التغلغل والنفوذ الإسرائيلي في الإعلام الأميركي بين التجسس والتلاعب بالسرديات الإعلامية وأبعاده السياسية والأخلاقية \ د. شريف نورالدين.

د. شريف نورالدين. بتاريخ: 20 / 10 / 2024
في خضم الحرب الدائرة على غزة والتوتر المتصاعد على جبهة لبنان، يتضح أن المعارك لا تقتصر على الميدان العسكري فحسب، بل تمتد إلى ساحات أخرى أكثر تعقيداً وخفاءً، مثل الإعلام.
ففي الوقت الذي تتطاير فيه الصواريخ وتتصاعد ألسنة اللهب، تُنسج في غرف الأخبار سرديات أخرى تشكل وعي العالم وتحدد ملامح التاريخ المكتوب عن هذه الصراعات.
هنا، يصبح الإعلام أداة استراتيجية لا تقل خطورة عن الأسلحة التقليدية، بل قد تكون أكثر تأثيراً على المدى البعيد.
في هذا السياق، كشف تحقيق مينت برس نيوز عن وجود جواسيس إسرائيليين داخل مؤسسات الإعلام الأميركية الكبرى، مما يثير تساؤلات حول كيفية تغطية هذه المؤسسات للصراع في غزة ولبنان.
إذا كان الخطاب الإعلامي موجهاً أو مشوهاً بفعل تأثيرات خارجية، فإن ذلك يضيف بعداً جديداً وأكثر خطورة إلى الحرب، حيث يصبح الجمهور الغربي ضحية لروايات منحازة ومضللة، تُخفي الحقائق وتُظهر صورة مشوهة عن المعاناة الإنسانية في غزة والجنوب اللبناني.
هكذا، يتحول الإعلام إلى ساحة حرب أخرى، يُحدد فيها مصير الشعوب عبر الكلمات والصور، وليس فقط عبر الطلقات والقنابل.
وفي السنوات الأخيرة، تزايدت الشكوك حول مدى نزاهة المؤسسات الإعلامية الغربية، وخاصة الأميركية، في تغطيتها للقضايا الدولية والسياسية الحساسة.
ومع تعاظم دور الإعلام في تشكيل الرأي العام والتأثير على صنع السياسات، أصبح التساؤل حول مدى استقلالية هذه المؤسسات أكثر إلحاحاً.
تحقيق موقع “مينت برس نيوز”، الذي كشف عن وجود جواسيس إسرائيليين يشغلون مناصب حساسة داخل المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل نيويورك تايمز وسي أن أن، يثير قضية عميقة حول مدى تأثير الأجندات الخارجية على الإعلام الأميركي، وما يعنيه ذلك بالنسبة للمصداقية الصحفية.
في هذا المقال، أبعاد وتداعيات محتملة له على مستويات متعددة؛ من سردية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى تأثير التكنولوجيا الحديثة والتساؤلات الأخلاقية والقانونية التي تثيرها هذه القضية.
– التأثير على السردية الإعلامية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي: الإعلام يلعب دوراً محورياً في تشكيل وجهات النظر العامة حول النزاعات الدولية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعد واحداً من أكثر القضايا حساسية على الساحة العالمية.
إذا كانت هناك بالفعل علاقات بين صحفيين بارزين في المؤسسات الإعلامية الأميركية وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وخاصة وحدة 8200، فإن ذلك قد يؤدي إلى تأثير كبير على كيفية تناول هذا الصراع إعلامياً.
التحيز لصالح إسرائيل في الإعلام الأميركي ليس ظاهرة جديدة، ولكن ما يكشفه التحقيق هو أن هذا التحيز قد لا يكون فقط نتيجة مصالح سياسية أو اقتصادية، بل قد يكون مدفوعاً بوجود أفراد يعملون في هذه المؤسسات الإعلامية لصالح أجندة إسرائيلية محددة.
هذا الأمر يثير مخاوف جدية حول قدرة الجمهور الأميركي على الحصول على تغطية موضوعية وغير منحازة للقضية الفلسطينية، مما يعزز السردية التي تقدم إسرائيل كضحية دائمة ويحجب الانتهاكات التي ترتكبها ضد الفلسطينيين.
– الارتباط بوحدة 8200 ودور التكنولوجيا الحديثة: وحدة 8200 ليست مجرد وحدة عسكرية عادية؛ فهي أكبر وحدة تجسس إلكتروني في إسرائيل والمنطقة بل والعالم، ومتخصصة في جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
إذا كان الصحفيون المتهمون بالعمل لصالح هذه الوحدة يشغلون مناصب في المؤسسات الإعلامية الكبرى، فإن تأثيرهم قد لا يقتصر على الكتابة وتغطية الأخبار، بل قد يمتد إلى استخدام تقنيات متقدمة للتلاعب بالرأي العام.
التكنولوجيا الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة، تتيح وسائل جديدة لتوجيه الأخبار واستهداف الجمهور بدقة. من الممكن أن تستخدم هذه الأدوات لتوجيه الخطاب الإعلامي بما يخدم مصالح إسرائيل، وذلك من خلال تحليل البيانات السلوكية للجمهور الأميركي وتوجيه المحتوى الإعلامي بما يتناسب مع استجاباتهم العاطفية والسياسية.
هذا النوع من النفوذ الرقمي يمثل تحدياً جديداً للنزاهة الإعلامية ويعقد من قدرة الجمهور على التمييز بين الحقيقة والتلاعب.
– الأبعاد الأخلاقية والقانونية: إذا ثبتت صحة الادعاءات حول توظيف جواسيس إسرائيليين في المؤسسات الإعلامية الأميركية، فإن المسألة تتجاوز حدود الصحافة لتصبح قضية أخلاقية وقانونية من الدرجة الأولى.
وجود أفراد مرتبطين بحكومة أجنبية في مناصب مؤثرة داخل الإعلام قد يشكل خرقاً للقوانين المتعلقة بالتجسس والتعامل مع الحكومات الأجنبية، وقد يستدعي فتح تحقيقات جنائية.