بأقلامنا

في وداع الزميلة الغالية رشا نجار بقلم الشاعر هنري زغيب

رشا

كان ذلك قبل ربع قرن.
وكانت جارتي إِلى طاولة اللجنة التحكيمية في برنامج “ستوديو الفن” 1996.
يومَها سأَلتُ عنها سيمون أَسمر فأَجابني بصوته وعينيه واندهاشه: “إِنها رشا نجار… من أَرقى سيِّدات بيروت”.
ومضت الحلقات أُسبوعًا بعد أُسبوع، وهي جارتي بحضورها وبُحَّة صوتها الهادئة، حتى إِذا شكَّلْتُ لجنة “الأُوديسيه” سنة 1998 كانت رشا فيها، تلك الزنبقة البيضاء، ببسمتها المخملية وعينيها الزرقاوين، وإِلقائها المميَّز على منابر “الأُوديسيه” في مناطق عدة من لبنان وفي أَسفارٍ “أُوديسيَّةٍ” متعددة إِلى بعض العالم العربي.
حين زارت لميعة عباس عمارة لبنان، كان لها في بيت رشا سكنٌ ولقاءات أَدبية، استرجعت بها رشا أُمسيات بيروت التي كان نجمها نزار قباني، بصداقته مع فاروق نجار زوج رشا.
وكان دومًا بيتُها ملتقى سيدات “الأُوديسيه” ومحطَّ التمارين والتحضيرات قبل الانطلاق إِلى الأُمسيات الشعرية هنا وهناك وهنالك من منابر لبنان.
كانت تقرأُ القصائد كأَنها منها أَو كأَنها لها، مع ذاك الإِحساس الرهيف بالكلمة، بالصورة الشعرية، بالمضمون الجمالي، فتُضفي عليها جميعها نفحةً من روحها الحلوة، من حضورها الفيروزي، من شغفِها بالشعر ونفثات الشعراء.
كانت زنبقة بيننا، كأَنما لا إِلى ذُبُول.
وكانت، في السنوات الأَخيرة، تنحدر إِليها مُنى غزال من قمر راس المتن، وأَلكسا قيامة من علْوات ضهور الشوير، ونمضي معًا إِلى جمهور ثقيف اعتاد أُمسيات “الأُوديسيه” و”توقيت الأُوديسيه” وقصائد “الأُوديسيه” في أُويقاتٍ من الشعر ذهبية الوقع والإِيقاع.
وحين توقَّفَت “الأُوديسيه” لم تتوقَّف الصداقة.
وبقيَت رشا نجمتَنا المضيئة في سَمَر أُمسياتنا المقْمرة.
صدَمني أَمس خبرُ غيابها. كأَنما غابت عن حلقتنا نجمةٌ لا كالنجمات…
وإِذ نُودِّعها، نَطوي معها ذكريات منبر وحضور وابتسامة وبُحَّة ذاك الصوت الذي علامتُه الساطعة: رشا نجار.
“روشْتي” كنتُ أُناديها.
ولن أُناديها بعد اليوم، ولن تناديها مُنى وأَلكسا رفيقتاها الغاليتان.
رشا…
يا رشا…
ستغرُبُ الشمسُ مرارًا عن بُحَّة صوتك، لكن عينيكِ الزرقاوَين لن تغرُبا عنا.
ستبقِين في ذكريات أُمسياتنا “رشا” التي ينضح قلبُها الطري بما يقوله اللسان و… ما لا يستطيع أَن يقوله.
فعلامة الزنبق أَن يَضوع ببعض ما لديه، ويبقى الضوعُ الآخر في قلب المزهرية.
هنري زغيب
“النهار” – الأربعاء
12 نيسان 2023

زر الذهاب إلى الأعلى