال تحقق ذلك، ستعمد الإدارة إلى استعراض هذا الإنجاز لتحقيق مكاسب انتخابية، لكن نجاح الاتفاق في الاستمرار يعتمد بشكل أساسي على مدى تقبل الأطراف للشروط الواردة فيه.
– مرونة المقاومة: بات من الواضح أن انتخاب الشيخ نعيم قاسم كأمين عام لحزب الله يأتي في إطار نهج جديد يتسم بالمرونة السياسية في التعامل مع التفاوض، ما قد يسهم في تعزيز موقف المقاومة دون تقديم تنازلات جوهرية.
– الدور الإيراني المتصاعد: تسعى طهران لضمان مصالحها الإقليمية مع حلفائها في المنطقة. ومن المتوقع أن يستمر هذا التصاعد في لعب دور رئيسي في صياغة مسارات التفاوض، خاصة في ظل قدرة إيران على استخدام أوراق ضغط فعالة، من ضمنها باب المندب.
-التحديات على الجبهة الداخلية لإسرائيل: أدت خسائر الجيش الإسرائيلي إلى زعزعة ثقة المجتمع الإسرائيلي بقيادته العسكرية والسياسية، مما يضع ضغوطاً على إسرائيل للتوصل إلى تهدئة تحمي صورتها وتقلل من مخاطر التصعيد الداخلي.
– التنسيق العربي المشترك: يتزايد القلق بين الدول العربية من احتمالية توسيع رقعة الصراع، مما يدفع ببعض الدول نحو دعم الجهود الدبلوماسية الرامية للتوصل إلى حل يحمي استقرار المنطقة.
– ورقة التفاوض بين حسابات الربح والخسارة: يبقى التساؤل حول مدى قابلية الأطراف للالتزام بشروط التهدئة، خاصة وأن المنطقة تعيش وسط توازنات حساسة.
من الواضح أن أي اتفاق لا يراعي المعادلات الإقليمية الجديدة لن يكون له أثر طويل الأمد، ومن هنا تأتي أهمية التنسيق بين القوى الفاعلة لضمان تحقيق السلام والاستقرار، ولو على نحو تدريجي.
*خلاصة:
تُعد هذه المفاوضات لحظة فارقة قد تعيد تشكيل المشهد على الحدود اللبنانية، لكنها تكشف أيضاً عن حدود القوة العسكرية في تحقيق أهداف استراتيجية دائمة.
إن خيارات نتنياهو في التفاوض تمثل قبولاً قسرياً بواقع جديد تفرضه المقاومة، ما يضعه في اختبار حقيقي أمام جمهوره من جهة، وأمام التوازنات الإقليمية من جهة أخرى.
وبين احتمالات التهدئة وشبح العودة إلى مربع المواجهات، يبدو مستقبل الاستقرار في المنطقة معلقاً بمدى قدرة الأطراف على التوصل إلى صيغة تحافظ على سيادة لبنان وتلبي متطلبات الأمن الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، قد تكون هذه المفاوضات بداية لرؤية جديدة، تُبنى على صيغ أكثر توازناً وواقعية، أو قد تتبدد الآمال بانفجار جديد، يعيد ترتيب أوراق الصراع من جديد في الشرق الأوسط.
وفي حال نجاح الاتفاق مع لبنان، ستتعزز روح المقاومة في غزة، مما يزيد من تعقيد جهود السلام والاستقرار في المنطقة، وسوف يؤدي هذا إلى مزيد من التصعيد في الأعمال العسكرية، إذ ستسعى الفصائل الفلسطينية جاهدة لتعزيز مواقعها.
بالتالي، ستظل الحلبة الإقليمية مليئة بالتحديات، حيث يتداخل الصراع في غزة مع أي تحول يحدث على جبهة لبنان، مما يؤكد أن الاستقرار في المنطقة يعتمد على توازن معقد من المصالح والتوترات المتشابكة.
في النهاية، يبقى السؤال قائماً حول قدرة الأطراف على الحفاظ على هدنة طويلة الأمد، وما إذا كانت هذه اللحظة قد تمثل بداية لتحولات أعمق.
يمثل الوضع الراهن فرصة للطرفين لتبني سياسة ضبط النفس والبحث عن حلول دائمة، ولكن الوصول إلى استقرار شامل سيتطلب من جميع الأطراف، بما فيها المجتمع الدولي، أداء أدوار أكثر توازناً ومرونة لضمان عدم العودة إلى نقطة الصفر.
باختصار، قد يمثل الوصول الى اتفاق مع لبنان فرصة استراتيجية لإطلاق عملية أوسع تشمل غزة، مما يسهم في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
ومع تزايد الضغوط الداخلية والإقليمية، يمكن أن يدفع هذا المسار الأطراف المعنية إلى الجلوس معاً والتفاوض بجدية، مما قد يؤدي إلى حلول مستدامة في ظل سياق سياسي معقد يتداخل فيه الأمن والمصالح الإقليمية.