تحقيقات

د. سلوى الأمين : السياسة تفرق والأدب يجمع ، واتمنى عودة لبنان .

 حوار_ محمد بن يحيى عسيري

* الأجيال الجديدة مشوشة.
* الشعر هو سيد العصر.
* ٥٤٪؜ من سكان العالم نساء، فلم يتم تحجيمهن؟!
* ضعنا مابين العولمة وبين تقاليدنا.

 

يستولي عليها الهم الثقافي، وأضحى شغلها الشاغل، هي شمعةٌ وقادةٌ تصارع تكاثف الظلام، تسعى إلى المبدعين فتكرمهم، تشير بيدها إليهم فتنتزعهم من غياهب الإهمال والنسيان، شامخة في عالم آيل للسقوط. من طينة الكبار، وتسعى بكل جهدها للمحافظة على ماتبقى من ألق الثقافة، وأصالة التقاليد.

ولدت الدكتورة سلوى الخليل الأمين في بلدة جويا الجنوبيّة بقضاء صور بلبنان.
تابعت دراستها في الجامعة اليسوعيّة جامعة القديس يوسف، ونالت درجة الماجستير في الأدب العربي عام 1978م،أكملت تخصّصها الجامعيّ في جامعة بروكسل الحرة التي منحتها الدكتوراه عام 1986م، في الحضارة الإسلاميّة. عملت في التعليم ثم في المجلس الوطني لإنماء السياحة، وهي عضو في العديد من الجمعيات والمجالس الثقافية والاجتماعية، ولها حضورٌ بارزٌ في مجالات الشعر والفن والأدب، كما لها نتاجٌ شعري وأدبي مميز، نالت الكثير من التكريم والأوسمة في العالم العربي وخارجه، وتعد إحدى أبرز الشخصيات الثقافية في العالم العربي.

*الكون قرية مفتوحة على بعضها البعض.

– هل تتبوأ الثقافة في عالمنا العربي المكانة التي تليق بها، أم لا تزال دون ذلك؟

-تواجه الثقافة في عالمنا العربي مجموعة من التحديات بفضل الانفتاح الحاصل، الذي جعل الكون قرية مفتوحة على بعضها البعض، وتلك التحديات تؤثر تأثيرا مباشرا على عقل الإنسان وتفكيره واستيعابه لمختلف الأمور. فحين كانت الثقافة العربية تشكل في مجموعها حضارة امتدت عبر العصور من العصر الجاهلي الذي امتدت حولياته المختلفة حتى العصر الإسلامي التي زادها انفتاحا وتمازج حضارات وتلاقح الشعوب التي امتدت إليها الفتوحات الإسلامية، فشذبت لغة أهل الجاهلية وبات القرآن الكريم هو المرجع الصالح للغة الضاد، التي ارتقت بالإنسان العربي ثقافيا وفكريا ومعرفيا وعلميا حتى يومنا هذا، بقدرة هائلة على التعبير لغنى مفرداتها وجمالية تعابيرها  التي اتصفت بأنها تشكل ثقافة شمولية، ترتقي بالإنسان العربي من حيث بناء شخصيته الفردية والجماعية، التي تنعكس إيجابا على من حولها، امتدادا إلى باقي العصور التي مرت عبر التاريخ وصولا إلى عصرنا الحاضر.
  والثقافة العربية تتأرجح ما بين الصعود والهبوط، بسبب انفتاح العالم كله على بعضه البعض،لأن الثقافة هي مفتاح المعرفة للأمم والشعوب وحضاراتهم المتنقلة عبر الزمان، والثابتة والمتحولة في عصر التحولات الكبرى، التي تجمع نسيج المجتمع العربي مع غيره من حضارات الشعوب وتراثهم المعرفي، التي تؤثر في إحساس ومشاعر العربي لجهة تمسكه بالهوية واللغة والانتماء الوطني.
فالثقافة  العربية ما زالت تأخذ الحيز اللائق بها، ولكنها لا يمكن أن تكون بمفردها المفتاح الذي يفك مغاليق القوة الكامنة في عصر العولمة وما أتت به، لأنها تؤثر على الحقيقة الثابتة للثقافة العربية في العالم الجديد.

* في عالمنا العربي المصالح الذاتية فوق كل اعتبار.

– تترأسين صرح ثقافي يسمى ” ديوان أهل القلم” .البعض يتهم بعض الملتقيات والمبادرات الثقافية بأنها قائمة على المجاملات والعلاقات العامة والمصالح. كيف تردين؟

صحيح، لكن لكل قاعدة شواذها، ونحن تعودنا في عالمنا العربي أن نضع المصالح الذاتية فوق كل الاعتبارت، وأن ننظر لما تضخه وسائل الإعلام وإن كانت الحقيقة مختلفة خصوصاً عندنا في لبنان، لهذا عمدت حين تم تأسيس “ديوان أهل القلم” ، أن نغير هذا النمط الطائفي المتبع، وأن نشتغل وطنيا وعربيا، في الوقت الذي تضج فيه الساحة بالمصالح الشخصانية، حيث عمدنا إلى تشكيل جمعيتنا من مختلف الطوائف اللبنانية، بعكس كل الجمعيات اللبنانية القائمة على الطائفية، ومن ثم وضعنا نصب أعيننا أن نقوم بالإطلالة على الإبداع اللبناني والعربي في عالم الانتشار، ومن ثم في الداخل اللبناني، وكنا لا ننظر طائفيا إلى اختيار المبدع أي كان مذهبه، واتبعنا الشعار الوطني الذي تعلمناه منذ الصغر: الدين لله والوطن للجميع، وكان همنا الأول والأخير هو درجة الإبداع التي وصل إليها المبدع من خلال عمله وعبقريته، وأفاد بها الدولة التي حمل جنسيتها، وبالتالي شكل فخراً وعزا لوطنه الأساس، لإيماننا بأن الإبداع العربي يساهم في تطور المجتمعات والدول أي كانت، فعالم الفضاء الدكتور (شارل العشى) رئيس مركز الدفع النفاث في (ناسا) أي وكالة الفضاء الأميركية، يقود خمسة آلاف عالم فضاء وهو لبناني الأصل ومتمسك بلغته العربية، وقد ساهم ببناء حضارة أميركا وتفوقها العلمي، بإنزال أول مركبة على سطح المريخ، وكان من ضيوفنا في لبنان. أضف إلى ذلك أن عملنا في (ديوان أهل القلم) أثار إعجاب كل الأطراف اللبنانية، فكانوا يحضرون مهرجاناتنا ويرون بأم العين الحشد الجماهيري المكثف، من: سياسين، وسفراء، ومثقفين، وجامعيين،واقتصاديين، واجتماعيين وإعلاميين، وممثلين للرؤساء ولقوى الأمن والجيش اللبناني إلخ، الذين يملأون بحضورهم (قصر الأونيسكو) الذي يستوعب 1200 كرسي. وكان هذا يثير دهشة كل من حضر؛ إذ أن هذه الجموع لا يمكن أن تحضر سوى عند ديوان أهل القلم، الذي اشتهر باحترامه للوقت، وبما يقدمه للجمهور من شخصيات مبدعة، أضف إلى ذلك عملية التنظيم التي تحدد البدء بالاحتفال، والمدة الزمنية بالدقائق التي تحدد للخطباء، وكان يتم  ذكره الوقت على بطاقة الدعوة، إلى درجة أننا أصبحنا المثال والقدوة في عملنا.

* لا أستعدي كل جديد.

– في لقاء صحفي عام 2016 وصفتي العولمة باللعينة، وأنها سرقت لغتنا وخصوصيتنا وكشفت مكامن الضعف لدينا. سؤالي: أليس من الخطأ استعداء كل جديد، لماذا لا تكون العولمة وسيلة لنقل هويتنا وتقاليدنا وتسويقها للآخر؟

  أنا لست في وارد استعداء كل جديد، لأن تطور المجتمعات والأفراد يشكل غنى للإنسان أي كان موقعه و انتماؤه وهويته، لكن المسافة التي تفصلنا عن العولمة تكمن في قهر المسائل التي لا تتوافق مع شريعتنا ومع قيمنا، حيث باتت الأجيال الجديدة منساقة نحو مظاهر العولمة بكل طرقها وأساليبها، وباتوا مشوشين بين واقعهم ومجتمعهم، وبين ما تحمله مظاهر العولمة من اتباع للغة الأجنبية ونكران كل ما هو عربي، ووجدنا أنفسنا في حاجة إلى التكيف مع هذه العولمة التي قضت بمظاهرها على كل ما نؤمن به ونتبعه في حياتنا ومجتمعاتنا من: عادات، وتقاليد  واحترام للقيم، فبتنا ضائعين بين ما تضخه العولمة من مساوئ وبين ما هو من صلب عقيدتنا وعاداتنا وخصوصياتنا التي يجب أن نحافظ عليها ونحترمها.
لكن انا لا أنكر أن للعولمة إيجابيات مطلقا، فهذه الأختراعات المتطورة وانفتاح العالم على بعضه البعض، بواسطة وسائل التواصل من حيث تقريب المسافات وغيرها من الوسائل التي تسهل حركة المجتمع وتطوره، وكل ما هو مفيد للإنسان في حياته القائمة والعملية، والتي تعمد إلى تعريف الغرب واجياله الجديدة على قيمنا ومبادئنا وعاداتنا وتسويقها إليهم بالشكل الصحيح، لا نستطيع أن ننكره ونتغاضى عن فوائده، علما ان المجانسة الثقافية بين ما هو سابق وحاضر، يستلزم منا الإعتراف بأهمية العلاقة المرتبطة بكل هذا التطور الذي أوجدته العولمة، لكن بشرط أن نحتفظ بقيمنا وتقاليدنا وعاداتنا وخصوصياتنا،التي تشكل الأحترام الكلي لمبادئ الأديان والعائلة والمجتمع التي نؤمن بها، والتي هي الحرز المتين لأولادنا من اللحاق بمساوئ العولمة، التي تضخ إلينا عادات ومساوئ لا يمكن تقبلها ، كي تخرب مجتمعاتنا.

 

– برأيك ما هي أهم قضايا المرأة المثقفة اليوم في عالمنا العربي؟. 

إن الهوية الوطنية المعاصرة التي تمكن المرأة من دخول التجربة الدنيوية كما الرجل، هي التي تتشابك في داخلنا كنساء عربيات للدخول في عملية بناء المجتمع، فالله -جل جلاله- لم يفرق في العبادات بين الذكر والأنثى، ورسولنا محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- عندما نزل عليه الوحي، عاد إلى منزله وعرض الأمر على زوجته سيدتنا خديجة بما حصل معه، وكانت هي المشجعة الأولى له لإكمال الرسالة، وهنا يكمن دور المرأة العظيم، إذا أن للمرأة دور كبير في حياة الإنسان، ومن ثم فالنساء في العالم يشكلن 54 % من عدد السكان، فلماذا يتم تحجيمها وسجنها داخل جدران أربعة وعدم الاستفادة من قدراتها الإنتاجية في بناء المجتمع.
لهذا أخذت المرأة المثقفة على عاتقها عملية التنوير والجهاد من أجل خروجها من القمقم، ومساهمتها في عملية بناء المجتمعات، التي سبقتنا إليه المرأة الأوروبية والأميركية، لهذا أخذت على عاتقي الإطلالة الدائمة على إبداع المرأة العربية ونتاجاتها ونتائج ذلك على مجتمعها ككل،  فقمنا باستضافة لقاء الأديبات العربيات في العام 2009م، يوم كانت بيروت عاصمة للكتاب، وتخطينا حواجز الخلافات بين الدول العربية واتخذنا شعار الملتقى:”كما السياسة تفرق الأدب يجمع”، ونقلنا اللقاء من سورية ولبنان إلى قطر والبحرين، أضف إليها ملتقى المبدعات العربيات الذي استضفنا خلاله المرأة النائبة والوزيرة والبروفسورة في الجامعة و المهندسة، والكاتبة، وكلهن مبدعات في اختصاصاتهن، وكان شعار اللقاء :” المرأة العربية شعلة الحضارة إلى العالم أجمع”.
   ثم نقلنا هذا اللقاء إلى مصر بضيافة المجلس الأعلى للثقافة، ورعاية رئيس مجلس الوزراء ممثلا بوزيرة الثقافة، على أمل أن يتم عقده في مختلف الدول العربية بعد أن توقف قسرا بسبب (كوفيد 19). ونحن بانتظار الدعوة من الدول العربية كي نطل على الإبداع النسوي الذي هو أكثر من ضروري في عصرنا الحاضر.

* الشعر لم يتراجع.

– أنت شاعرة ولك نتاج شعري مميز ، لكن البعض يرى أن الشعر فقد قيمته وتراجع في عالمنا العربي لصالح أنماط أدبية أخرى. هل توافقين على هذا الرأي؟. 

لا أحد يأخذ مكان الشاعر في عالمنا العربي، بدليل المهرجانات التي تعقد سنويا في العالم العربي ويكون للشعر والشعراء  فقط، أضف إلى ذلك أن للشعر نكهته الخاصة التي تطرب المتلقي ، هذا إذا كان الشاعر شاعرا ولم يكن متعديا على مراح الشعر، حيث في عصرنا الحاضر نجد العديد ممن يسمون أنفسهم شعراء وشعرهم غير مؤهل كي نضعه في جدول الشعر.
   ثم هناك أسئلة كثيرة حول الشعر والأدب على العموم ، وأيهما يسبق الآخر مع دور النشر الكثيرة التي نشاهدها في لبنان ومصر ودمشق وبغداد والشارقة، وهي تطبع سنويا ما لا يعد ويحصى من دواوين الشعراء، وتقيم المعارض التي تحضرها جماهير متنوعة من كل العالم العربي، وآخرها معرض الرياض ومعرض الشارقة وحاليا يهيء لمعرض بيروت للكتاب في ديسمبر العام 2022م. صحيح أن للرواية قرائها لكن يبقى الشعر هو سيد العصر بلا منازع، والدليل كثرة الأمسيات والمهرجانات الشعرية التي تقام في كل الدول العربية، والجوائز التي تمنح للشعراء العرب، وهي محفز قوي لهم، وللشعر أساليبه المتنوعة التي تجد الصدى بين الجماهير المتعطشة للسماع، فمنها العامودي الذي ما زال موجودا في شعر الجواهر، ونزار قباني، ومحمد علي شمس الدين، وغيرهم من الشعراء في عصرنا الحالي، أضف إليه الشعر الحر وشعر التفعيلة الذي له أنصاره ومريديه.  
 أما لجهة قولك أن الشعر قد تراجع فأنا لا أوافقك الرأي، حيث الشعر يبقى ذو قيمة أدبية عالية إذا ما اتصف بالقيم الجمالية وببلاغة العبارة وفصاحة اللغة وبالصور الموحية بنظم القصيدة وبالموسيقى التي هي أساس القاعدة في نظم الشعر، إذ من دونهم يبقى النثر هو الغالب ، فالمفكرة الريفية عند الأديب أمين نخلة نثرها من أجمل وأرق النثر العربي، فلماذا الإصرار على تسمية كل ما يكتب بأنه شعر.
وأما لجهة أن الشعر فقد قيمته لصالح أنماط أدبية أخرى فلا أوافقك الرأي، لأن كتب الشعر هي الأكثر مبيعا في معارض الكتب العربية بالإضافة إلى الرواية والسير الذاتية، علماً  أن لكل نمط من الكتابة الأدبية أكان شعرا، أم نصوصا، نثرية، أم مقالة، أونصوص تاريخية، أم سير ذاتية إلخ.. مريديها وعشاقها.

* المبدعين اللبنانيين خارج لبنان مدعاة للفخر.

– أغلب ـ إن لم يكن ـ من كرمتي عبر ديوان أهل القلم، كانوا من اللبنانيين المقيمين في المهجر خارج لبنان. فهل أضحى لبنان خاويا من المبدعين؟

أبدا لبنان ليس خاليا من المبدعات والمبدعين، ولبنان أشتهر بعناصره البشرية المنتجة عبقريات طالت الكون، ونحن نفتخر بهذه الثروة البشرية المنتشرة عبر العالم، التي تضخ إبداعاتها أينما حلت وأرتحلت. إذ ليس للمبدع مكانا في لبنان، ولا حتى في عالمنا العربي، إذ أن الحكومات قليلاً ما تنتبه لمبدع أضاف إلى وطنه الشيء الكثير، وبالتالي تشجيعه على العطاء والإبداع الذي هو من مسؤولية الدولة.
   لذا في ظل هذا الإهمال القائم في لبنان والسياسات المتنافرة والأحزاب الطائفية، وبما أننا أهل فكر وثقافة ومن بيوتات عائلية فكرية ووطنية، آلينا على أنفسنا تشكيل مجمع ديوان أهل القلم، من أجل تكريم المبدعين أينما كانوا في عالم الانتشار.. وكنا أول من أطلق هذه الفكرة في لبنان، ألا وهي تسليط الضوء على الإبداع، حيث كنا نعمد إلى إقامة مهرجانين في العام فقط ، وحذا حذونا بعدها الكثيرين في لبنان. لكن يبقى العمل الذين نقوم به في ديوان أهل القلم، والذي يستمر لمدة أربعة أيام، وحيد في شكله ومضمونه ومختلف عما يفعله الأخرون. لهذا لا بد من القول أننا أول من بدأ بتكريم الطاقات اللبنانية، ومن ثم الطاقات العربية، ومن ثم التفتنا إلى الداخل اللبناني فكرمنا البعض أيضاً، لكن يبقى الأهم هو تكريم المبدعين من لبنانيين وعرب، المنتشرين عبر العالم، هو هدفنا الأساس.

– فتح لبنان أبوابه منذ القدم لثقافات شتى، كيف ترين أثر ذلك على ثقافتنا العربية، وهل الامتزاج مع ثقافة الأخرين في رأيك أمر مفيد أو ضار؟

  لقد تشارك الشعب اللبناني  مع إخوانهم العرب بشتى الثقافات الأدبية والشعرية والفنية من منطلق الأخوة التي تجمعهم، وهي رابطة اللغة والدين والعادات والتقاليد، وبما أن الثقافة تشمل كل أنواع المعرفة، لهذا كان اللبنانيون دعاة حضارة متنقلة من الشرق امتدادا حتى الغرب، من مصر إلى دول الخليج حتى بلاد الاغتراب في فرنسا وأميركا وغيرها من الدول، وشكل انتشارهم قوة هائلة أبدعت في جميع المجالات فكرا وعلما ومعرفة وثقافة حتى أصبحت قوة يشار لها بالبنان، حيث هم من أطلق الأدب المهجري ومن مؤسسيه: ميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وغيرهم، أضف إلى تفاعلهم مع القارة الأوروبية وصدور دواوينهم الشعرية ورواياتهم في فرنسا وغيرها من دول أوروبا، وهنا لا بد أن ننوه بأمين الريحاني مؤلف كتاب (ملوك العرب) الذي نجد فيه وصفا دقيقا لحالة عرب الخليج في ذاك الزمن كما نلاحظ الذائقة الأدبية التي ينفرد بها الكاتب في معايشة ملوك وكتاب وشعراء الخليج متلمسا الأستقامة في عرض القضايا العلمية والأدبية.
من هنا نرى أن اللبناني نشر ثقافته وأدبه وفنونه عبر دول العالم قاطبة، بروحية الإنسان المعرفي الذي يمزج ثقافته بثقافة الأخرين، فيتفاعل معهم ويتعرف على تراثهم الفكري والثقافي، لأن اللبناني يتأقلم بطبعه مع الشعوب قاطبة ومع ثقافاتهم التي تغني مداه الثقافي والفكري والمعرفي.

* المثقف يعاني ..

– بصفتك شاعرة ما قيمة الشعر اليوم في عالم استهلاكي يهيمن عليه اقتصاد السوق والمال. بصيغة أخرى ما الجدوى من الشعر اليوم في عالمنا المتخم بالماديات؟
الجواب : بالرغم من دخولنا عصر العولمة القائم على اقتصاد السوق والمال، ودخولنا في العالم الاستهلاكي المشرعة  أبوابه على مختلف الجهات، التي أثرت تأثيرا مباشرا على الحركة الثقافية، والسبب نسبة الغلاء المتحكم بمختلف القطاعات السكنية والإقتصادية وحركة الشعراء والأدباء وتفاعلهم مع دور النشر والتسويق لنتاجاتهم ، إذ كثيراً ما نجد أن العديد من الكتاب أكانوا شعراء أو أدباء لا يملكون تكلفة طباعة كتبهم ، وفي هذه الحالة يبقى العديد من نتاجهم في الأدراج، والأسباب واضحة في كثير من الدول العربية التي لا تهتم بمن عندها من شعراء وأدباء، وبالتالي ليس لديها لجان تهتم بهذا الموضوع، ومع هذا فإننا نجد أن النتاج الشعري غير مغيب، والغاية وطنية بامتياز، فالاهتمام بالرصيد الفكري والثقافي لأي دولة عربية يسجل على صفحات التاريخ بأحرف من ذهب، فالأمة تعلو وتكبر بما يضيفه كتابها وشعراءها إلى المكتبات أكانت عامة أو خاصة من نتاج، وقديما كان للشعراء  مكانهم الأرحب في دواوين الحكام ، إذ كانوا هم الصلة القوية التي تحدث الحاكم بما يجري في مملكته من حسنات وسيئات، وهذا هو حالنا اليوم فالقصيدة  الوطنية حاضرة وكذلك قصائد الهجاء إلى جانب القصائد المتنوعة في أبوابها ومضامينها.

– لبنان كان جوهرة الشرق، لكنه اليوم يعيش – إن جاز التعبير- وعكة صحية. برأيك هل انعكس هذا على الوضع الثقافي أم أن الثقافة بمعزل عن ذلك؟

   لا يمكن عزل الثقافة والمثقفين عما يحدث في الوطن، وعما يتعرض له من ويلات مدمرة، فلبنان جوهرة هذا الشرق وجنته، حيث كان أدباء العرب وشعرائهم ملاذهم لبنان في عز أزماتهم، إذ كان البلد المفتوح لكل العرب، حيث يجدون فيه البلد الجميل في طبيعته الخلابة، وطقسه المعتدل، وشعبه المضياف، لكن فجأة بتنا في آخر سلم الحضارة الآنية التي يرتع بها الجميع ويتباهى، وذلك بسبب رجال السياسة الذين عملوا على إشعال التعصب المذهبي بين فئة من الناس تشكل جماهيرهم التي تصفق لهم وتنتخبهم، وبالتالي يمسكون المواقع الرسمية والهيئات الإقتصادية وحتى الثقافية التي تتبع لأهوائهم، وقد قضوا بأفعالهم اللاوطنية على الطبقة الوسطى التي هي عماد كل مجتمع ناهض، إذ بواسطتهم تمت سرقة الشعب ونهب خزينته أي خزينة الدولة المؤتمنين عليها، وبالتالي أصبح لبنان في حالة تدهور قصوى، وبات المثقف وكل شرائح المجتمع اللبناني يلهثون لتدبير أمورهم المعيشية.
لقد قضوا على الطاقة الإيجابية لدى المواطن اللبناني، ومع هذا نجد أن هناك حركة فعالة للمثقفين بمختلف فئاتهم، وهم يعملون بجهودهم الخاصة على متابعة المسيرة، كي يبقى لبنان شعلة ضوء، وسط هذا الظلام الحالك الذي يحيط بنا.

– يرى البعض أن وجود برزخ بين الفصحى والعامية يعد أحد أكبر معوقات تطور اللغة العربية، والبعض الأخر يرى ألا تعارض بينهما. إلى أي الفريقين تميل الدكتورة سلوى الأمين؟

اللغة العربية هي لغة الضاد ولسان العربي وإن اختلفت اللهجات العامية، ودائما ما تكتسب اللغة قيمتها من تداولها والاحتفاظ بها ممارسة وكتابة وعملا، بوصفها  الأداة المتحركة التي تجمع الشعب العربي في بوتقة واحدة، واللغة العربية وأعني الفصحى هي لغة كتابنا الكريم أي القرآن الكريم، وبالتالي هي لغة تحمل الكثير من الأهمية بين شعوب العالم العربي ، لكنها كما غيرها من اللغات تحتكم للأزداوجية في التعبير والنطق ، وكثيرا ما يتأثر بسهولة النطق بالعامية الكثير من المسؤولين والباحثين والمتعلمين، وهنا يسقط دورهم  في الحفاظ على اللغة العربية الفصحى، التي يقع العبء الأكبر في ممارستها وارتقائها عليهم ، إذ أن هناك العديد من اللهجات العامية بين دول المشرق العربي وحتى في المغرب العربي، وهي غير مفهومة عند الشعب العربي كافة، لهذا يتعاملون باللغات الأجنبية  وهي الإنكليزية في الشرق واللغة الفرنسية في منطقة المغرب العربي ، وهذا برأي غير جائز مطلقا، فماذا يمنع التكلم بالفصحى والتعود عليها ، وإجبار كل من يتعاطى الشأن الإعلامي المرئي والمسموع من التكلم باللغة الفصحى المعبرة والجميلة، وفي الدوائر الإدارية الخاصة وكل المجالات التي تستوجب تمسكنا باللغة العربية الفصحى، فنحن إذا ذهبنا إلى مطعم في لبنان فلا نجد لائحة الطعام سوى باللغة الأجنبية، أضف إلى ذلك معاملات المصارف وغيرها من الشركات الخاصة، علما أن لغة الدولة الرسمية هي اللغة العربية وهذا وارد في دستور البلاد وعلينا المحافظة عليه.. لهذا فإنني مع الفصحى ضد العامية في مجالاتها التي ذكرت .       
  
– كان للصالونات الأدبية والثقافية دورها في الماضي، والبعض يرى اليوم أن دورها قد أنتهى، نتيجة التطور التقني. هل توافقين هذا الرأي؟
حتما لا أوافق، فما زال للصالونات الأدبية مكانتها العليا والثابتة، وما زلنا نأنس بها ، لأنها مكان للقاء الأدباء والشعراء وتبادل الآراء والأفكار والنقاشات في مواضيع مختلفة ، وهذا مما يشجع الجميع على الأستزادة في المطالعة، أضف إليها الإطلاع على النتاج الجديد للكتاب والشعراء. أما التطور التقني وتقصد به الأنترنت ووسائل التواصل فجميعها لا تغني عن التواصل الحي المطلوب دائما ، لأن وجود الأديب والشاعر ضمن المجموعة يغني عقله وفكره، عبر الأفكار المتداولة والمواضيع المطروحة للنقاش ، لهذا في مجتمعنا اللبناني تكثر الجمعيات الثقافية والمنتديات الأدبية التي تعنى بكل جديد من نتاج الشعراء والأدباء وإيصالها لأكبر عدد من الناس بهدف التشارك الثقافي في ما بينهم.

* لا أطمح سوى لعودة لبنان .

– حصدتي نجاحات كبيرة في مجالات شتى كأديبة وشاعرة وباحثة وكاتبة مقالة أسبوعية في الصحف اللبنانية، ما هو النجاح الأعظم للدكتورة سلوى ؟ وإلى ما تطمحين في المستقبل؟

 في ظل ما يعيشه وطني لبنان من مآس ، بت لا أطمح سوى لإستعادة ما كان عليه لبنان من إشراق في كل المجالات، وخصوصا في المجالات الثقافية والفكرية، حيث كنت في حركة دائمة لا تهدأ، أما اليوم فما يحصل في لبنان قد قضى على طموحاتنا وأحلامنا وكل ما نقوم به من أعمال إبداعية، وأتمنى أن تستقطب عملنا الدول العربية الصديقة  والقادرة المقتدرة ، مخافة على طاقاتنا الإبداعية من الخمول، فأنا ما زلت قادرة على العطاء دون منة.

مجلة فرقد السعودية

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى