بأقلامنا

دخول كيان العدو وحزب الله مرحلة الحرب المفتوحة نحو مواجهة شاملة وتأثيرات التوسع الإقليمي على الاستقرار بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٢٥/ ٩ / ٢٠٢٤

 

في خضم التصعيد العسكري بين الكيان وحزب الله، يقف الشرق الأوسط أمام مرحلة حساسة قد تُعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية.
يسعى نتنياهو إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المعقدة، والتي تشمل القضاء على قدرات حزب الله العسكرية، إعادة المهجرين الإسرائيليين إلى مستوطنات الشمال، وفصل الجبهتين اللبنانية والفلسطينية (غزة والضفة) في مواجهة إسرائيل. إلا أن هذه الأهداف تواجه تحديات كبيرة على المستويات العسكرية، السياسية والدبلوماسية، ما يجعل النجاح الكامل فيها بعيدًا عن المتناول.

تصاعد هذا الصراع يأتي في ظل بيئة إقليمية متشابكة، حيث تلعب إيران دورًا محوريًا في دعم الفصائل المسلحة في كل من لبنان وغزة، مما يعقّد محاولات إسرائيل لفصل تلك الجبهات.
إيران، التي تدعم حزب الله وحماس على حد سواء، تسعى إلى إبقاء التوازنات الاستراتيجية في المنطقة لصالح محور المقاومة، الأمر الذي يجعل من الصعب على إسرائيل تفكيك هذا الارتباط عبر عمليات عسكرية تقليدية.
حزب الله، بترسانته العسكرية الكبيرة وتكتيكاته المتطورة، يشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل يصعب التغلب عليه دون تكبد خسائر جسيمة.

في المقابل، يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من التأهب والحشد الوطني، حيث يقنعهم نتنياهو بأن الحرب تهدف إلى تأمين الحدود الشمالية وإعادة المهجرين، مما يزيد من الدعم الداخلي لسياساته العسكرية، ومع استمرار التصعيد على الجبهة الشمالية، تتعزز التوقعات بحدوث هجوم بري محتمل في جنوب لبنان، على الرغم من التهديد الكبير الذي يشكله حزب الله على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

دوليًا، تحظى إسرائيل بدعم قوي من الولايات المتحدة، التي منحتها ضوءًا أخضر لمواصلة العمليات العسكرية بهدف تقليص قدرات حزب الله، وهذا الدعم يزيد من فرص التصعيد العسكري ويعزز موقف إسرائيل في هذه المرحلة.
في الوقت نفسه، تلعب إيران دورًا دبلوماسيًا بارزًا، حيث تحاول تهدئة التوتر عبر تصريحات رسمية، لكنها مستمرة في تقديم الدعم الاستراتيجي لحزب الله، مما يجعل احتمالات التهدئة محدودة على المدى القصير.

على المستوى الإقليمي، تعكس “وحدة الساحات” – التنسيق بين جبهات غزة ولبنان – عمق التحديات التي تواجه إسرائيل في محاولتها السيطرة على الأوضاع. هذا التنسيق يزيد من تعقيد الموقف، حيث تتداخل الأزمات وتتشابك المصالح الإقليمية، مما يجعل أي محاولة لتفكيك هذا التحالف أمراً بالغ الصعوبة.

وفي خضم هذه التطورات، تُثار تساؤلات حول مدى قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على وجودها البحري في المنطقة، خاصة مع تطور “عطب” او استهداف للسفينة الحربية الأمريكية اللوجيستية “يو إس إن إس” في خليج عمان والتي تقدم خدماتها اللوجيستية (نفط،غذاء، واسعافات) الموكلة بحاملة الطائرات ابراهام لنكولن والاخرى ترومان التي ستحط مقابل سواحل لبنان في البحر المتوسط وتأثير ذلك على دعم واشنطن لإسرائيل بشكل مباشر في العمليات العسكرية. هذه الأحداث قد تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الإقليمية في ظل التوترات المتصاعدة.

يظل المشهد الإقليمي مرهونًا بتوازنات دقيقة بين المصالح العسكرية والسياسية.
إلكيات قد يحقق بعض المكاسب التكتيكية، لكنه يواجه صعوبات في الوصول إلى أهدافها الكبرى، و الصراع الحالي يمثل اختبارًا خطيرًا لمستقبل الاستقرار في المنطقة، وأي تصعيد غير محسوب قد يقود إلى مواجهة أوسع نطاقًا يصعب السيطرة عليها، في ظل تصعيد نتنياهو في رسالته الاخيرة الموجهة لبنان وسكان جنوبه بشكل خاص، مع مقاربتها وتحليلها:

أولاً، من المهم النظر إلى رسالة نتنياهو باعتبارها جزءاً من حرب دعائية تهدف إلى تقليل التعاطف اللبناني مع حزب الله.
العدو، على لسان نتنياهو، يسعى إلى إظهار أنه لا يستهدف المدنيين اللبنانيين، بل ينخرط في حرب ضد حزب الله الذي يستخدم “المدنيين كدروع بشرية”، وفقاً لادعائه.
هذا الخطاب يشير إلى محاولة إسرائيلية للضغط على المجتمع اللبناني للتخلي عن دعم الحزب، خاصة في ظل الغارات الجوية التي تستهدف البنية التحتية والمناطق السكنية، والتي أوقعت مئات الضحايا من المدنيين.

ثانياً، يجب أن نضع في الاعتبار أن المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة توتر وحشد وطني، مدفوعاً بالخطاب الحربي لنتنياهو الذي يقنعهم بأن هذه الحرب تهدف إلى تأمين الحدود الشمالية وإعادة المهجرين الإسرائيليين. هذا التأييد الشعبي لنتنياهو يعزز قدرته على اتخاذ قرارات عسكرية قد تشمل تصعيداً برياً في جنوب لبنان، رغم التهديد الكبير الذي يشكله حزب الله بترسانته العسكرية القوية واستهدافه المتزايد للعمق الإسرائيلي.

ثالثاً، على الصعيد الدولي، الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل في هذه الحرب يبدو واضحاً، حيث أعطت الولايات المتحدة ضوءاً أخضر لإسرائيل لمواصلة عمليتها العسكرية بهدف “تصفية” قدرات حزب الله. هذا الدعم يعزز من احتمالات استمرار الحرب وتصعيدها، خاصة مع الحديث عن هجوم بري محتمل.

رابعاً، الموقف الإيراني يظهر أكثر دبلوماسية في هذه المرحلة.
تصريحات الرئيس الإيراني تأتي في سياق محاولة لتهدئة دورة العنف، ولكن في الوقت ذاته، إيران تدرك أن دعمها لحزب الله يظل محورياً في توازن القوى في المنطقة. هذا الدعم يجعل إيران طرفاً رئيسياً في أي جهود دولية للتهدئة، لكن يصعب تصور أن التوتر سيهدأ بسرعة في ظل استمرار التصعيد العسكري.

أخيراً، هناك أيضاً تطورات أخرى مؤثرة على مستوى الاستراتيجية الأمريكية، مثل تعطل السفينة الحربية الأمريكية “يو إس إن إس” في خليج عمان، مما يثير تساؤلات حول قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على وجودها البحري في المنطقة خلال تصاعد الأزمات. هذا قد يؤثر على نشر القوة الأمريكية في المنطقة ويدفع واشنطن لإعادة حساباتها بشأن كيفية دعم إسرائيل في المرحلة القادمة.

في هذا السياق، يمكن القول إن وحدة الساحات التي تربط غزة ولبنان كجبهات مشتركة في مواجهة الكيان تعكس تعقيد الموقف الإقليمي، حيث تتداخل مصالح متعددة الأطراف، ويظل الوضع قابلًا للانفجار على مستويات أكبر مع سيناريو التصعيد الشامل، هذا السيناريو ينطلق من فرضية أن التوتر بين إسرائيل وحزب الله سيتفاقم ليشمل جبهات إقليمية أخرى، بفضل سياسة “وحدة الساحات”. في هذا الإطار، يمكن التوقع بما يلي:

– جنوب لبنان: قد تتسع العمليات الإسرائيلية لتشمل هجوماً برياً موسعاً، مستهدفاً تدمير منصات الصواريخ المتطورة ومخازن الأسلحة الاستراتيجية التابعة لحزب الله، ومعركة برية كهذه قد تشهد مقاومة عنيفة من حزب الله باستخدام صواريخ مضادة للدروع وكمائن في المناطق الوعرة وأنفاقه الضخمة والممتدة تحت الارض وجبالها المقلقة والمرعبة للعدو، ما قد يؤدي إلى استنزاف القوات الإسرائيلية.

– سوريا والعراق: تزامناً مع التصعيد في لبنان، قد يقوم حزب الله وحلفاؤه في العراق وسوريا، المدعومة من إيران، بشن هجمات على مواقع إسرائيلية أو مصالح أمريكية في المنطقة، وخاصة في الجولان أو حتى في العمق العراقي، وهذه الهجمات قد تتضمن استخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيرة.

– اليمن الحوثي: الذي أثبت قدرته على استخدام الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيّرة ضد أهداف سعودية وإماراتية، وهذا الصراع قد بفتح جبهة جديدة ضد حلفاء اسرائيل في الخليج.
هجوم من هذا النوع قد يشكل ضغطاً إضافياً على التحالف الدولي الداعم لإسرائيل، ويزيد من تعقيد المعركة.

– غزة: حركة حماس والجهاد الإسلامي، بالتنسيق مع حزب الله. تكثيف الهجمات الصاروخية على جنوب إلكيان وربما تمتد إلى مناطق أخرى أبعد.
الدعم اللوجستي والأسلحة الذي يتلقاه محور المقاومة من إيران قد يجعل هذا الجبهة أكثر فاعلية، مما يضع الكيان أمام تحدي الحرب متعددة الجبهات.

١- سيناريو الاحتواء المشروط: في هذا السيناريو، تسعى الولايات المتحدة وإيران إلى التدخل الدبلوماسي لمنع الحرب من الانفجار الشامل. هنا تدخل بعض العوامل الحاسمة:

– دبلوماسية التهدئة الإيرانية: إيران تدخل بقوة على خط التهدئة عبر وساطات متعددة مع حلفائها في حزب الله والحوثيين، بهدف تجنب معركة كبرى قد لا تكون في مصلحة طهران خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية الخانقة وغيرها…
تصريحات الرئيس الإيراني تعكس استعداد طهران للعب دور في تهدئة العنف.

– التدخل الدولي: قد تلعب روسيا والصين دوراً محورياً في احتواء التصعيد، وروسيا، كحليف لإيران وسوريا، قد تسعى إلى منع تفجر الأوضاع أكثر خشية من زعزعة الاستقرار في سوريا والمنطقة، حيث لديها مصالح عسكرية كبيرة.
الصين بدورها قد تدفع باتجاه تهدئة الصراع لحماية استثماراتها الاستراتيجية في المنطقة وتأمين تدفق النفط.

– تهديدات حاسمة لحزب الله: الكيان قد يسعى إلى استغلال هذا الوضع لفرض ضغوط عسكرية كبرى على حزب الله، ولكن دون الانجرار إلى معركة طويلة الأمد. هجمات جوية مركزة تستهدف البنية التحتية العسكرية للحزب ولبنان، مع محاولة تجنب التورط في حرب شاملة عبر الضغط على الأطراف الدولية لإجبار الحزب على التراجع.

– التأثير الأمريكي: إدارة بايدن قد تجد نفسها أمام تحدٍّ كبير يتعلق بحماية مصالحها في المنطقة، خاصة بعد حادثة إعطاب السفينة “يو إس إن إس” وخروجها من الخدمة. هذا الضعف اللوجيستي قد يجعل واشنطن أكثر حذراً في توجيه ضربة عسكرية واسعة، مفضلةً الدبلوماسية على التصعيد.

٢- سيناريو الحرب الموجهة والمحدودة: في هذا السيناريو، يسعى الكيان وحزب الله إلى إدارة حرب محدودة الأهداف، بحيث لا تتجاوز عمليات تبادل الهجمات ضمن جبهة واحدة، مع تفادي الانجرار إلى صراع شامل:

– هجمات محددة الأهداف: الكيان يستمر في تنفيذ ضربات جوية وصاروخية على مواقع تابعة لحزب الله في لبنان وسوريا، مع التركيز على تدمير مراكز القيادة ومستودعات الأسلحة المتطورة واغتيال قياداته. الهدف هنا هو تحجيم قدرة الحزب على الرد دون الوصول إلى اجتياح بري شامل.

– ردود محدودة من حزب الله: حزب الله يواصل الهجمات الصاروخية على أهداف إسرائيلية ولكن بوتيرة أقل من التصعيد الشامل، مع التركيز على استهداف العمق الإسرائيلي بشكل محدود للحفاظ على صورته الردعية، مع تفادي استفزاز إسرائيل لتوسيع الحرب.

– دور غزة واليمن: قد تظل جبهة غزة نشطة في تقديم الدعم ولكن دون تصعيد كبير، بينما يكتفي الحوثيين بتوجيه تهديدات دون تنفيذ ضربات واسعة ضد أهداف إسرائيلية أو حليفة.

– ضغوط داخلية: كلا الطرفين سيواجه ضغوطاً داخلية؛ نتنياهو سيحاول موازنة بين رغبة جمهوره في الانتقام وبين الخوف من فقدان السيطرة على الوضع. في المقابل، حزب الله سيوازن بين الحفاظ على قدراته وبين الضغط الشعبي اللبناني المتزايد ضد تدهور الأوضاع الاقتصادية.

٣- خلاصة السيناريوهات: من الواضح أن الوضع في المنطقة هش وقابل للتصعيد أو الاحتواء بناءً على مجموعة معقدة من المتغيرات. إذا ما حدث التصعيد الشامل، فإن المنطقة قد تدخل في حالة حرب غير مسبوقة بمشاركة قوى إقليمية متعددة من اليمن إلى العراق، وهو ما قد يعيد تشكيل خارطة النفوذ في الشرق الأوسط، وفي المقابل، قد يفضي التدخل الدبلوماسي إلى احتواء مؤقت، ولكن لا شيء يمنع من إعادة تفجر الأوضاع إذا لم تعالج جذور الصراع.

في كل الأحوال، ستظل إسرائيل وحزب الله في معركة قوة واستنزاف طويلة الأمد، مع تأثيرات عميقة على الكيان ولبنان والمنطقة برمتها.

* تحقيق أهداف نتنياهو فيما يتعلق بالقضاء على قدرات حزب الله، وعودة المهجرين من مستوطنات شمال فلسطين، وفصل جبهة دعم لبنان عن غزة يواجه تحديات كبيرة ومتعددة الأبعاد. هذه التحديات تجعل من الصعب على العدو، بقيادة نتنياهو، تحقيق هذه الأهداف بالكامل، خاصة في ظل السياق الجيوسياسي والعسكري المعقد، مع تحليل كل هدف بشكل مفصل:

١- القضاء على قدرات حزب الله: الكيان يعتبر حزب الله تهديدًا استراتيجيًا كبيرًا بسبب ترسانته الضخمة من الصواريخ المتطورة والتكتيكات العسكرية التي راكمها منذ حرب 2006. قدرة حزب الله على إطلاق صواريخ ومسيرات تصل إلى عمق الكيان مع استهداف تل أبيب وحيفا في مرمى النيران حاليا.

٢- التحديات:
– الترسانة الضخمة والمتطورة: حزب الله يمتلك عشرات آلاف الصواريخ، بعضها دقيق التوجيه، وإخفاء هذه الترسانة في مناطق وعرة في جنوب لبنان والبقاع يجعل استهدافها الكامل أمرًا صعبًا للغاية. حتى مع العمليات الجوية المكثفة، لا يمكن تدمير جميع هذه الأسلحة دون تدخل بري موسع، والذي قد يكون مكلفًا جداً من حيث الخسائر البشرية والمادية للعدو وكيانه.

٣- تكتيكات الحرب غير المتكافئة: حزب الله يجيد الحرب الهجينة، ويستخدم تكتيكات مضادة للصواريخ والدروع، مما يعني أن أي هجوم بري قد يواجه مقاومة عنيفة. استخدام الأنفاق والمخابئ تحت الأرض يجعل من الصعب القضاء على قدراته العسكرية.

٤- الدعم الإقليمي: حزب الله يحصل على دعم قوي من إيران وسوريا، وهذا الدعم ليس فقط مالياً أو لوجيستياً، بل يتضمن أيضاً تزويده بتكنولوجيا عسكرية متطورة. أي محاولة إسرائيلية لتدمير القدرات العسكرية لحزب الله تواجهصعوبات فائقة مع تعزيزات إيرانية مستمرة.

* النتيجة المتوقعة: القضاء الكامل على قدرات حزب الله العسكرية يبدو غير واقعي في الوقت الحالي. إسرائيل قد تنجح في تقليص بعض قدراته وتدمير بعض البنى التحتية، لكن التهديد سيظل قائمًا وكبيرا، خاصة مع وجود الدعم الإيراني المستمر.

– عودة مهجري مستوطنات شمال فلسطين: نتنياهو يعول على تأمين الحدود الشمالية مع لبنان كجزء من استراتيجيته لإعادة المهجرين من المستوطنات التي تعرضت لهجمات صاروخية.

* التحديات:
– استمرار التهديد الصاروخي: طالما أن حزب الله قادر على إطلاق الصواريخ على الشمال الفلسطيني، فإن أي محاولة لعودة المهجرين ستكون محفوفة بالمخاطر. العدو سيحتاج إلى ضمان وقف إطلاق النار بشكل دائم أو تدمير قدرة الحزب على استهداف المستوطنات، وهو أمر يصعب تحقيقه دون التوصل إلى اتفاق تهدئة شامل أو إنهاء النزاع تمامًا.

– الحروب طويلة الأمد: الصراع مع حزب الله مستمر منذ سنوات طويلة، ومع عدم وجود أفق واضح لإنهائه، فإن احتمالات استقرار الشمال الفلسطيني على المدى القصير تبدو ضئيلة، حتى إذا تراجع التهديد مؤقتًا، سيظل المدنيون في تلك المنطقة يشعرون بالخوف من تجدد الهجمات.

– النتيجة المتوقعة: من المحتمل أن يتمكن نتنياهو من تحقيق تهدئة مؤقتة، مما يسمح بعودة بعض المهجرين. ولكن أي عودة ستكون مشروطة بمدى استدامة الهدوء في المنطقة، وهو أمر مشكوك فيه على المدى الطويل في ظل وجود حزب الله على الحدود.

* فصل جبهة لبنان عن غزة: الكيان يسعى لفصل جبهة الدعم بين حزب الله وحركات المقاومة في غزة (حماس والجهاد الإسلامي)، حيث تشكل “وحدة الساحات” تحديًا للعدو وكيانه، مما يزيد من صعوبة مواجهة عدة جبهات في وقت واحد.

– التحديات:
١- التنسيق العالي بين الأطراف: حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي لديهم تنسيق متزايد، خاصة في ظل الرعاية الإيرانية. هذا التحالف يمنحهم القدرة على تبادل الخبرات والمعلومات وحتى الأسلحة. فصل هذا التنسيق يتطلب عمليات استخباراتية معقدة وعمل دبلوماسي على مستوى عالي.

– استمرار الدعم الإيراني: إيران تسعى إلى إبقاء الجبهات موحدة كجزء من استراتيجيتها لإضعاف العدو على عدة محاور.
دعم إيران لحزب الله وحماس يجعل من الصعب فصل الجبهتين، حيث أن طهران تعتبر هذا التنسيق أداة رئيسية في زيادة الضغط على الكيان.

– الأزمات الإنسانية: محاولات فصل جبهة لبنان عن غزة قد تواجه تحديات إنسانية كبيرة. أي هجوم على غزة قد يؤدي إلى انتفاضة شعبية في لبنان والعكس صحيح، مما يعزز التضامن بين هذه الجبهات بدلاً من تفكيكها.

– النتيجة المتوقعة: قد ينجح العدو في إضعاف بعض جوانب التعاون بين الجبهتين، ولكن فصل الجبهات بالكامل يبدو غير مرجح في ظل الوضع الراهن. “وحدة الساحات” ستظل استراتيجية رئيسية في مواجهة الكيان طالما استمر الدعم الإيراني والتنسيق بين الفصائل.

في النهاية؛ يبدو أن نتنياهو سيواجه صعوبة كبيرة في تحقيق أهدافه بالكامل. القضاء على قدرات حزب الله العسكرية قد يكون جزئياً، مع بقاء الحزب قادرًا على تهديد إسرائيل.
عودة المهجرين إلى مستوطنات الشمال ممكنة مؤقتًا، لكن الاستقرار طويل الأمد يظل محفوفًا بالمخاطر. أما فصل جبهة لبنان عن غزة فهو هدف صعب التحقيق في ظل التنسيق الوثيق بين الحركات المدعومة من إيران.

أي نجاح لنتنياهو سيكون نسبيًا ومؤقتًا، وسيعتمد بشكل كبير على مدى القدرة على إدارة الصراع وليس حله جذريًا.

*؛خاتمة:
في ضوء المعطيات العسكرية والسياسية التي تحيط بهذه الحرب، تتضح تداعياتها المعقدة والبعيدة المدى على الأطراف كافة. بالنسبة للكيان، قد تحقق بعض المكاسب التكتيكية على المدى القصير، مثل إضعاف ترسانة حزب الله أو تحييد تهديدات معينة، لكن هذه المكاسب ستكون مكلفة، سواء من حيث الخسائر البشرية أو المادية، كما أن خطر التهديدات الصاروخية سيظل قائمًا ما دام حزب الله محتفظًا بقدراته العسكرية الأساسية والدعم الإقليمي، خاصة من إيران. وبالتالي، سيكون الاستقرار الهش في شمال إفلسطين قابلاً للاهتزاز مجددًا، مما يحد من تحقيق أي “نصر” ،بل مع تحقيق نصر لحزب الله حاليا على الشمال في ظل تفريغه وتدميره وتهديده..

حزب الله، بدوره، ورغم تعرضه لضربات موجعة، سيواصل قوته الردعية، مما يعزز من موقعه داخل لبنان وفي المنطقة كقوة مؤثرة.

أما على صعيد غزة، فإن الدعم المستمر لحزب الله قد يعني استمرار المواجهة بين الفصائل الفلسطينية والعدو، مما يفاقم أزمة غزة الإنسانية ويزيد من عزلتها الدولية الاميركية الغربية العربية، ولكن من منظور المقاومة، ستظل غزة جزءًا من محور المواجهة، مما قد يكسبها دعمًا شعبيًا في بعض الأوساط الإقليمية.

دوليًا، يمكن القول إن هناك خسائر على مستوى الاستقرار الإقليمي، حيث تؤدي هذه الحروب المتكررة إلى إضعاف فرص السلام وإعادة ترسيخ الانقسام في الشرق الأوسط بين محاور الصراع، خصوصًا في ظل استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل المطلق والغربي والعربي، والدور الإيراني في دعم محور المقاومة(وحدة الساحات) .

في النهاية، لا يمكن الحديث عن “رابح” أو “خاسر” واضح في هذا النزاع؛ فالكل يدفع ثمنًا باهظًا، سواء كان عسكريًا أو اقتصاديًا أو إنسانيًا.
الحرب ستترك وراءها ندوبًا عميقة على كل الجبهات، ولن تحقق حلاً جذريًا لأي من الأطراف.
كل ما ستنتجه هذه المواجهة هو مزيد من التوتر وعدم الاستقرار، في منطقة أنهكتها الحروب، ومصيرها مرتبط بتوازنات قوى معقدة يصعب تغييرها بشكل جذري.

زر الذهاب إلى الأعلى