بأقلامنا

أوروبا وأميركا عرش الصهيونية النازية العنصرية والابادة الجماعية المتجذرة في تاريخ من اراقة الدماء \ د. شريف نورالدين.

بتاريخ: 17 / 10/ 2024

أوروبا وأميركا عرش الصهيونية النازية العنصرية والابادة الجماعية المتجذرة في تاريخ من اراقة الدماء

في مشهد أثار صدمة وذهولًا واسعًا، ألقى خطاب وزيرة الخارجية الألمانية، نالينا بيربوك، أمام برلمان بلادها، والذي جاء بمناسبة مرور عام على أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
تصدرت تصريحاتها عناوين الأخبار بعد تأكيدها على دعم ألمانيا اللامحدود لإسرائيل، حيث اعتبر الكثيرون أن كلماتها تشكل تبريرًا مباشرًا للجرائم التي تُرتكب في غزة.

فقد أعلنت الوزيرة بأن “أمن إسرائيل جزء أساسي من وجود ألمانيا الحالية”، مشددة على أن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها هو مسؤوليتنا أيضًا”. ورغم تناولها لمسألة الضحايا المدنيين الذين يسقطون نتيجة الغارات على القطاع، أضافت أن “الدفاع عن النفس لا يعني مهاجمة الإرهابيين فحسب، بل تدميرهم”، مما أثار نقاشات حادة حول مشروعية هذا الخطاب في ظل القوانين الدولية.

إن هذه التصريحات تتعارض بشكل مباشر مع المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تؤكد على حماية المدنيين والمرافق الحيوية، وهو ما يُعَد خرقًا واضحًا للقوانين الدولية. فبينما يواصل العالم مراقبة الأحداث في غزة، تظل كلمات الوزيرة محط جدل حول الأبعاد الأخلاقية والسياسية لهذا الدعم، ومدى تأثيره على مفهوم حقوق الإنسان وحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.

من هنا؛ تُعد التصريحات التي أدلت بها وزيرة الخارجية الألمانية، نالينا بيربوك، أمام البرلمان، بمثابة تجاوز خطير لحدود التبرير والتغطية على الجرائم ضد الإنسانية.
في خضم الحديث عن الدعم اللامحدود لإسرائيل، لم تكتفِ الوزيرة بتبني لغة الدعم فحسب، بل قدمت دعوة صريحة وتحريض لتكريس العنف والقتل والدمار في غزة.

إن ما جاء في خطابها يتجاوز حدود المنطق، حيث رُسمت صورة مرعبة لمشروعية إبادة الشعوب تحت ذريعة “حق الدفاع عن النفس”. فعبارات مثل “تدمير الإرهابيين” و”مواجهة الواقع المعقد” تبدو كدعوةٍ صريحة للمشاركة في الأعمال الوحشية، مما يجعل المجتمع الدولي أمام استحقاق أخلاقي كبير لمساءلة هذه المواقف التي تبرر القتل والدمار.

لذلك؛ تعتبر ألمانيا واحدة من أبرز القوى العالمية التي تحمل إرثًا تاريخيًا معقدًا، يرتبط بجرائم مروعة ارتكبتها على مدى عدة قرون.
من الحقبة الاستعمارية التي شهدت إبادة شعوب بأكملها في إفريقيا، إلى الفظائع التي ارتكبتها النازية خلال الحرب العالمية الثانية، واجهت ألمانيا تحديات أخلاقية وسياسية في مواجهة هذا الإرث الثقيل.
ورغم الجهود المبذولة للاعتراف بالجرائم والتعويض عنها، تبقى سياسات ألمانيا المعاصرة – خصوصًا دعمها غير المشروط لإسرائيل – محل جدل واسع، خاصة في ظل انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

وفي ظل صخب العالم المعاصر، تتجدد الأصوات التي تبرر العنف وتعيد تشكيل ملامح الظلم تحت شعارات براقّة. في برلمان ألمانيا، وقفت وزيرة الخارجية نالينا بيربوك، متحدثة بلهجة حازمة، معلنة دعم بلادها اللامحدود لإسرائيل، مدافعة عن حقها في “الدفاع عن النفس”، حتى وإن كان الثمن آلاف الأرواح البريئة في غزة.
كلماتها ترددت عبر أروقة العالم، ليست كأصداء دعم سياسي تقليدي، بل كتذكير مرعب بوجهٍ من وجوه التاريخ الألماني؛ وجهٌ تلطّخ بالدماء منذ عهد الاستعمار، مرورًا بوحشية النازية، وصولًا إلى دعم قوة الاحتلال الصهيوني.

ألمانيا، التي سطرت صفحات قاتمة من الجرائم ضد الإنسانية، لا تزال تلعب دورًا في تعميق المآسي المعاصرة. فكيف يمكن لدولة تحمّلت عبء تاريخ مليء بالإبادة الجماعية، سواء في ناميبيا أو في أقبية أوشفيتز، أن تبرر الفظائع التي تُرتكب باسم “الأمن” اليوم؟ ألم تكن الجرائم النازية في القرن الماضي مرآة لما تفعله الصهيونية في فلسطين؟ وإلى أي مدى يمكن للدعم الأعمى أن يغض الطرف عن الحقائق الأخلاقية والقانونية؟

في ظل هذا الواقع، يظهر المشهد وكأننا أمام مسرح مأساوي يُعاد عرضه؛ عنفٌ متجذر في نازية القرن العشرين ويمتد إلى صهيونية معاصرة، تغذيهما عقلية عنصرية تهدف إلى قهر الشعوب وفرض الهيمنة بالقوة.
وهنا، تقف ألمانيا اليوم شاهدةً وصانعةً لواقع قاسٍ، حيث تُستخدم الآلة الدبلوماسية لتبرير وحشية الحروب بدلاً من بناء جسور للسلام.

سيكتب التاريخ فصولاً جديدة، حيث لا تُمحى الجرائم ولا تُغفر الأكاذيب، وحيث تقف الشعوب المتضررة شاهدةً على وحشية تجاوزت حدود الدعم السياسي لتصل إلى المشاركة المباشرة في جرائم الإبادة. ما يحدث في غزة ولبنان اليوم ليس مجرد نزاعٍ عابر، بل هو انعكاس لمعادلة معقدة تتجسد فيها المصالح السياسية والتحالفات العميقة، حتى وإن كانت على حساب أبسط الحقوق الإنسانية. في ظل تواطؤ القوى الكبرى، وألمانيا في طليعتها، باتت الشعارات البراقة عن الحرية والمساواة مجرّد غطاءٍ هش لتبرير الإرهاب والتطرف العصري الذي تمارسه قوى الاحتلال والإبادة.

سيحكم المجتمع البشري على هذا العصر ليس فقط بما اقترفته الجيوش، بل بما سمح به القادة والدبلوماسيون والسياسيون. فحين تتلاشى القيم الإنسانية أمام منطق القوة والعنف، وحين يصبح الدفاع عن الذات مبررًا لمجازر جماعية، يفقد العالم بوصلته الأخلاقية. المجتمع الألماني والأوروبي، الذي بُني على أنقاض حروبٍ عالمية وتحت شعارات “لا للإبادة، لا للفاشية”، يجد نفسه اليوم أمام واقعٍ مرير يعرّي تلك المبادئ.

ومن أبرز الأحداث التي تثار أحيانًا عند الحديث عن علاقة بين النازية والصهيونية هي اتفاقية هعفراه (Haavara Agreement) التي وُقعت في عام 1933 بين الحكومة النازية وبعض القادة الصهاينة.

هذه الاتفاقية سمحت للكثير من اليهود الألمان بالهجرة إلى فلسطين مع نقل جزء من ممتلكاتهم، في وقت كانت فيه ألمانيا تمنع تهريب الأموال إلى الخارج.
الهدف من الاتفاقية كان دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وهي خطوة استفاد منها الصهاينة.

وعلى الرغم من أن العلاقات الاقتصادية بدأت منذ أوائل الخمسينيات، إلا أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين ألمانيا الغربية وإسرائيل لم تُقم إلا في عام 1965.

في حرب 1967 قبل حرب الستة أيام، قامت ألمانيا بتزويد إسرائيل بمعدات عسكرية بشكل سري، بما في ذلك دبابات وأسلحة ثقيلة، رغم الضغوط العربية على ألمانيا لعدم دعم إسرائيل عسكريًا.

العلاقات الألمانية الإسرائيلية أصبحت أكثر قوة وتنوعًا، ليس فقط على المستوى العسكري، ولكن أيضًا في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية.

ألمانيا أصبحت الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل في أوروبا، مع استثمارات متزايدة وتعاون في مجالات مثل التكنولوجيا المتقدمة والصناعات الطبية.

التعاون الأكاديمي والثقافي بين البلدين ازدهر أيضًا، مع تعزيز برامج التبادل الثقافي والتعليمي.

وخلال العقد الأخير، أصبحت ألمانيا مزودًا رئيسيًا لإسرائيل بالأسلحة المتقدمة، بما في ذلك الغواصات المتطورة التي تمتلك قدرات نووية. وقدمت ألمانيا غواصات من طراز “دولفين” لإسرائيل، بعضها قدمته مجانًا أو بأسعار رمزية كجزء من دعمها لأمن إسرائيل. هذه الغواصات تعتبر جزءًا من قدرة الردع النووي الإسرائيلية.

ان الدعم السياسي المستمر لإسرائيل عبرت عنه المستشارة أنجيلا ميركل (2005-2021) كانت داعمة بقوة لإسرائيل، وقد أكدت مرارًا على أن أمن إسرائيل يمثل “مصلحة قومية” لألمانيا. خلال فترة حكمها، حافظت ألمانيا على موقفها الثابت في دعم إسرائيل سياسيًا في المحافل الدولية.

أما العلاقات الألمانية الإسرائيلية اليوم تعتبر من بين أكثر العلاقات الاستراتيجية تماسكًا في العالم، مع دعم اقتصادي وعسكري مستمر.

وفي مشهد تاريخي يمزج بين الدراما والدماء، نعود بالزمن إلى أواخر القرن الخامس عشر، عندما أبحر الأوروبيون عبر المحيط الأطلسي واكتشفوا “العالم الجديد”، قارةً لم تكن فارغة، بل كانت مليئة بالحياة والحضارات العريقة. لكن ما حمله كريستوفر كولومبوس ورفاقه من أحلام “الاكتشاف” تحول إلى حملات استعمارية مدمرة. على أرض أمريكا، دارت فصول من الإبادة الجماعية، حيث تمت إبادة شعوب الهنود الأصليين لتأسيس مستعمرات أوروبية على أنقاض حضارات عاشت لمئات السنين.

هذا الإرث الدموي الذي بدأ مع المستعمرين الأوائل، تطور ليصبح الأساس الذي بنيت عليه الولايات المتحدة. دولة نشأت من رماد القتل والتهجير القسري للسكان الأصليين، واستمرت عبر تاريخها في استخدام القوة والعنف لفرض هيمنتها. من العبودية التي شقت طرق الاقتصاد الأمريكي على ظهور ملايين الأفارقة المستعبدين، إلى الحروب التوسعية التي امتصت خيرات الشعوب في آسيا وأوروبا، ظل العنف والدمار جزءًا أصيلًا من طبيعة أمريكا.

وجاءت القنبلة الذرية على اليابان في هيروشيما وناجازاكي لتضع آخر لمسات العنف المطلق على القرن العشرين، مُرسخةً بذلك قوة عظمى لا تتردد في استخدام القوة المدمرة لتحقيق أهدافها. ما قامت به أمريكا لم يكن استثناءً أو انحرافًا، بل هو امتداد طبيعي للإرث الأوروبي الاستعماري، حيث تسللت جينات الوحشية والعنصرية من أوروبا إلى أمريكا، لتستمر في مشروعها الدموي عبر العصور.

في ظل هذا الإرث، أصبحت أمريكا اليوم القوة المسيطرة على النظام الدولي. عبر مؤسسات دولية صُممت على مقاسها، كالأمم المتحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي، تفرض إرادتها على العالم، متخذةً من الحرية والديمقراطية شعارات براقة لتغطية سياساتها العدوانية والهيمنة الاقتصادية. وكلما احتاجت لفرض قوتها، تتذكر “الجينات الأوروبية” التي بُنيت على العنف والتدمير.

ليس صدفة أن تسير أمريكا في نفس طريق أجدادها الأوروبيين، فكما أسسوا إمبراطورياتهم على أنقاض الشعوب، ها هي اليوم تمارس نفس الدور، لكنها في قالب عصري أكثر تعقيدًا. من دعمها المطلق لإسرائيل في قتل الفلسطينيين إلى إشعال الحروب في الشرق الأوسط وفرض العقوبات الاقتصادية، تواصل أمريكا استكمال إرثها الوحشي، لتبقى ممثلة لأبشع ما خلفته أوروبا من تطرف وعنصرية.

إنها عولمة الإرهاب والعنصرية التي تشكلت في غرف سياسات أوروبا الاستعمارية، وتحولت في يد أمريكا إلى نظام عالمي لا يعرف سوى القوة والهيمنة. أوروبا وأمريكا هما وجهان لعملة واحدة، لا فرق بينهما في ممارسة الإرهاب والتطرف، فهما أسياد هذا العصر الجديد من الوحشية المتقدمة.

إن التحدي الأكبر الذي يواجه أوروبا واتحادها هو مواجهة هذا التناقض الصارخ بين ما تدّعيه من قيم إنسانية وبين دعمها لمنظومات القهر والإبادة.

هذا التناقض سيظل وصمة على جبين التاريخ الألماني والأوروبي ما لم يتم تصحيح المسار، وتحديد الوجهة نحو عدالة حقيقية تحترم حياة الإنسان وكرامته.

إنهم “اكزينوفيليوس” العصر الحديث، عشاق التدمير والغزو، الذين لا يفرقون بين حضارة وشعب، بل يسعون للسيطرة تحت مسميات الحق والحرية، في حين أن إرثهم المشترك لم يعرف يومًا تلك القيم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى