بأقلامنا

مفترق طرق استراتيجيات الصراع والردع في خضم الأزمات المتشابكة بالشرق الأوسط بقلم د. شريف نورالدين

بتاريخ: ٢٢ / ٩ / ٢٠٢٤

 

التحولات الديناميكية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تتجلى فيها معادلات الصراع بأبعادها المعقدة، حيث تتشابك الأبعاد العسكرية والدبلوماسية لتشكيل مشهد استراتيجي متداخل. يتصدر هذا المشهد صراع، الذي يمثله التحالف بين إيران وحلفائها من جهة، والكيان وداعميه من جهة أخرى، حيث تبرز أهداف كل طرف في تعزيز التحكم والسيطرة على الساحة الإقليمية. مع تصاعد التوترات على جبهات متعددة، بما في ذلك لبنان وغزة وسوريا، يظل السؤال الأهم هل ستؤدي هذه الديناميكيات إلى حروب شاملة، أم ستنجح الجهود الدبلوماسية في احتواء الصراع وتحقيق استقرار نسبي؟

وفي ظل التحديات الاستراتيجية الحالية وآفاق التحولات المحتملة في المستقبل ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، تتشابك المصالح والأهداف الإقليمية لتشكّل مشهدًا معقدًا تُديره أطراف متعددة من خلال أدوات متباينة، بين الحرب بالوكالة، والتصعيد العسكري، والدبلوماسية الحذرة. تبرز في قلب هذا الصراع القوى الفاعلة، مثل إميركا وإيران، كل منهما يسعى لترسيخ ارادته السياسية الإقليمية وإعادة رسم حدود القوة والنفوذ. وبينما تواجه إسرائيل خطر جبهات مفتوحة مع حزب الله في لبنان وحماس في غزة، تسعى إيران إلى تعزيز محور المقاومة، مستخدمة أذرعها العسكرية والسياسية في اليمن، سوريا، والعراق للضغط على إسرائيل وحلفائها الإقليميين والدوليين.

في هذا السياق، يتصدر مشهد التصعيد العسكري الأخير بين حزب الله وإسرائيل، حيث تتداخل ضربات صاروخية مستمرة مع هجمات نوعية تستهدف مراكز حساسة في العمق الإسرائيلي، مثل منشآت “رافائيل” التكنولوجية ووحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200. يقابل هذا التحرك حملة عسكرية إسرائيلية تهدف إلى تقويض قدرات حزب الله وردع إيران عن المضي قدمًا في دعم حلفائها.
لكنّ هذا الصراع لا يقتصر على البعد العسكري فقط؛ إذ تلعب الدبلوماسية الإيرانية دورًا محوريًا في الحفاظ على توازن القوة دون الانجرار إلى حرب شاملة، مما يجعل من المنطقة ساحة لمعادلة دقيقة بين التوتر والتحفظ.

ومع تعنت حكومة نتنياهو ورغبته في تحقيق مكاسب سياسية داخلية عبر توجيه الرأي العام نحو أمن إلكيان المهدد، ومع الدعم المطلق من الولايات المتحدة، تقف المنطقة على حافة الهاوية.

كل هذه التفاعلات تفتح الباب للتساؤلات حول مصير الشرق الأوسط، واحتمالات اندلاع حرب شاملة قد تشمل أطرافًا عدة، أو نجاح الدبلوماسية في تهدئة الأوضاع قبل انزلاقها إلى مواجهات أكثر خطورة.

وهذا الصراع، الذي يمتد من لبنان إلى غزة، ومن اليمن إلى سوريا والعراق، ليس فقط اختبارًا لقوة السلاح، بل هو أيضًا اختبار لصبر وتكتيكات اللاعبين الإقليميين والدوليين في مواجهة معادلة سياسية-عسكرية معقدة، حيث يتداخل الضغط العسكري مع السعي لتحقيق مكاسب سياسية في سباق مع الزمن لترسيخ قواعد جديدة للعبة في المنطقة.

ومع هذا المشهد المتأزم، يبدو أن الشرق الأوسط يقف عند مفترق طرق حاسم، حيث تتداخل المعارك العسكرية مع المناورات الدبلوماسية في سباق لا ينتهي على التحكم والسيطرة.

لذا؛ التصعيد بين إلكيان وحلفاء إيران، مثل حزب الله وحماس، يمثل انعكاسًا لصراع أعمق يمتد عبر دول المنطقة، ما يجعل أي خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة يصعب احتواؤها.
ورغم تعنت الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو ورغبتها في كسر شوكة المقاومة، تظل إيران حريصة على حلفائها الإقليميين دون الوصول إلى صدام مباشر، مع الحفاظ على توازن دقيق بين التصعيد وضبط النفس.

التصعيد العسكري الأخير، الذي يشمل تبادل الضربات على أهداف حساسة في العمق الإسرائيلي، يعكس استراتيجيات متناقضة. يسعى حزب الله، بدعم إيراني، لفتح جبهات متعددة للضغط على إسرائيل، بينما تحاول الأخيرة ضرب البنية التحتية للمقاومة لمنع أي تصعيد أكبر مع تكتيكات لتحقيق الاهداف.

ومع تعدد التكتيكات المستخدمة في الصراع في الشرق الأوسط، حيث تشمل:

– دعم الحرب : تعمل إيران ليلا نهارا على دعم حلفائها مثل حزب الله والحوثيين لتقويض القوة الإسرائيلية.
من خلال توفير التمويل والتسليح للحلفاء لزيادة قدرتها على المناورة في مواجهة التحديات.

– الضغوط العسكرية: تتضمن التكتيكات العسكرية توجيه ضربات استباقية لمنشآت حساسة داخل الكيان لمنع التصعيد.
كما تسعى الأطراف المعنية لفتح جبهات متعددة، مما يزيد من الضغط على الكيان الإسرائيلي من عدة مناطق.

– الدبلوماسية الحذرة: تلعب الدبلوماسية دورًا محوريًا، حيث تتم المفاوضات خلف الكواليس مع القوى الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة لتخفيف حدة التوتر. تتجنب الأطراف التصعيد المباشر من خلال الحفاظ على توازن القوى.

– الترويج الإعلامي: تُستخدم حملات دعائية لتعزيز الروايات السياسية وزيادة الدعم الشعبي للجهود الحربية.
تسليط الضوء على الانتصارات العسكرية يعزز الروح المعنوية ويزيد من الدعم الداخلي.

– التحالفات الإقليمية: تسعى الأطراف لتشكيل تحالفات مع دول مثل سوريا والعراق لتعزيز قوتها الإقليمية. يتم بناء علاقات مع حركات المقاومة في مناطق مختلفة لتعزيز موقفها في الصراع لتحقيق الاهداف ومنع العدو من تحقيقه.

وتتجلى الأهداف الاستراتيجية للصراع في:
– تعزيز النفوذ الإقليمي: يسعى كل طرف إلى السيطرة على مجالات النفوذ في الشرق الأوسط وتوسيع دائرة الحلفاء.

– ردع إلكيان: تهدف الأطراف إلى تقويض القدرة العسكرية الإسرائيلية ورفع تكاليف أي تصعيد عسكري ضد حلفاء إيران.

– تحقيق مكاسب سياسية: يُستخدم الصراع كوسيلة لتدعيم الموقف الداخلي للحكومات المعنية وزيادة الدعم الشعبي كما يفعل نتنياهو وبن غفير وسموتريتش المتطرفون.

– استغلال الأزمات: تسعى الأطراف للاستفادة من الأزمات السياسية والاقتصادية في الدول المجاورة لتعزيز مواقعها كما يحصل في لبنان والدور الاميركي فيه.

– تحقيق استقرار نسبي: تهدف الأطراف إلى تحقيق توازن قوى يسمح لها بالحفاظ على استقرار المنطقة دون الانجرار إلى حروب شاملة، وهذا الدور التي تقوم فيه ايران وحلفائها جاهدين من أجله.

وفي ظل تداخل هذه التكتيكات والأهداف، مما يجعل الصراع معقدًا ومتعدد الأبعاد، في بيئة تتسم بالتوتر والصراع المستمر.

لكن هذا الصراع لا يقتصر على البعد العسكري التكتيكي فقط وتحقيق اهدافه. بل تلعب الدبلوماسية الإيرانية دورًا محوريًا في الحفاظ على توازن القوى دون الانجرار إلى حرب شاملة.

تسعى إيران في الضغط دون الوصول إلى مواجهة مباشرة، مما يدل على إدراكها للمخاطر المحتملة.

من جهة أخرى، فإن نتنياهو وحكومته اليمينية، في ظل الضغوط الداخلية، قد يرون في التصعيد العسكري وسيلة لحشد الدعم الشعبي، ومع ذلك، يدرك إلكيان أن الحرب الشاملة ستكون مكلفة للغاية، ما يجعل خيار “الحروب المحدودة” أكثر جاذبية.

لكن في ظل الدعم الغربي اللامحدود لإسرائيل، وصمت بعض الأطراف العربية، والتوتر المتصاعد في ساحات متعددة كاليمن وسوريا والعراق، يبقى مستقبل المنطقة مفتوحًا على جميع الاحتمالات. فإما أن تنجح الدبلوماسية في تهدئة العاصفة واحتواء التصعيد، أو أن تتدحرج الأحداث نحو مواجهة كبرى قد تعيد رسم خريطة القوة في الشرق الأوسط لعقود قادمة، وفي كلتا الحالتين، يبدو أن المنطقة ستظل رهينة هذا الصراع المعقد بين الاستراتيجيات العسكرية والسياسية المتداخلة.

تتداخل جميع هذه العناصر في معادلة معقدة، مما يفتح الباب للتساؤلات حول المستقبل. هل يمكن أن تنجح الدبلوماسية في احتواء الأزمات، أم أن التصعيد العسكري سيقود إلى حرب شاملة تعيد رسم خريطة المنطقة؟
في النهاية، يبقى المستقبل مفتوحًا على جميع الاحتمالات، مع استعداد الأطراف لتعديل استراتيجياتها وفقًا لمتغيرات المشهد الإقليمي والدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى