تحقيقات

مواسم ثقافيّة” جنوبيّة بالجملة تقاوم العدوان والإحتلال بالألوان والكلمة

كتب علي ضاحي \ الديار \ 11 تشرين الأول 2025

بين حزيران وتشرين الأول 2025، بدا الجنوب اللبناني وكأنه ينهض من تحت الركام حاملًا ريشة ودفترا. من الزرارية إلى صور وبنت جبيل ودير قانون النهر والعباسية وبرج رحال وباريش وصيدا، تحوّلت القرى والمدن إلى ورش مفتوحة للفن والشعر والاحتفاء بالحياة، في مشهد جمع بين الذاكرة والحلم، وبين التعافي والمقاومة الثقافية.

كثيرة هي المنتديات والجمعيات والتجمعات الجنوبية الناشطة على مدار العام، لا سيما في الآونة الاخيرة، وتحديداً في ذكرى العدوان الاولى من “البيجر” واجهزة اللاسلكي، الى إحياء استشهاد الامينين العامين لحزب الله السيدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين.

وفي ظل جراح الحرب التي لم تندمل بعد، توالت النشاطات التي نظمتها جمعية “صوت الفرح” و”هلا صور”، و”يا صور” في صور، ومكتبة “لافندر” في دير قانون النهر، بالاضافة الى “المنتدى الثقافي للعباسية”، و”بيت السيدة الزهراء الثقافي” في برج رحال، و”مؤسسة سعيد وسعدى فخري”، ومنتدى “ألوان وحبر ولون”، و”ملتقى الفنانين الجنوبيين”، بالاضافة الى نشاطات بلدية ثقافية وتربوية لبلديات باريش ومعروب وبرج رحال ودير قانون النهر وطور ومعركة.

هذه النشاطات اعادت إلى الساحة نبضاً من الضوء والأمل. مهرجانات، أمسيات شعرية، معارض، وورش فنية للأطفال والشباب، رسمت لوحة بديلة للجنوب الموجوع.

قرّرنا البقاء في هذا البلد نغامر

وفي شهادات عن هذه الحركة الثقافية الجنوبية، يكشف عبد الحليم حمود، وهو يتحدر من قرية انصار الجنوبية، وهو فنان كاريكاتوري وتشكيلي وروائي وشاعر، وناشر لدار “زمكان” للطباعة والنشر، بالشراكة مع شادي منصور الباحث والمؤلف والاديب والصحافي من البلدة نفسها، ان الدار مستمر بنشر المؤلفات على انواعها، واصدار مجلتين شهريتين ورقتيتين “بوليتيكا” و”البعد الخامس”.

ويشدد حمود لـ”الديار” على ان الاصرار على النشر والكتابة، هو للتأكيد اننا نتابع الحياة كأنها طبيعية وعادية، لإننا قررنا البقاء في هذا البلد نغامر، ويحملنا الدافع الانساني والابداعي والثقافي ان نستمر، وان لا نخضع للتهديدات الامنية والعدوانية.

ويتابع: بعد الحرب اصداراتنا زادت عما قبلها، وازدادت مشاريعنا، لذلك نتمدد في المناطق اللبنانية، ونتواجد في الجنوب من دون ان نخضع للتهديد من هنا وهناك اكان صاعداً او هابطاً.

لم نقبل يُلغي العدو نشاطاتنا

وفي دير قانون النهر، حيث يوجد مرقد ومقام السيد الهاشمي الشهيد هاشم صفي الدين، وهي قرية زاخرة بالعلماء والشهداء على غرار كل القرى الجنوبية، تكشف صاحبة ومديرة مكتبة “لافندر” الناشطة في مجال الثقافة والنشاطات زينب قصير لـ”الديار”، ان المكتبة دخلت عامها السادس على التأسيس، وهي خلقت مناخاً ثقافياً واعداً، وان الكتاب اساسي وليس ثانوياً في حياة الناس اليومية، من خلال النشاطات التي تقوم بها بشكل دوري واسبوعي.

وتلفت الى تأسيس مجموعة من 15 شخصاً تلتقي كل 15 يوماً لمناقشة كتاب، واذا كان الكاتب او المؤلف موجوداً، فالنقاش يستمر لساعات، ولهذه النقاشات متعة وحيوية وكأنها جلسات علاجية فكرية وثقافية وترفع “الادرينالين”. كما تلفت الى جلسات توعية وورش، ويحاضر فيها متخصصون في علم النفس والدين ومختلف نواحي الحياة.

وتشير الى ان المكتبة تحولت الى مركز ثقافي بوجود مجموعة ثابتة حاضرة دائمة، وهذا المجتمع الثقافي الصغير هو نواة لمجتمع ثقافي اوسع، وهكذا دواليك. وتلفت الى ان المكتبة تحولت ايضاً الى محطة للادباء والشعراء والكتاب لتوقيع كتبهم، وهذا النشاط يتكرر اسبوعياً ودورياً.

وعن الحراك الثقافي بعد الحرب، تؤكد قصير انها والفاعلين في المكتبة، لم يؤجلوا اي نشاط بسبب العدوان الصهيوني او التهديدات. وتقول : لم نقبل ان يغير العدو مواعيدانا ويلغي نشاطاتنا واصرارنا ينبع من المقاومة ورفض كل اشكال العدوان والاحتلال والظلم. وتلفت الى انه خلال الحرب والنزوح كانت المكتبة تسعى الى تبديل الكتب وتداولها بين الافراد والاعضاء، لتحقيق الفائدة بعد انتهاء العدوان.

نشاطات بالجملة

وفي مرجعيون وصور، نظم منتدى “ألوان” سلسلة معارض فنية في تموز وآب، بمشاركة فنانين محليين قدّموا لوحات تعبّر عن الدمار والتحوّل والقدرة على النهوض.

الملتقى حمل عنوان “جنوبنا يعيش”، وضمّ أكثر من 30 لوحة تشكيلية لفنانين من صور وبنت جبيل والنبطية. كما أقام ورشة بعنوان “لون بيتك”، شارك فيها تلاميذ مدارس رسموا على جدران مهدّمة شعارات الحياة والقدرة. هذا النشاط، حوّل المساحات المهدّمة إلى معارض مفتوحة في الهواء الطلق.

وفي النبطية، أحيا المجلس الثقافي الجنوبي، بالتعاون مع كتاب وأدباء من مختلف الأقضية، أمسية شعرية بعنوان “الجنوب يكتب نفسه” في 15 أيلول 2025، تخللها قراءات نصوص لاصوات شابة عن الحرب والحب والذاكرة، فيما خُصص القسم الختامي لقراءة في رواية “صدى لا يموت”، التي تناولت تجربة النزوح والعودة.

بلديات الجنوب، التي كانت منشغلة حتى وقت قريب بإزالة الأنقاض، فتحت ساحاتها للأنشطة الثقافية. ففي صيدا، نظمت البلدية بالتعاون مع الجمعيات المحلية مهرجان البحر والكتاب في أواخر أيلول. كما نظمت مؤسسة الحريري في أكاديمية الدولة الوطنية بصيدا، حوارا تحت عنوان “من حقي أن أسأل”، بمشاركة نحو 50 شاباً وشابة.

وتناول المنتدى قضايا الذكاء الاصطناعي، التنمية، المناخ، التعليم، والبنى التحتية، عبر جلسات تفاعلية وتدريبات عملية.

وشهدت بنت جبيل معرض صور بعنوان “ذاكرة المكان” يوثّق التحولات العمرانية بعد الحرب.

أرقام أولية

وفي احصاءات خاصة بـ”الديار”، نُظِّم في الجنوب اللبناني بين حزيران وتشرين الأول 2025، نحو 27 فعالية ثقافية وفنية بين معارض وأمسيات ومهرجانات. وشارك فيها أكثر من 130 فنانا وشاعرا، وقرابة 5 آلاف زائر.

60٪ من النشاطات كانت بتمويل محلي (مؤسسات أهلية وبلديات)، و40٪ بدعم مشترك من منظمات ثقافية وإغاثية. وهذه الأرقام تعكس موجة تعافٍ ثقافي غير مسبوقة منذ حرب تموز 2006.

معرض للكتاب في صور

وفي مدينة صور، تتحضر جمعية “هلا صور” ومؤسسها عماد سعيد، لإطلاق فعاليات معرض الكتاب العربي الـ11 تحت عنوان “الكتاب منارة الوعي في مواجهة التحديات”، وذلك عصر الخميس في 30 تشرين الاول الجاري، برعاية وحضور العلامة السيد علي فضل الله.

ويكشف سعيد لـ”الديار” ان هذا المعرض وللعام الـ11 على التوالي، لم يتوقف رغم التحديات الصحية والامنية والعدوان الصهيوني المستمر على الجنوب، والظروف الاقتصادية الصعبة. ويؤكد ان اهمية هذا المعرض تكمن في تأكيد ان الجنوب المقاوم لا يستسلم، وفيه كل اشكال المقاومة العسكرية والصمود الشعبي والكلمة الحرة، وان يأتي هذا العام تحد للعدوان المستمر ومقاومة للاحتلال المستمر للقرى الجنوبية، والتي تعرضت لإبادة شاملة، وهو تأكيد على ان ارادة الحياة اقوى من الموت والدمار والإحتلال.

ويشير الى ان المعرض يتضمن 4 اجنحة ومنها جناح لفلسطين، وسيمتد المعرض على مدى 13 يوماً. ويتضمن ندوات وتكريمات ونشاطات ثقافية، وسيكون هناك حضور من خارج لبنان ومن مصر تحديداً.

زر الذهاب إلى الأعلى