اصدارات

قراءة في كتاب العلم السياسي في الحوزة العلمية بقم لـ عبد الوهاب فراتي

 

يحاول الكاتب عبد الوهاب فراتي في كتابه الصادر عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي ضمن سلسلة الدراسات الحضارية_ 2024_ أن يسلّط الضوء على قضية العلوم السياسية في الحوزة العلمية بقم خلال العقود الثلاثة الماضية، أي بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران وبعد أن استعادت الحوزة العلمية بقم مكانتها السياسية في عصر الدولة الاسلامية، ويشير إلى أنها المرة الأولى التي يُدرس فيها العلم السياسي في الحوزة بشكل تفصيلي ضمن بحث مستقل.

يتألف هذا الكتاب من أربعة فصول:
الفصل الأول: يتناول عموميات وتمهيدات نظرية تهدف لمواكبة القارئ للهواجس الأساسية للمؤلف.
الفصل الثاني : يتحدث المؤلف عن العوامل والظروف التي أدت إلى ظهور فروع متعددة في العلوم السياسية في الحوزة بعد الثورة، ويضم هذا الفصل أيضا بحثا يتناول الرؤى والاتجاهات المختلفة في الحوزة حول العلوم السياسية.
الفصل الثالث : يتحدث المؤلف عن فروع العلوم السياسية في الاوساط العلمية في الحوزة.
أما الفصل الرابع فيتضمن المراكز المزدوجة لتعليم العلوم السياسية في الحوزة العلمية بقم.

علم السياسة بين الحوزة العلمية والجامعات الاكاديمية :
يشير الكاتب في الفصل الأول إلى تأثير النص كنظام معرفي في الحوزات العلمية على الحوادث والاوضاع التي يعيشها العلماء والفقهاء وينتج عن ذلك فروعا خاصة من العلوم السياسية تتمايز في ماهيتها عما يسمى في الجامعات بـ “علم السياسة” الأمر الذي يحاول المؤلف شرحه وتبيانه من خلال سبر العلوم السياسية في الحوزة العلمية بقم ليشير الى أن الحوزة والحوزويون لم يعرفوا في سنوات ما قبل الثورة شيئا اسمه العلوم السياسية واقتصرت المجهودات على مباحث سياسية حول بعض الابواب في النصوص الفقهية.
كما يشير الكاتب في الفصل الأول إلى أن المناخ العلمي السائد في الحوزة بقم يختلف عما كان عليه قبل الثورة فلم تعد السياسة في الوقت الحاضر أمرا مذموما، وبالتالي أخذت الحوزة دورها ومجالها في العلم السياسي انطلاقا من ثلاثة عناصر رئيسية هي : النص – رجل الدين – والظروف الاجتماعية والسياسية، شرحها الكاتب بتفصيل معمق .

في الفصل الثاني يتحدت الكاتب عن دور الثورة الاسلامية في ازدهار العلم السياسي في الحوزة العلمية بقم ليشير إلى أن علم السياسة ظاهرة متأخرة في الحوزة العلمية بقم حيث كان علم السياسة قبل الثورة علما جامعيا خالصا.
وأشار الكاتب إلى المقاربات الراهنة في السياسة والعلم السياسي في الحوزة العلمية بقم حيث تتصاعد اليوم وتيرة الاهتمام بالعلم السياسي في الحوزة العلمية ولكنها حسب الكاتب أيضا ما زالت تحتاج الى رؤية أو موقف موحد إزاء نشر علم السياسة في الحوزة.

إشكالية النص الديني.
تطرق المؤلف في الفصل الثاني إلى اشكالية النص الديني على النظام المعرفي الحوزوي والتي سدّت المجال عن أي فكر حداثوي للتعبير عن نفسه في الحوزة وشكّل النص الديني في الحوزة محورا لنقاشات واسعة شرحها المؤلف وصنفها لينهي بها الفصل الثاني.

في الفصل الثالث يتحدث الكاتب عن الجذور التاريخية للعلم السياسي في الحوزة العلمية بقم ليشير إلى أنها ليست عميقة وتشكل الثورة الاسلامية وتأسيس الجمهورية الاسلامية نقطة تحول في دخول هذا العلم إلى الحوزة حيث لم تعرف الحوزة في سنوات ما قبل الثورة شيئا تحت إسم العلم السياسي.
وتحدث الكاتب عن تطور وتدرج الجهود نحو النشاطات التي تعنى بالعلم السياسي حيث تم افتتاح المكتبة السياسة كأول مركز للعلوم السياسية ثم دورات تعنى بالتربية السياسية ثم أعقب ذلك تأسيس عدد من الجامعات التي تعنى بالعلوم السياسية إلى جانب العلوم الدينية .

الفقه السياسي :
وفي الفصل الثالث أيضا تطرق الكاتب إلى البحث حول الفقه السياسي ربطا بالعلوم السياسية ليشير إلى أن النص ليس هو منتج الفقه السياسي وأن الفقه السياسي ينتج إنسانا يفهم النص بصورة منهجية ويتعمق في دلالاته السياسية .

وتحدث الكاتب في هذا البحث عن :
التجربة الأولى للفقه السياسي والسمات الخاصة بطبيعة النظام السياسي عموما ولدى الشيعة خصوصا لا سيما في عصر الغيبة ليصل الى بحث مفصل حول الفقه السياسي ونظرية الجمهورية الاسلامية.

الفقه السياسي في الحوزات العلمية :
يبين الكاتب المشهد الراهن للفقه السياسي في الحوزات العلمية ليشير الى دور الجمهورية الاسلامية في تأسيس نظرية الفقه السياسي وتطويرها باتجاه قيام نظام سياسي له دور مهم للغاية في تعميق أبحاث الفقه السياسي ونشرها ربطا بالعلوم السياسية وقد أصبح الفقه السياسي في المستويات العليا والرسمية في الحوزات العلمية.
ويتابع المؤلف في الفصل الثالث حول الفقه السياسي ليتحدث عن مختلف النقاشات والقراءات الراهنة لعلماء الدين في الحوزة العلمية بقم.

تدريس العلوم السياسية في الحوزة العلمية بقم :
يتحدث الكاتب في الفصل الرابع حول تأسيس مراكز تعليمية جديدة في الحوزة العلمية بقم وذلك بتوجيه من الامام الخميني (قدس) وذلك من أجل الارتقاء بالمستوى المعرفي السياسي عند علماء الدين . وعرض الكاتب للجهود الكبيرة التي قام بها مكتب الاعلام الاسلامي لإعداد الباحثين السياسيين وذكر عددا من الجامعات والمؤسسات التي عملت باتجاه تكريس العلم السياسي لبناء جيل جديد في الجمهورية الاسلامية .

أخذ الكاتب على الحوزة العلمية بقم عدم اهتمامها لبعض الفروع العلمية السياسية حيث لا تجد علوم مثل “العلاقات الدولية” و “الدراسات الاقليمية” مكانا لها بين العلوم السياسية في الحوزة .

وينتهي الكاتب إلى أن الوعي بالعلم السياسي لدى طلبة العلوم الدينية بلغ مستوى متقدما لم يبلغه في أي مرحلة سابقة .

وخلص الكاتب الى ضرورة تصحيح النظرة المتشائمة بين بعض علماء الدين حول نشر العلوم الانسانية وتدريسها لا سيما العلوم السياسية وأن الإحاطة بطبيعة وماهية السياسة في العالم هي من الضرورات التي ينبغي لطلبة العلوم الدينية معرفتها.
وبالخلاصة فإن هذا الكتاب بما يتضمنه من أبحاث ووثائق حول الحوزة العلمية بقم يضيء بشكل واسع ومعمّق على قضية السياسة بشكل عام والعلم السياسي بشكل خاص من وجهة نظر دينية وفقهية، وكيف استطاعت هذه الحوزة بضوابطها ونصوصها المعروفة أن تواكب مصطلح العلم السياسي بكل مندرجاته الأكاديمية ربطاً بالمستجدات العلمية وانسجاما مع النصوص الدينية والفقهية المتبعة وهو أمر بالغ الأهمية.

كاظم عكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى