بأقلامنا

أسامة شرشر يكتب: مستقبل غزة

لا شك أن رفض مصر التنسيق مع إسرائيل فى الجانب الفلسطينى من معبر رفح ورفضها المطلق أى تواجد إسرائيلى فى خط فيلادلفيا (محور صلاح الدين الممتد لمسافة 14 كيلومترًا)- هو رسالة قوية للجانب الإسرائيلى بأن غضب مصر قد فاق الحدود، خصوصًا مع إعلان القاهرة دعم جنوب إفريقيا فى قضية الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطينى المرفوعة فى محكمة العدل الدولية، وهى إحدى الخطوات المصرية المستمرة على مدار ثمانية أشهر تقريبًا، والتى تعبر عن الموقف المصرى الذى لم يتغير على الإطلاق برفض اقتحام رفح الفلسطينية أو تصفية القضية من خلال محاولات تهجير أهل غزة إلى سيناء، بل أتوقع نتيجةً لتطورات الأحداث والموقف الإسرائيلى الساعى لإفساد المقترح المصرى بعمل هدنة لمدة 42 يومًا تقريبًا، أن القيادة المصرية قد تتخذ قرارًا تاريخيًا ينتظره الشعب المصرى بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد للسلام ما دام اليمين المتطرف الإسرائيلى لم يحترم اتفاقية المعابر 2005 ولا اتفاقيه السلام 1979.

وهذا يعطى مؤشرًا قويًا على احتمالية حدوث مواجهة عسكرية ينتظرها الشعب المصرى وأمامه خير أجناد الأرض رجال القوات المسلحة المصرية لأن احتلال إسرائيل معبر رفح من الجانب الفلسطينى وكذلك التواجد فى خط فيلادلفيا يعجّلان المواجهة العسكرية مع هذا الجانب المتغطرس رغم أن المقاومة الفلسطينية لقنته درسًا لن ينساه على مر الأجيال القادمة، ودرس 6 أكتوبر 1973 ما زال شاخصًا أمامهم.

إن محاولات الحكومة الإسرائيلية مدعومةً من الشيطان الأكبر بايدن الزعم بأن هناك مناطق آمنة فى غزة يمكن ترحيل أهالى رفح الفلسطينية إليها هى أكاذيب مفضوحة أمام العالم كله، فلا توجد أى مناطق آمنة فى غزة وأهلها الأبطال فى العراء تمامًا، أمام الإبادة الإسرائيلية التى لم ير العالم مثلها فى القرن الحديث، والغريب أن أمريكا تدّعى أنها وسيط محايد، رغم أنها هى التى تحارب أهل غزة أصلًا، خصوصًا بعد تصريح بايدن الأخير الذى أعلن فيه أنه إذا قامت حماس بتسليم الرهائن سيتم وقف إطلاق النار، فإذا كانت الإدارة الأمريكية قادرة على إيقاف إطلاق النار.. فلِمَ لا تفعل ذلك الآن؟! وكأن الدم الفلسطينى واستشهاد أكثر من 35 ألفًا من الأطفال والنساء والشباب والرجال الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية فى غزة تمامًا واستخدام القنابل التى تعادل فى وزنها القنابل النووية فى إبادة شعب بالكامل- ليست سببًا كافيًا للضغط لإيقاف النار.

ولكن التحرك الدبلوماسى والسياسى المصرى فى هذه الفتره الهامة فى تاريخ منطقة الشرق الأوسط يعطى دلالة قوية على أهمية الدور المصرى فى المنطقة العربية، فمصر هى التى تحملت العبء الأكبر من فاتورة الصراع العربى الإسرائيلى منذ عام 1948 واستشهد نتيجة هذا الصراع آلاف من أبناء مصر من رجال القوات المسلحة المصرية واختلط الدم المصرى بالأرض الفلسطينية، وهى رسالة قوية للعالم بأن مصر لن تصمت طويلًا بعد كل المحاولات التى بذلها الوفد الأمنى المصرى بحنكة وخبرة وصبر طويل على ألاعيب الوفد الإسرائيلى الذى يحاول استفزاز الموقف المصرى والتملص من الالتزام بأى اتفاق أو مفاوضات رغم وجود مدير جهاز الاستخبارات الأمريكية، كما تؤكد هذه التحركات الدبلوماسية والسياسية المصرية أن محاولات القفز على الدور المصرى مرفوضة شكلًا ومضمونًا بحكم التاريخ والجغرافيا، وبحكم الدفاع عن حدودها وعن أمنها القومى، فكل المؤامرات والمخططات الصهيونية هدفها تصدير الأزمة إلى مصر وتحقيق مخطط (من النهر إلى البحر) بمباركة صهيونية أمريكية أوروبية من خلال اللعب بورقة شبه جزيرة سيناء، ولكن هذه المخططات تمثل نوعًا من الخيال وليس الحلم.

وأعتقد أن صبر مصر قد نفد، رغم أنها حتى الآن لا تزال تبذل كل المحاولات لوقف إطلاق النار وإجلاء الإسرائيليين من الجانب الفلسطينى لمعبر رفح؛ حتى يتم إدخال المساعدات الإنسانية من خلال الشريان الرئيسى لأهلنا فى غزة، ولكن أمام هذه الأحداث الدراماتيكية يجب أن يكون هناك موقف عربى داعم للدولة المصرية فى هذا التوقيت الذى تتشكل فيه المنطقة، كما أن الدور التركى والدور الإيرانى لا بديل عنهما فى هذه الفتره الهامة، فالمنطقة على شفا حفرة من النار، والمواجهات العسكرية إذا حدثت ستضرب كل المصالح الأمريكية فى المنطقه بل ستتعداها إلى أماكن أخرى فى العالم إذا لم يتم إيقاف جنون رئيس الوزراء الإسرائيلى المتشبث بالسلطة على حساب إبادة وحرق الشعب الفلسطينى فى غزة والضفة والقدس، وأعتقد أن بوادر اتساع الصراع العسكرى قد بدأت بالفعل على الجبهة الشمالية من خلال رجال المقاومة الأبطال حزب الله، وعلى الجبهة الجنوبية من خلال ميليشيات الحوثيين التى كشفت الأساطيل الأمريكية والأوروبية فى البحر الأحمر.

نحن نمتلك العديد من أوراق القوة، وإذا توحدنا واستخدمنا أوراق الضغط التى لم نستخدمها حتى الآن مثل البترول والغاز أو الاستثمارات المنتشرة فى البنوك الأمريكية والأوروبية ستتغير المعادلة وأوراق اللعبة، ويعرف اليمين المتطرف حجمه الحقيقى، كما يجب أن نستغل انتفاضة أهالى الرهائن الإسرائيليين، والحركات الطلابية على مستوى جامعات العالم وإضراب أساتذة الجامعات الأمريكية، فهذه فرصة نادرة واستثنائية للعرب أن يعيدوا أمجادهم فى حرب أكتوبر وأن يلقنوا الجانب الإسرائيلى درسًا لن ينساه.

ودعونا نقل إن مصر عندما تتحرك يتحرك العالم العربى، وعندما تنهض يقف الجميع إجلالًا واحترامًا لهذا الشعب العظيم التواق للخلاص من هؤلاء الشياطين الذين عاثوا فى الأرض فسادًا وإفسادًا وقتلًا وتدميرًا.

ولا أنسى أن أشيد بالموقف الوطنى الرائع لدولة جنوب إفريقيا.. ولِمَ لا وهى بلد نيلسون مانديلا الذى قال مقولته المشهورة (لن أهدأ بعد أن يتم تحرير جنوب إفريقيا إلا عندما تتحرر فلسطين)، وكذلك موقف نيكاراجوا التى كشفت الزيف الأوروبى أو موقف كولومبيا التى قطعت علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل والموقف الذى يعتبر رسالة لبعض الدول العربية هو موقف إسبانيا.

فبعد إبادة الشعب الفلسطينى، واستهداف منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة وقتل موظفيها فى غزة ماذا يتبقى أيها العالم الذى تدعى رفع شعارات حقوق الإنسان والحيوان والديمقراطيه الزائفة؟!.

دعونا نقف مرة واحدة حتى نغير شكل الخريطة وتعود فلسطين دولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة وتستعيد حدودها وأرضها حسب حدود 67 لأن العالم يتغير، وعلى العرب أن يتغيروا وأن يقفوا مع مصر التى هى عمود الخيمة العربية والإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى