أخبار لبنان

الراعي استنكر “الحرب الإبادية” على غزة ودعا الى تحييد لبنان: عدم انتخاب رئيس مخالفة متعمدة للدستور

وطنية – إفتتح البطريرك الماروني الكردينال مار بشاره بطرس الراعي دورة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، في حضور السفير البابوي باولو بورجيا والمطارنة والرؤساء العامّين والرئيسات العامات.

وألقى كلمة قال فيها: “يسعدُنا أن نلتقي هذه السنة أيضًا على خير بنعمة الله، فنرحّب بالأعضاء الجدد المنضمّين إلى مجلسنا وهم: قدس الرؤساء العامّين الأباتي إدمون رزق للرهبانية المارونية المريمية، والأباتي جوزف بو رعد للرهبانية الانطونية المارونية، والارشمندريت إيليا بطّيخة للرهبانية الباسيلية الحلبية، والمونسنيور باتريك مراد النائب البطريركي على أبرشية بيروت البطريركية للأرمن الكاثوليك لبيت كيليكيا.
ونشكر الأعضاء الذين انتهت ولايتهم بالخلافة أو تمّ تعيينهم في مكان آخر. فنذكر بالتقدير والشكر سيادة المطران جورج اسادوريان الذي عُيِّن إكسرخوسًا بطريركيًّا على الإكسرخوسية البطريركية للأرمن الكاثوليك في دمشق.

ويؤلمنا أن يغيب عنا المرحوم الارشمندريت الياس خُضَري الرئيس العام للرهبانية الباسيلية الحلبية. ففيما نجدّد التعازي الحارّة للرهبانية الجليلة بشخص رئيسها العام الحاضر معنا، نقف ونصلّي الأبانا والسلام لراحة نفسه، راجين أن يعوّض الله بدعوات ورهبان قدّيسين.

نلتقي فيما لبنان يعاني من أزمة سياسية حادّة حرمته من رئيس منذ سنة، من دون أيّ مبرّر، ولكنّنا نعرف السبب، وهو مخالفة متعمِّدة للدستور. ويا ليتنا نعرف لماذا؟ بل نعرف واحدة وهي أنّ أوصال الدولة تتفكّك، والأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية تتفاقم، وشعبنا يفتقر، وخيرة قوانا الحيّة تهاجر، وعدد النازحين السوريّين يتزايد يومًا بعد يوم بالوافدين وبالمولودين، حتى باتوا يعدّون حاليًّا مليونًا ونصف المليون، والعدد يتزايد كلّ يوم على حساب اللبنانيّين ولقمة عيشهم وأمنهم واقتصادهم وثقافتهم. أمام هذا العبء الثقيل وهذا الخطر نطالب الأسرة الدولية بمساعدتهم على أرض سوريا لا في لبنان ليتمكّنوا من استعادة حياتهم في وطنهم وعلى أرضهم. فيحافظوا عليها وعلى ثرواتها، ويواصلوا كتابة تاريخهم عليها”.

 

أضاف: “نجتمع وشبحُ الحرب الدائرة بين إسرائيل والفلسطينيين جاثم على حدودنا الجنوبية. وفيما نستنكر بشدّة هذه الحرب الإبادية والمدمِّرة والتهجيرية بحقّ الشعب الفلسطيني، فإنّنا نتضامن معهم وندافع عن قضيّتهم ونساند الحلّ بإنشاء الدولتَين، ونطالب المجتمع الدولي العمل على إيقاف هذه الحرب وما تنطوي عليه من قتل وتدمير وتهجير وتدنيس للأرض التي قدّسها المسيح الفادي بأقدامه وغسلها بدمه المُراق على الصليب. وندعو المسؤولين في الدولة اللبنانية العمل على تحييد لبنان عن ويلات هذه الحرب، هذه الحرب المدمِّرة، وعلى القيام بدوره السياسي والديبلوماسي الداعم للقضية الفلسطينية، وهو أجدى. وذلك في التمسّك بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 الذي يأمر إسرائيل وحزب الله بالوقف الفوري لكل الهجمات والعمليات العسكريّة من الجانبين.
إنّنا ندينُ بشدّة المجزرة البشعة التي طالت أطفالاً أبرياء، من طلاّب مدارسنا الكاثوليكية، في مدرسة راهبات القلبَين الأقدسيَن في عين إبل، وإننا نقف الى جانب أهالي الطلاّب الضحايا ورفاقهم في المدرسة، والى جانب إدارة المدرسة ورهبانية القلبَين الأقدسَين، ندعو أبناء الكنيسة في كنائس لبنان وجميع المؤسّسات الى وقفة صلاة من أجل إنهاء مظاهر العنف بكل وجوهه، وأن يمنّ الله على المسؤولين روح الحكمة، لكي يعملوا لما فيه خير كل مواطن لاسيّما في الأراضي المقدّسة. وإننا نعرب عن ألمنا الكبير للعائلة التي سقطت بكاملها بالأمس في الجنوب، نعزّيها ونصلي من أجلها.
ويبقى الأمل في الجيش اللبنانيّ المؤتمن مع القوّات الدوليّة على الأمن في الجنوب والحدود وسائر المناطق اللبنانيّة. فمن أجل الإستقرار في البلاد، يجب تحصين الجيش والوقوف إلى جانبه وعدم المسّ بقيادته حتى إنتخاب رئيس للجمهوريّة. فالمؤسّسة العسكريّة اليوم هي أمام استحقاق مصيريّ يهدّد أمن البلاد. وليس من مصلحة الدولة اليوم إجراء أي تعديلات في القيادة. بل المطلوب بإلحاح انتخاب رئيس للجمهوريّة، فتسلم جميع المؤسّسات”.

وتابع: “تتناول دورة المجلس لهذه السنة موضوعَين أساسيَّين: الاوّل، حضور المسيحيين الشاهد في لبنان؛ والثاني، هوّية المجلس وعمل لجانه والهيئات التابعة له في ضوء مسيرة الكنيسة السينودسية.
بالنسبة إلى الموضوع الأوّل، يقتضي “حضور المسيحيّين الشاهد في لبنان” الالتزام برسالتهم في الداخل والخارج، وهي إعلان إنجيل يسوع المسيح، إنجيل المحبة والحقيقة والعدالة، قولًا وعملًا ومسلكًا. بهذه الرسالة نعيش الشركة ببُعدَيها: العامودي وهو اتّحادُنا بالله، والأفقي وهو وحدتنا وتعزيز الوحدة بين جميع الناس؛ ونلتزم جميعًا بالمشاركة في وضع امكاناتنا ومواهبنا وعطايا الله لنا ومؤسّساتنا على أنواعها في سبيل تحقيق رسالتنا، وتأدية الخدمة المطلوبة منا.
هذه الكلمات الثلاث: شركة ومشاركة ورسالة، هي بمثابة أعمدة تقوم عليها الكنيسة السينودسية المنشودة التي كانت موضوع دورة سينودس الأساقفة في حاضرة الفاتيكان طيلة شهر تشرين الأول الماضي. وطلبت من سيادة أخينا المطران منير خيرالله أن يقدّم لهذا المجلس ملخّصًا عن تلك الدورة.
أما الموضوع الثاني المختصّ “بهوية المجلس وبنيته وعمل لجانه وهيئاته في ضوء مسيرة الكنيسة السينودسية”، فهو بشكلٍ ما تطبيق للأوّل. ما يعني أنّ مكوّنات المجلس مدعّوة للعمل بروح الكنيسة السينودسية ومبادئها، وهي: الإصغاء المتبادل، والصلاة، والتمييز في ضوء كلمة الله التي هي يسوع المسيح، وفتح الأذهان لِما يقوله الروح القدس للكنيسة. ونأمل أن يتمّ طرح هذا الموضوع ومناقشته في مثل هذا الجوّ.
إنّ مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، بهوّيته وبكلّ لجانه وهيئاته، مؤتمن على “حضور المسيحيّين الشاهد في لبنان”. قلنا أنّ حضور المسيحيين الشاهد هو: “إعلان إنجيل يسوع المسيح”. ويعني أيضًا الشهادة بالثقافة المسيحيّة التي هي أساس تكوين دولة لبنان، المختلف بثقافته الظاهرة في نظامه السياسي على جميع بلدان المنطقة.
فلبنان يفصل الدين عن الدولة، وفي الوقت عينه يحترم جميع الأديان، وعقائدها وأنظمتها شرط ألّا تتعارض مع الانتظام العام (راجع المادة 9 من الدستور).
لبنان يقرّ جميع الحريات وفقًا لشرعة حقوق الإنسان التي كان بين أولى الدول التي وقّعتها؟ وأولى الحريات حرية الضمير والمعتقد (راجع مقدمة الدستور، ج، والمادة 9 من الدستور).
لبنان يعزّز التعدّدية الثقافية والدينية في الوحدة، ويرفض الأحادية في الدين والرأي والقرار، بل يتبنّى “النظام الديموقراطي البرلماني” (مقدمة الدستور، ج) “والاقتصاد الحرّ” (مقدمة الدستور، و)، مع المحافظة على حقوق المواطنين وعيشهم بكرامة.
لبنان يتبنّى ميثاق العيش المشترك، ويجعله شرطًا لشرعية السلطة السياسية، بحيث إذا ناقضته السلطة، فقدت شرعيّتها (مقدمة الدستور، ي). على أساس هذا الميثاق كانت صيغة الحكم في لبنان بالمشاركة المتساوية والمتوازية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، لا بالمحاصصة بين الأحزاب والكتل، ولا بالتمسّك بهذه الوزارة أو تلك للطائفة أو للمذهب. فهذا انتهاك لجوهر الميثاق الوطني”.

 

وقال: “في ضوء هذه الميزة اللبنانية، كيف وبأيّ حق يُحجم المجلس النيابي عمدًا عن عدم انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وسدّة الرئاسة فارغة منذ سنة. ومعلوم أنّ بغياب الرأس ينشلّ الجسم كلّه. ومعلوم ايضًا أنّ رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة ثلاثة مؤتمنون على السلطة التشريعية والإجرائية بشكل مترابط يعطي السلطة العليا في الدولة شرعيّتها. فنتساءل: اين شرعيّة ممارسة سلطة المجلس النيابي وسلطة الحكومة والرأس الأعلى غير موجود؟  ألا يناقض ذلك العيش المشترك والميثاق، بموجب منطوق البند، (ي) من مقدمة الدستور؟
لذلك، لا نستطيع القبول بإحجام المجلس النيابي عن القيام بواجبه الوطني الأساسي وهو انتخاب رئيس للجمهورية، الذي هو فوق كلّ اعتبار وكلّ شخص. أمام مصلحة الوطن، أرضًا وشعبًا ومؤسسات، تتبخّر جميع المصالح والاعتبارات، وما عدا ذلك مخالفة جسيمة للدستور.

بارك الله أعمال هذه الدورة التي نضعها تحت أنوار الروح القدس، وشفاعة أمنا مريم العذراء، أمّ الكنيسة وسلطانة السلام”.

زر الذهاب إلى الأعلى