بأقلامنا

تعالَي إِليْكِ وناديني… فَأَجيْء ! بقلم الشاعر هنري زغيب

“أَزرار” رقم 1299
النهار”
30 كانون الأَول 2023

(عن دفتر “داناي”)
تَسكُنين بيني وبين اللحظة، فأَنبُضُكِ وأَفتكرُها.
تَخلُقين بي عاصفةً من شغَف بعفويةِ طفلةٍ تلْهو بالقدَر ولا تدري.
عاصفٌ هذا الشغَف: تردُّداتُهُ قمرُ النهار وشمسُ الليل.
كُونيكِ بأَجمل مَن أَنتِ بما أَنتِ كما أَنتِ أَينما تكونين.
كلَّما يطلُّ صوتُكِ أَهرُب إِليه بفرَح.
كلَّما يهلُّ وجهكِ أَهفو إِليه بِوَلَهٍ وارتماء.
كلَّما تندَهُني كلماتُكِ أَتلمَّسُها بأَعصابي.
تعالَي إِليكِ وناديني… فَأَجيْء.
***
أَتمسَّكُ بكِ كي أَنجو.
أَتمسَّكُ بحبِّنا كي أُوهِمَ الغيابَ أَنني لستُ جاهزًا له بعد.
نعم أُريد أَكثر… نعم أُريد عمرًا لأُحبَّكِ أَكثر.
وَهَبْتِ سِنيني ربيعَك الريَّانَ فأَشْرَقَ غروبُها من ذبولِهِ كي تُلاقي فجركِ الربيعيّ.
نورُ حياتي أَنتِ، وحبُّ الحياة، فمِن أَين جئْتِ بهذه النعمة؟
نُعماكِ تَلِدين كلَّ صباح فجرًا لنا، وتطوين كلَّ ليلة حلمًا واعدًا بفجرنا الآتي.
تعالَي إِليكِ وناديني… فَأَجيْء.
***
جئْتِني في غفلةٍ عن انتظاري فَوَلَدْتِ بي نعمةَ انتظارٍ آخَر، حُرقةَ انتظارٍ جديد، قلقَ انتظارٍ زمانَنَا.
أَيتها الملاكُ الساهرةُ على خَطَواتي: في مسيرتي أَنتِ قُبلَةُ غدٍ منتَظِرٍ على باب الوعد، ووعدُكِ قَسَم.
في وعدِكِ أَن سيَجيْءُ زمانُنا من خلْف الغُيُوم العالية، ومنذُئذٍ أَرقُب الغُيُوم حتى يتفتَّتَ حجرُ الصبر فتتكسَّرَ المسافات فيها وتولدَ شمسُنا لا إِلى غروب.
طوباكِ طوباكِ وأَنتِ نارٌ مخبوءةٌ في جَمْرةٍ مكبوتة: تتحجَّجين بالذي بي، وهو بكِ بركانٌ من رغبةٍ لم ينضَج أَوانُها بعد.
تُمسكين الوعدَ في يدٍ، والزمنَ في الأُخرى، فما أَقْدَرَكِ على الاحتمال!
دخلْتِ حديقتي فأَحيَيْتِ فيها كلَّ زهرةٍ كانت إِلى إِذواء، وجعلْتِ حبَّةَ الندى تنزل على شفاه الوردة دُنيا من الشوق إِلى اكتناه الصحو الدائم.
وُلدتِ في بستاني قصفةَ زيتونٍ، فكيف حدَسْتِ بأَنني توقُ النعمةِ إِلى الاحتماء في بَرَكَة الزيتون!
تعالَي إِليكِ وناديني… فَأَجيْء.
***

كيف تَمضينَ وحدَكِ إِليكِ، وأَنتِ تعرفين أَنني ساكنٌ في الــ”إِليكِ”، مرتاحٌ لدى الـ”فيكِ”، ودومًا مشتاقٌ إِلى الــ”منكِ”؟ تُراكِ تَنْذُرين أَن تُسَرِّعي الآتي فيأْتي قبل يكونُ له أَن يأْتي؟
هوذا العامُ ينقضي وينام في الـ”كان” طاويًا كلَّ ما حوى، مؤْمنًا بأَنَّ ما كان ضبابًا فيه قاتمًا لن يعود.
وها العامُ الجديد يرتقبُنا في وَساعة “النذْر الأَعلى”، وهو الحُبُّ الأَعلى، وهو “البحرُ الأَعظم”.
فتعالَي معي إِلى هذا الــ”أَعلى”، نتخاصر إِلى تلَّةٍ من دُعاء، لعلَّ لنا فيها صوتَ استجابةٍ، فنختصرُ المسافةَ إِلى النُور، ويولدُ ضوءٌ خفيضٌ من شمعةٍ واعدةٍ بالنور الأَكمل.
حبُّنا هو النور.
حبُّنا هو الخلاص.
حبُّنا هو الحياة.
ولنا حبُّ الحياة يحملُنا إِلى النُعمى فنهنأُ به وبها.
ويكونُ زمنٌ لنا طالعٌ من غفْلة الانتظار، فينكسرُ الخوف، ويذوبُ القلَق، وينتهي الزمن الممنوع، ونرى إِلى الشمس بعيونٍ غيرِ راجفة!
تعالي إِليكِ وناديني… فأَجيْءُ.
وليتكرَّسْ زمانُنا بميرونٍ تكونُ هيَّأَتْه لنا قصفةُ الزيتونِ المقدَّسَةُ بتَمَام النعمة!
هـنـري زغـيـب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد كتابي عنها سنة 2017
هي ذي أُسطُورةُ “داناي”
تعود من جديد
في مقالي الجديد
أَدناه

زر الذهاب إلى الأعلى