بأقلامنا

نظرية المقاطعة بقلم الصحافي المصري ماهر مقلد

فى الأيام الماضية راجت دعوات على منصات التواصل الاجتماعى تحث على مقاطعة بعض العلامات التجارية على خلفية ما يجرى من أهوال فى غزة، واستثمر البعض ذلك فى الدعوة إلى تشجيع المنتج المحلى الذى يواجه منافسة كبيرة، كما لو كانت الأمة تنتظر مأساة بهذا الحجم حتى تتذكر الصناعة الوطنية وضرورة دعمها والثقة فيها، مؤسسات وطنية وعلامات تجارية كبرى تلاشت مع الزمن لأسباب عديدة فى مقدمتها تخلى المستهلك عنها وتقاعس الإدارات المتعاقبة عن فعل التطوير والتحديث واختفت من الحياة أو مازالت تنبض كما لو كانت تعيش بواسطة التنفس الصناعى، كانت هذه العلامات منتشرة فى جميع محافظات مصر.

 

الدعوة للمقاطعة لها أوجه كثيرة وقد تضر بالاقتصاد الوطنى، والمنطق الذى يدعو إليها يتناسى أن الأدوات التى يستخدمها كل من يحث على المقاطعة أنه يستخدم أدوات من صناعة الغرب وأن السيارات التى يتنقل بها والطائرات والأدوية وغيرها من صناعته، الدعوة إلى استهداف علامات بعينها خصوصا تلك التى تقدم الوجبات السريعة أمر يحتاج إلى نقاش واقعى يستحضر الحقائق ولا يكون جائرا ومحبطا لمن استثمر وأسهم فى توفير فرص عمل.

ومن المفارقات التى تدعو للتأمل هناك علامات تجارية مصرية يعود تاريخها إلى قرن كامل من عمر الزمان لم يتذكر البعض أهمية دعمها الا مع هذه الأزمة وهو أمر يتطلب تفسير ودراسة الحالة، قد يبرر البعض ذلك بأن حدود المنافسة مع الشركات العالمية يحتاج إلى قدرات فائقة وهذا حقيقى. دعوات المقاطعة قد تضر بعض الشىء بمؤسسات مصرية وعربية تحتكر تلك العلامات التجارية، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد بل يتعداه فى بلدان خارجية إلى الاعتداء على فروع هذه العلامات بشكل غير حضارى ولا أحد يشجع عليه لأنه تدمير لمقدرات الدولة واقتصادها، ويجب محاكمة كل من يدعو او يمارس العنف والتخريب مهما تكن حدة الغضب أو درجة الانتماء.

سلاح المقاطعة لا أحد يعترض عليه بالمطلق وهو ضرورى فى حالات الاحتكار أو المبالغة فى الأسعار، أو التخلى عن الجودة، وفى حالة الانحياز فى المواقف السياسية، فهو من أقوى الأسلحة التى يمكن استخدامها فى التأثير على الشركات العملاقة وعلى الدول، وهو سلاح له جوانب إيجابية عديدة فى المقدمة منها أنه يشجع بصورة واقعية الإنتاج والمنتج المحلى.

هناك حالة غضب عارم فى الشارع العربى من الممارسات العدوانية غير الأخلاقية التى تمارسها القوات الإسرائيلية ضد الأطفال والأبرياء فى غزة وهناك علامات تجارية سارعت بتقديم أوجه الدعم مما أثار حالة من الاستياء والرفض فى الشارع العربى، فالعلامة التجارية داخل إسرائيل بكل تأكيد يمتلكها اسرائيلى، ومتوقع منه ذلك، ونفس العلامات فى مصر على سبيل المثال بادرت بتقديم المساعدات للهلال الأحمر المصرى ضمن حملات التبرعات للشعب الفلسطينى فى محاولة منها للدفاع عن مصالحها التى بالفعل تضررت نتيجة قوة تأثير المقاطعة.، وسعت هذه العلامات إلى تقديم العروض التى تعتقد أنها قد تجذب العملاء وتحد من اضرار المقاطعة.

تباين الآراء حول الدعوة للمقاطعة وجاءت أصوات النواب فى البرلمان ومسئولين فى اتحاد الغرف التجارية تتحفظ بل تعارض الدعوة وتعتبرها تمثل ضررا كبيرا بالاقتصاد المصرى، وتتسبب فى تسريح العمالة المصرية فى وقت صعب الجميع يصارع فيه من أجل الحصول على فرصة عمل، فضلا عن هذه المقاطعة فى رأى الخبراء المتخصصين لا تؤثر بالدرجة التى يتوقعها البعض فى ميزانيات الشركات الأم وان التأثير يكون على الشركة المصرية التى تستخدم العلامة التجارية. هذا الرأى له مبرراته والحجة فيه قوية مع الوضع فى الاعتبار أن قرار المستهلك فى حد ذاته هو الفيصل والذى يحدد اتجاه البوصلة.

التجربة تثبت أن المواطن يمتلك القوة فى التأثير وان الشركات تستمد قوتها من المستهلك وأنها فى لحظات قد تتعرض للضرر البالغ نتيجة حملات المقاطعة وقد تكون هى الضحية دون أى مبرر أو سبب ومن هنا تنشط إدارات التسويق فيها وتبتكر من الطرق والأساليب ما يجعل المستهلك مرتبطا بها والأهم أنها تبرز أنها شركات تجارية لديها مسئولية اجتماعية تجاه المجتمع والعاملين وحرصه على كسب رضاء المستهلك واحترام الإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى