بأقلامنا

كم هو مؤلم رحليه بقلم الدكتورة سلوى الخليل الأمين

كم هو مؤلم رحيلك يا دكتور حسان حلاق، فالوطن الذي عملت له وحلمت به مضيئا عبر آفاق الدهشة، تتقاذفه الأنواء والسموم والقلوب السوداء، فكم كنت عارفا ومدركا لكل ما حلّ على هذا الوطن من شرور ومصائب، ومع هذا علّمت طلابك في الجامعة اللبنانية والجامعة العربية أن يكونوا مواطنين صالحين يتمسّكون بهويتهم اللبنانية دون غيرها من الهويات والرايات.
هكذا عرفتك لبنانيا عربيا واضح الرؤية، شغوف بسبر الحقائق وتبيانها، لا يغيّر مبادئك زعيم، ولا ترهن عقلك لمن يستعبده، كنت مواطنا حرّا أبيّا، ومواطنا كرّست حياتك كلها من أجل عزة الوطن وكرامته وسيادته واستقلاله. لم تغيّرك مودات، ولم تبدّل مواقفك مغريات، ولم تجنح كما الآخرون الذين استعبدهم المال، بل بقيت المعلم العلم بل الأستاذ الجامعي والباحث المعرفي والمحقق المفكر الذي يشار له بالبنان، وذلك لسعة اطّلاعه ووساعة معارفه وصدق نهجه ومنهجه واستقامة هدفه الذي لم يتحوّل أو يتغيّر حسب الأهواء.
خسرناك، وخسرك كل إنسان تعلو مراتبه وعلومه المعرفية إلى أعلى الأعلين، فمن لبيروت بعدك أن يؤرشف حكاياتها، وأن يرسم لوحاتها الجميلة بتأنٍّ ودقة الماهر العارف، الذي لا تفوته أي إشارة إلى معالمها التاريخية وعائلاتها المتنوعة وحاراتها وشوارعها وأيام مجدها، يوم كانت أم الشرائع.
الدكتور حسان حلاق حمل العروبة راية كفاح ونضال، فكانت فلسطين وهموم الأمة العربية هما العطش الذي رواه بيراعه، وهما الألم الذي لم يفارقه، فانطوى قلبه باحثا عن نقطة ضوء في علياء الرب العظيم.
الدكتور حسان حلاق وداعا، وأقولها بحسرة وألم، فمن سيزيّن اجتماعاتنا في منتدى بيروت الذي أسّسناه سويّة برئاسة الأستاذ صلاح سلام، كي نتابع المسيرة التي تضيء منابر بيروت بدفق الرؤى ووضع الثقافة في مكانها الأرحب، التي لم تغب عنك وعنا وعن كل مثقف في هذا الوطن، نذر عمره من أجل بقاء بيروت عاصمة لبنان، بلد الإشعاع والفكر والإبداع.
رحلت غير مفارق، وستبقى معنا نستسقي من أبحاثك ومؤلفاتك ومخزونك المعرفي الماء الذي يروي العطاش ويروينا.
إلى جنات الخلد مثواك.
* رئيسة ديوان أهل القلم
زر الذهاب إلى الأعلى