نلتقي في صور – قاهرة كل غازٍ من جيش الإسكندر إلى جيش يهوه. بقلم سماح مهدي خلال افتتاح حاشد لمعرض منتوجات معتقل انصار

نلتقي في صور – قاهرة كل غازٍ من جيش الإسكندر إلى جيش يهوه.
في صور التي أبت أن يقتصر شعاع نورها على محيطها، فحمّلت ابنتها إليسار مشعل الحضارة لتؤسس به قرطاج.
لا نذيع سراً إذا ما قلنا أن الأمم الحية تزرع في نفوس أبنائها توقاً دائماً إلى الحرية، ورغبة مستمرة في الصراع من أجل خير بلادها وانتصارها.
وأمتنا بكونها أمة هادية لكل الأمم، أنشأت أجيالها وربتهم على أنّ الحرية قد تكون حملاً ثقيلاً، لكنه حمل لا يضطلع به إلا ذوو النفوس العظيمة.
فعلى الرغم من تجاوز عدد الأسرى الذين زجوا في معتقلات كيان عصابات الإحتلال عتبة المليون أسير، وذلك منذ نشأة الكيان الغاصب – احتلالاً – على أرضنا في فلسطين وحتى اليوم، إلا أن ذلك لم يمنع الشهيد عاطف الدنف من قيادة عملية التحرير الكبرى من معتقل أنصار في العام 1983. كما لم يحل دون الانتفاضة البطولية التي حصلت في معتقل الخيام عام 1989، والتي نتج عنها استشهاد الأسيرين إبراهيم أبو عزة وبلال السلمان بعد قمعها بالغاز السام من قبل العميلين الخائنين عامر الفاخوري وأنطون الحايك. وكانت هذه البطولات حافزاً لأبناء أمتنا ليتنزعوا حريتهم من معتقل جلبوع عام 2021 في عملية “نفق الحرية”.
الأعزاء الكرام،
نبخس أسرانا الأبطال حقهم إذا لم نؤكد على أنهم بجهادهم وصمودهم وتضحياتهم يشكلون عصباً أساساً في حرب الوجود التي تخوضُها أمتنا في مواجهة الكيان الغاصب، خاصة خلال المعركة الأخيرة – ملحمة طوفان الأقصى، التي ومنذ انطلاقتها في السابع من تشرين الأول عام 2023، تم أسر 9720 فلسطينياً معروفين بالاسم. وهذا العدد لا يشمل الأسرى من أهلنا في قطاع غزة الذين يتكتم العدو عنهم تكتماً غير مسبوق.
من ضمن هذا العدد (330) ماجدة، (675) شبلاً، و(89) صحفياً.
وبلغت أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء حرب الإبادة، أكثر من (7500) أمر ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد.
استشهد في معتقلات الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول الماضي (18) أسيراً تم الإعلان عنهم، بقيت الجثامين الطاهرة ل16 منهم في الأسر، تضاف إليها جثامين 11 أسيراً تعود إلى ما قبل طوفان الأقصى.
وهناك معلومات غير رسمية تتحدث عن أن معتقل سديه تيمان يحوي الآن 1200 جثمان طاهر لأسرى غير معلن عنهم.
أيها الحضور الكريم،
تعلم كل الدنيا أن مجرمي الاحتلال – ساسة وأفراداً – يتفاخرون بإيغالهم في سحق كل حق إنساني وطبيعي وقانوني لأسرانا. وهذا غيض من فيض:
إذ يحرم المحتل رفقاءنا وإخوتنا الأسرى من الطعام، فلا يسلمهم إلا كميات قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع، وتمتاز برداءتها.
وهو يكدّس في الزنزانة ذات المساحة الصغيرة ما لا يقلّ عن عشرة أسرى، مما يحول دون حصولهم على المساحة الكافية للنوم والحركة.
يمتنع السجانون عن تقديم الرعاية الصحية للأسرى بصورة لا يمكن وصفها إلا بسياسة القتل البطيء المتعمد، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء العديد من الأسرى شهداء. فيما ظهرت أعراض المرض على أجساد الأسرى، والغالبية العظمى منهم لا يستطيعون النوم بسبب الأوجاع والآلام، وانتشار الجروح والتقرحات، وتفاقم المرض وخطورته في ظل ارتفاع درجات الحرارة. ومن يطلب العلاج يتعرض للضرب والإهانة والعزل من قبل السجانين دون أي اعتبار للقوانين والمواثيق الدولية.
يتعمّد الإحتلال قطع الكهرباء معظم ساعات اليوم عن الزنانين. كما ويحرص على منع إدخال مواد التنظيف إليها لعدة أيام، مما أدى إلى انتشار الحشرات والأمراض الجلدية بين الأسرى في ظل تزويدهم بمياه الخدمة لمدة ساعة واحدة فقط يومياً.
كما يخصص الغاصب لكل زنزانة أنبوب معجون أسنان واحد شهرياً، وفرشاة أسنان واحدة فقط، ومقدار كأس واحد لا غير من سائل الاستحمام.
فضلاً عن ذلك، فإن كل أسير لا يحوز إلا الملابس التي يرتديها. وهو لا ينام إلا على فرشة رقيقة تكاد تجعل جسده المنهك يلامس أرض الزنزانة التي لا يغادرها إلا ساعة من نهار.
أما بخصوص التعذيب الجسدي والنفسي، ومنع زيارات الأهل والمحامين وبعثات الصليب الأحمر الدولي، فحدث ولا حرج.
وعلى الرغم من هذا السيل الذي لا يتوقف من الانتهاكات، إلا أن إيمان وإرادة أسرانا الصناديد يدفعانهم إلى مزيد من التشبّث بخيار المقاومة والثقة بأهلها الذين ما انفكوا يؤكدون في كلّ مناسبة على التزاماتهم لجهة تصفير سجون ومعتقلات العدو من كلّ الأسرى، الذين أثبت واقع الصراع أن الغالبية العظمى منهم يلتحقون مجدّداً بالعمل المقاوم بعد انتزاع حريتهم، فيتابعون الجهاد بهدف تحقيق التحرير والنصر، وإما نيلاً للشهادة. فيما النسبة البسيطة المتبقية تحول بينها وبين متابعة الجهاد ظروف صحية تسبب بها جلادهم.
الأعزاء الكرام،
يظنّ مخطئاً عدد لا بأس به من الناس أن هكذا نشاطات لا تقدم ولا تؤخر في ملف الأسرى، لكن واقع الحال مغاير لذلك تماماً. فكلّ نشاطاتنا تصل أخبارها إلى الصامدين داخل معتقلات الاحتلال، فتشحذ هممهم ومعنوياتهم التي يعيدون تصديرها إلينا كما حصل عندما أًصدر ما يسمّى بقاضي الإحتلال قراره بسجن الأسير ماهر الهشلمون مدة مئتي سنة، انفجر الأسير البطل ضاحكاً. فاستغرب القاضي قائلاً: أوَتضحك ومحكوم بالسجن لمئتي عام؟ فكان جواب المقاوم: وهل أنت مقتنع بأن احتلالك لأرضي سيبقى مئتي سنة؟
الحضور الكريم،
على كلّ واحد منا مسؤولية كبرى في الانتصار لأسرانا الذين ضحوا بسني أعمارهم ذوداً عن كل الأمة. فلا يكفي الاتكال فقط على المقاومين الذين يؤدون واجبهم في ساحات القتال. ففي مقاطعتنا لكل الشركات الداعمة والمموّلة لكيان عصابات الاحتلال، دعم لصمود بواسلنا. وفي إقامتنا الدعاوى ضدّ المجرمين وملاحقتهم أينما ذهبوا، خطوة في الاتجاه الصحيح. وفي تقديمنا للإخبارات أمام المراجع القضائية بحق كل عميل ومطبع شد لعضد أبطالنا. وفي تسخيرنا كل الوسائل الإعلامية ومنصات التواصل الإجتماعي لخدمة ملف الأسرى وفاء لتضحياتهم.
التحية لعميد الأسرى الرفيق يحيى سكاف، للرفيق جورج عبد الله، للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات، للمناضل مروان البرغوثي، لأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني وما تعدادهم إلا على سبيل الرمزية. فلكلّ أسير بطل مكانته وتقديره في وجدان كلّ مقاوم، لا بل في وجدان الأمة جمعاء.